الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أثر الفردية فى جمود العمل الإسلامى

أثر الفردية فى جمود العمل الإسلامى
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٩ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٣:١٩ م
1530

أثر الفردية فى جمود العمل الإسلامى

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله و صحبه ومن والاه أما بعد :-

فمع أننا كدعوة سلفية ندين لله عز و جل بمشروعية العمل الجماعى و نرى حتمية وجوده فى واقع الدعاة إلا أنه مازالت هناك شرائح من المنتسبين إلى الدعوة ممن يؤثرون التنحى و يفضلون عدم الانخراط فى الأعمال الجماعية بالإضافة إلى ظهور بعض النزعات الفردية داخل الاتجاهات التى تتبنى الأعمال الجماعية و هذه السطور القادمة محاولة للتعرف على مدى خطورة هذا المسلك و الآثار المترتبة عليه . عسى أن يجد هذا النداء صدى فى قلوب إخواننا و يكون عوناً لهم فى مجاوزة هذه العزلة .

أولاً : تحقيق مصطلح الفردية :-

يأتى هذا المصطلح بعدة معانى بعضها ممدوح و لكن الأشهر إطلاقها على المعنى المذموم.

المعنى الممدوح للفردية ويقصد بها هنا اعتماد الفرد على نفسه فى تطوير قدراته و تنمية مواهبه و صقل خبراته دون انتظار من يؤدى له ذلك خصوصاً فى ظل غياب الأنظمة الشرعية الحاضنة للدعوة و الراعية للدعاة , وتكون الفردية هنا مرادفة للعصامية.

المعنى المذموم للفردية ويقصد بها إيثار الشخص لحياة التفرد و الانعزال على الانخراط فى حياة الجماعة , وقد يكون فى عدة صور منها :

* اعتزال الفرد واجب الدعوة تماماً و اكتفاءه بإقامة الإسلام فى نفسه و لا شأن له بالآخرين .

* المشاركة فى بعض صور الدعوة الفردية مثل تقديم العون للمحتاجين أو إنكار بعض المنكرات و لكن بجهود فردية بعيدة عن مجال التعاون مع غيره من العاملين .

و سواء كان هذا أو ذاك فكلاهما يلحقه شىء من الذم و هو ما سنوليه قدراً من الكلام.

ثانياً أهم الأسباب الداعية للفردية مع التعليق عليها :-

1-              التذرع ببعض النصوص الشرعية التى يُهم منها فضيلة الانعزال  أو الترغيب فى الانزواء مثل حديث حذيفة " فاعتزل تلك الفرق كلها و لو أن تعض بأصل شجرة فتموت و أنت على ذلك " و قول النبى " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال و مواقع القطر يفر بدينه من الفتنة " أو غيرها مما يدل على نفس معناها .

التعليق

* نقول إن هؤلاء غاب عنهم الكثير من النصوص الأخرى التى تحض على التزام الجماعة و التمسك بها مثل قول الله عز و جل " و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان " و قول الله عز و جل " و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا " و قول النبى صلى اللله عليه و سلم " إذا كنتم ثلاثة فعلى سفر فأمروا أحدكم " و دين اللله عز و جل ليس فيه تناقض و لا تعارض فوجب علينا أولاً أن نجمع بين هذه النصوص حتى تتواءم.

* الأمر الثانى أن هذه النصوص فُهمت على غير وجهها و وُظفت فى غير محلها و إلا فبالنظر إلى كتب أهل العلم فى تفسير هذه النصوص  نجد أنهم حملوها على أحوال مخصوصة كما فى أحوال آخر الزمان  أو وقت إطباق الفتن على مكان ما مع عدم وجود من يتعاون معه فى درءها مثل ما اعتزل ابن عمر و أبو ذر و خلق من الصحابة لما وقعت الفتنة بينهم و كذلك الإمام مالك فى آخر حياته .و أيضاً كما جاء فى حديث قاتل المائة  عندما قال له الرجل العالم " اذهب إلى أرض كذا و كذا فإن فيها قوماً صالحين فاعبد الله معم و لا ترجع إلى بلدك فإنها بلد سوء "

فلم يأمره بالعزلة التامة  أو الهجرة إلى البرارى و التزام شغاف الجبال , بل أمره بمفارقة أرض السوء – و التى لا يستطيع أن يغير منكراتها – و أن يذهب إلى أرض الصلاح و لا يكتفى بذلك بل وصاه بأن يعبد الله معهم .

2-              الخوف من عدم تحقيق الذات أو هضم الشخصية

التعليق

الواقع أن الجماعة الواعية ليس من صالحها إلغاء شخصية أفرادها لأنها تستفيد من تفاوت إمكانياتهم و تنوع قدراتهم , و أيضاً فالإسلام لا يربى أتباعه على هذه الأخلاق بل يزرع فيهم الجرأة المنضبطة و الشجاعة الأدبية و الناظر إلى تاريخ المسلمين و سير الصحابة يجد هذا الأمر واضحاً تماماً فهذا أبو بكر رضى الله عنه يطلب من رعيته أن يقوموه إذا أخطأ فيقول فى خطبة ولايته " إنى وليت عليكم و لست بخيركم فإن أخطأت فقومونى " و ها هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه رغم ما عرف عنه من القوة و الشدة يقول له أحد رعيته " لو رأينا منك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا "

و مع ذلك يجب علينا أن نلاحظ ما يلى.

* أن المسلم خير له أن يكون ذنباً فى الحق من أن يكون رأساً فى الباطل .

* ليس معنى تحقيق الشخصية هو عدم الالتزام بالضوابط أو عدم مراعاة الآداب لأن العشوائية من سلبيات أى عمل , ومن مزايا الأعمال الجماعية أنها تربى الفرد على النظام و تخلق فيه آداب التعامل مع الآخرين و التى لا ينفك الإنسان عنها بحال

3-الخوف من تبعات الأعمال الجماعية , إذ التكاليف لا تنتهى وغالباً ما تستهلك معظم الأوقات فتشغل صاحبها عن باقى المهمات مثل تحصيل العلم , تربية النفس و الاستغفار والذكر وغيرها.

التعليق

* بالنظر إلى هذه الشبهة نجد أن صاحبها قد توهم تعارضاً بين الأعمال الدعوية من ناحية و بين التكاليف الشرعية الأخرى , وهذا لايقع فيه الإنسان إلا من قبيل خلط الأوراق و عدم تنظيم الوقت أو بتحميل النفس من الأعمال ما لا يطيقه إذ الأصل فى ذلك قول الله عز و جل " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".

* إن إخراج الأعمال الدعوية من كونها عبادة من أجل العبادات تساهم فى زيادة الإيمان و تزكية النفس كما هو الحال فى غيرها من التكاليف لا يقع فيه الإنسان إلا إذا فقد روح هذه الأعمال أو أداها بطريقة روتينية من غير استحضار النوايا و تعهد النفس و الواجب على الداعى أن يوفق بين هذه الطاعات و أن يستعن بالله فى إنجازها لا أن يصادم بعضها ببعض.

4- الاحتكاكات بين الأفراد والتى قد تولد ضغائن أو تثير مشكلات فيؤثر الفرد عدم المخالطة حفاظاً على سلامة صدره ونقاء قلبه.

التعليق

* هذا و إن وجد فليس علاجه الفرار بل الصمود حتى يصلح الإنسان نفسه و إخوانه و قد حدثت بين الصحابة بعض الخصومات و المشاجرات لكن لم يحمل أحدٌ منهم على أخيه و لم يدفعه هذا إلى ترك الجماعة أو اعتزال المسلمين كما حدث بين أبو ذر و بلال عندما قال له " يا ابن السوداء" و كما حدث بين أبا بكر و عمر حتى أوشك النبى أن يغضب على عمر رضى الله عنه .

* أن الاجتماع و إن أدى إلى كدر فإن الإنسان مطالب بالصبر عليه تحقيقاً لمصالح أخرى تفوق هذا الضرر اليسير كما قال الله عز و جل ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ).

5- غالباً ما يتعرض أصحاب الأعمال الجماعية لصور من المحن و الابتلاءات قد لا يستطيع الإنسان تحملها:-

التعليق

نقول كفى بالمرء شرفاً أن يُبتلى فى سبيل نشر دعوته وإعلاء دينه وهذا هو درب الأنبياء و الصالحين كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و يبتلى المرء على قدر دينه فإن كان فى دينه صلابة زيد له فى الابتلاء " ، وقد قال الله عز وجل ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين و نبلوا أخباركم ).

وإن كان الابتلاء ليس هدفاً يسعى الداعى لتحقيقه ولا وساماً يبذل نفسه فى سبيل الحصول عليه ولكنه فريضة فرضها الله على عباده حتى يعلم قدرهم ويميز صفهم قال عز وجل ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ).

6- الهزيمة النفسية و اليأس من الإصلاح لتوغل الشر وانتشار الفساد

التعليق

*نقول أن القاعد عن أداء واجبه فى الدعوة إلى الله يزيد هذا الشر والفساد وقد قال الله عز و جل ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً).

*أن الدعوة إلى الله و إن لم ينتفع بها الآخرون فالداعى يقوم بها إنقاذاً لنفسه هو من الهلاك الدنيوى و إقامة للعذر فى الآخرة فعن زينب بنت جحش أنها سألت النبى صلى الله عليه و سلم : أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال " نعم إذا كثر الخبث ".

* أن الداعى إلى الله غير مطالب بالنتيجة طالما أدى واجبه على ما يُراد منه قال عز و جل ( إنك لا تهدى من أحببت و لكن الله يهدى من يشاء).

*أن هذا القول لا محل له من الإعراب والواقع يشهد على أن الدعوة تؤتى ثمارها و الحمد لله و كل يوم نرى من إقبال الناس على الالتزام و التمسك بالدين ما يثلج صدورالدعاة و يطمئن قلوبهم .

7- التأثر ببعض المشايخ أو الدعاة ممن يتبنى هذه النظرية

التعليق

فهذا الأمر وإن وجد فيجب على الإنسان أن يتبع الحق أينما كان وألا يأخذ القول إلا بدليله فإن صدر هذا الكلام من بعض أهل العلم و الفضل – وهذا مُتَصَور– فنعتذر لهم عن خطأهم وندعو لهم بغفران ذنوبهم ولا يمنعنا ذلك من الاستفادة بما عندهم من خير وعلم وما أجمل ما قاله ابن القيم عن شيخه الهروى " وشيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا والحق أحب إلينا منه ".

أما إن لم يكن من أهل العلم وأضاف إلى ذلك أنواع من الأقوال الشاذة والمقالات المنحرفة فالأولى تركه والابتعاد عنه وقد قال ابن شوذب رحمه الله " من علامات سلامة الحدث اذا نسك أن يوفقه الله إلى صاحب سنة يحمله عليها ".

 

ثالثاً الآثار المترتبة على اختيار العزلة و إيثار التفرد : -

1-              ضعف الإمكانيات الشخصية و قلة الرصيد من الخبرات الحياتية , إذ الأعمال الجماعية تفجر طاقات الإنسان وتبرز ما عنده من مواهب وإمكانيات وتحاول أن توظفها فى مكانها الصحيح .

2-              عدم الاطلاع على العيوب الداخلية لأن الأعمال الجماعية تضع نصب عين العامل عيوب نفسه وآفات قلبه  , ومن ثم يتوصل إلى علاجها بفضل الله ثم بمساعدة إخوانه .

3-              التجمد أو اليأس أو الانتكاس.

و كل منهم آفة مستقلة وقد تؤدى إلى أختها فالمنعزل يتجمد من حيث الحركة وبالتالى يتجمد رصيدة من الأجر والثواب ويُحرم من نعمة الأنس بالإخوان وقد قال الحسن " إخواننا أحب إلينا من أهلونا وإنما كان ذلك لأنهم يذكرونا الآخرة أما أهلونا يذكرونا الدنيا " ثم إن هذا يؤدى به إلى اليأس المذموم الذى ذكرناه آنفاً وقد ينتهى به الحال إلى الانتكاس لأن الهجوم خير وسيلة للدفاع وبالدعوة ينقل الداعى المعركة خارج أرضه فإذا توقف صار قلبه محل المعركة .

4-              تأثر الدعوة بقلة العاملين والمشاركين.

وهى شوكة تغص فى حلوق الدعاة إلى الله لشعورهم بالأزمة وفقدانهم لجهود إخوانهم ومساندتهم لهم ومن يتأمل طلب موسى عليه السلام ( واجعل وزيراً من أهلى هارون أخى اشدد به أزرى وأشركه فى أمرى )  يستشعر حجم الأزمة التى يعيشها الدعاة إلى الله.

رابعاً : أهم طرق العلاج :

1-              تصحيح المفاهيم و رد الشبهات المتعلقة بهذا الأمر .

2-              تحديث النفس بفضائل الدعوة و المشاركة فيها و قد قال النبى صلى الله عليه و سلم " لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ".

3-               مصاحبة من يُظن فيه الإعانة على ذلك ف" المرء على دين خليله "كما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم.

4-              الاطلاع على جهود الكافرين المجتمعة على حرب الإسلام وإبادة أهله

 

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

تم نسخه بتاريخ 22/7/2010

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة