الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجهل آفة العصر

بالعلم تحيا الأرض، وبالعلماء تُخرج ثمارها، وبالجهل تموت وتجدب وتصير مقفرة موات

الجهل آفة العصر
خالد آل رحيم
الثلاثاء ٠٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٠٤ ص
3624

الجهل آفة العصر

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لا شك أن الفتن والأزمات تُظهر العالم من المتعالم، وتفضح الجاهل الذي يدَّعي العلم، وهنا مكمن الخطورة؛ حيث يتصدر المشهد أُناس يفتون بغير علم فَضَلُّوا وأضلوا، وتلك آفة استشرت في مجتمعاتنا، وهي آفة الجهل .. والجهل كما قال ابن منظور: "الجهل نقيض العلم، والجهل ضد الخبرة؛ يُقال: هو يجهل ذلك؛ أي لا يعرفه". وقال المناوي: الجهل هو التقدُّم في الأمور المبهمة بغير علم. وقال ابن نُجيم: حقيقة الجهل عدم العلم بما من شأنه أن يكون معلومًا، فإن قارن اعتقاد النقيض -أي الشعور بالشيء- على خلاف ما هو به فهو الجهل المركب، واختلف العلماء في أنواع الجهل؛ فمنهم من قال: هو قسمان. ومنهم مَن قال: ثلاثة.

قال الجرجاني: الجهل على ضربين: الأول: الجهل البسيط، وهو عدم العلم عما من شأنه أن يكون معلومًا. والثاني: الجهل المركب، وهو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.

وقال الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم. الثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. الثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادًا صحيحًا أو فاسدًا.

وقد ذمَّ الله تعالى الجهل في كثير من آيات القرآن الكريم فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)، وقال تعالى: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)، وقال تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ).

ونبَّه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإعراض عن الجاهلين فقال له: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ).

وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الجهل كما روى البخاري: أن عبد الله بن مسعود وأبي موسي الأشعري رضي الله عنهما قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بين يدي الساعة أيامًا ينزل فيها الجهل ويُرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل".

وعن عبد لله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".

وقال عيسى عليه السلام: "لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا يزال عالم يموت وأثر للحق يُدرس حتى يكثر أهل الجهل، وقد ذهب أهل العلم فيعملون بالجهل ويدينون بغير الحق ويضلون عن سواء السبيل".

وقال الثوري: تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، وقال بزر جمهر: الجهل في القلب كالنز في الأرض يفسد ما حوله. وقال: لما قيل له: ما لكم لا تعاتبون الجهال؟ فقال: إنا لا نكلف العمى أن يبصروا ولا الصم أن يسمعوا.

عقوبة أهل الجهل:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والظلم باتباع أهوائهم الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى)، وهؤلاء قسمان: الأول: الذين يحسبون أنهم على علم وهدى، وهم أهل الجهل والضلال؛ فهؤلاء أهل الجهل المركب الذين يجهلون الحق ويعادونه ويعادون أهله وينصرون الباطل ويوالون أهله وهم: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ). والقسم الثاني: أصحاب الظلمات وهم المنغمسون في الجهل، بحيث قد أحاط بهم من كل وجه؛ فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضل سبيلًا؛ فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة، بل مجرد التقليد واتباع الآباء من غير نور من الله تعالى، كظلمات عديدة وهي ظلمة الجهل وظلمة الكفر وظلمة الظلم واتباع الهوى وظلمة الشك والريب وظلمة الإعراض عن الحق؛ فإن المعرض عما بعث الله تعالى به محمدًا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق؛ فهو يتقلب في خمس ظلمات؛ قوله ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلم.

وقلبه مظلم ووجهه مظلم وكلامه مظلم وحاله مظلم (بتصرف).

وصدق القائل:

والجاهلون فموتى قبل موتهم *** والعالمون وإن ماتوا فأحياء

فبالعلم تحيا الأرض، وبالعلماء تُخرج ثمارها، وبالجهل تموت وتجدب وتصير مقفرة موات.

والله من وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة