السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -9

مما يقوم به الأحياء وينتفع به الأموات عقب وفاتهم

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -9
علاء بكر
الثلاثاء ٢٩ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:١٤ ص
1320

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه (9)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ينتقل الإنسان بموته من حياته الدنيوية إلى حياة أخرى برزخية، وينقطع عمله الدنيوي، فلا قدرة له على تحصيل المزيد من الحسنات، رغم ما انكشف له بعد الموت من حقائق وأمور غيبية يتمنى معها لو وجد الفرصة لاكتساب المزيد من الحسنات والأجر والثواب. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون . وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين . ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) (المنافقون: 9 -11). وقال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا أنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (المؤمنون: 99- 100).

ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل للموتى أبوابًا للازدياد من الحسنات والانتفاع بها من قبل إخوانهم من الأحياء، ومن أقاربهم من صلة الرحم. ومنها منافع ترتبط بعذاب القبر ونعيمه، وما يعقب الوفاة، فلله الحمد والمنة. وهذه الأمور لا تعرف إلا بالشرع، فلا يزاد عليها ما ليس منها، بل يلزم الاقتصار عليها.

ومما يقوم به الأحياء وينتفع به الأموات عقب وفاتهم:

1 – إغماض عين الميت عند وفاته والدعاء له: (اللهم اغفر -يُسمِّيه باسمه- وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، و افسح له في قبره ونور له فيه). لحديث أم سلمة رضي الله عنها: دخل رسول الله على أبي سلمة رضي الله عنه، وقد شق بصره (أي: شخص)، فأغمضه، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)، فضج ناس من أهله (أي: صاحوا بصوت شديد)، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون). ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه (أي: كن خليفة له في ذريته)، في الغابرين (أي الباقين)، واغفر لنا وله يا رب العالمين،  افسح له في قبره (أي وسع له قبره)، ونور له فيه). رواه مسلم.

2 – تكثير المصلين على جنازته، وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، فتكون صلاتهم على الميت شفاعة له:

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه). رواه مسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم فيه) رواه مسلم. قال الألباني في أحكام الجنائز (ط. سلسلة (السلفيون يتحدثون): ص 99) تعليقًا على هذا الحديث: (وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شيء من الشرك).

وعن مرثد بن عبد الله اليزني قال: كان مالك بن هبيرة رضي الله عنه إذا صلى على الجنازة فتقال الناس عليها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليه ثلاث صفوف فقد أوجب). وفي لفظ (إلا غفر له). رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، وتبعه النووي في المجموع، وأقره الحافظ في الفتح، ورواه البيهقي والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وعارضهم الألباني لوجود عنعنة محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وذكر له شاهد لا بأس به، وهو حديث أبي أمامة: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر، فجعل ثلاثة صفا، واثنين صفا، واثنين صفا" رواه الطبراني في الكبير، وقال الشوكاني: (وأقل ما يُسمى صفًّا رجلان ولا حد لأكثره".

3 – الإخلاص في الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان، وصححه الألباني في الإرواء (732). والميت من المسلمين ينتفع بدعاء إخوانه من المسلمين له، لما بينه وبينهم من الرابطة الإيمانية التي هي من كسبه، وينتفع كذلك بدعاء ابنه له خاصة فإن ابنه من كسبه.

4 – الإكثار من الدعاء للميت، خاصة في صلاة الجنازة، والأولى في الدعاء الدعاء المأثور المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم. ومن ذلك:

- عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار)، حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. رواه مسلم.

- عن واثلة بن الأسقع قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: (اللهم إن فلانا ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقِهِ فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم). رواه أبو داود و ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأحمد. وقال الألباني: (بإسناد صحيح إن شاء الله تعالى، وقد أورده ابن القيم فيما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم، وسكت عليه النووي في المجموع).

- وعن يزيد بن ركانة بن المطلب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: (اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنًا فزد في حسناته، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه)، ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو. رواه الحاكم وقال: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي، ورواه الطبراني في الكبير بالزيادة الأخيرة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على جنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيهِ على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَهُ على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده). رواه أبو داود و الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قال الألباني: وهو كما قالا، وأعل بما لا يقدح.

5 – الدعاء للميت بعد دفنه في قبره عامة، وسؤال التثبيت له عند السؤال في القبر خاصة:

فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) رواه أبو داود و البيهقي، والحاكم وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قالا. وقال النووي: إسناده جيد. والمراد تثبيته عندما يسأله الملكان في القبر عن دينه وربه ونبيه. وفي الحديث المرفوع: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) رواه مسلم.

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (إذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها؛ حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي) رواه مسلم.

6 – تصدق أهله عنه وصيامهم:

فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي أفتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. متفق عليه.

ومثله صيام وليه عنه ما كان عليه من صيام واجب، أو الحج و العمرة. فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق عليه. وفي الصحيحين أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله، فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: (اقضهِ عنها).

وفي الحديث أن عمرو بن العاص بن وائل السهمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أن أبي أوْصى أن يعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاما -يعني أخوه هشام بن العاص بن وائل السهمي- اعتق عنه خمسين، وبقيت خمسون، أفأعتقه عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم أو تصدقتم عنه بلغه ذلك). رواه أبو داود، والبيهقي والسياق له، وأحمد. وعند أحمد في رواية أخرى: (فلو كان أقر بالتوحيد فصمت عنه نفعه ذلك) قال الألباني: وإسنادهم حسن.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي: إن أبي مات وترك مالًا ولم يوصِ فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: (نعم). رواه مسلم.

وفي الحديث المرفوع: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). رواه مسلم.

كما ينبغي عليهم أيضًا قضاء ما عليه من دين، والإسراع في ذلك، والأولى قبل جنازته ودفنه.

7 – زيارة قبره مع مقابر المسلمين، والدعاء له خاصة، و الدعاء له في جملتهم عامة:

وذلك من خلال الزيارة الشرعية للقبور التي تذكر بالآخرة، وتنفع الموتى، بالدعاء لهم، على أن تكون خالية من المخالفات للشرع، أو التكلم بما يغضب الرب تبارك وتعالى. فعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عما تقوله عند زيارة أهل البقيع، فقال: (قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله (في زيادة عند النسائي وأحمد: بكم) للاحقون (وفي الزيادة: أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع)، أسأل الله لنا ولكم العافية. رواه مسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة