الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الرشاوى الانتخابية من آفات الممارسات الديمقراطية

يغلب على دول العالم الثالث في ممارسة الديمقراطية عدم وجود الضوابط والضمانات الكافية في مجال الحريات التي تحد من الفوضى في المجتمع

الرشاوى الانتخابية من آفات الممارسات الديمقراطية
علاء بكر
الاثنين ٠٤ يناير ٢٠١٦ - ١١:٢٦ ص
1273

الرشاوى الانتخابية من آفات الممارسات الديمقراطية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مما هو معلوم أن النظام الديمقراطي يقوم على إطلاق الحريات للأحزاب وللجماعات وللأفراد في الرأي والتعبير والتصرف، ولكن يغلب على دول العالم الثالث في ممارسة الديمقراطية عدم وجود الضوابط والضمانات الكافية في مجال الحريات التي تحد من الفوضى في المجتمع، وبالتالي وجود درجة كبيرة من الممارسات السلبية وغير الشريفة بين  الأحزاب مع بعضها البعض -بل داخل الحزب الواحد- وبين المرشحين والناخبين خلال العملية الانتخابية، وهي ممارسات لا تمنعها القوانين بتجريمها بقدر ما تحتاج إلى وعى والتزام أخلاقي وشعور بالمسئولية وحس وطني يقدم مصلحة الوطن والأمة على المصلحة الشخصية.

ومن أسوأ هذه السلبيات الرشاوى الانتخابية، وهي متنوعة من رشاوى مالية وعينية ومعنوية، وضغوط مادية ومعنوية تستغل احتياجات الناس، خاصة الطبقات الفقيرة والمحتاجة، ويزيد من تفاقمها انتشار الجهل والفقر والمرض. وهذه سلبية قديمة في مجتمعنا. ذكر الكاتب الصحفي عباس الطرابيلي في مقاله  (لكل المصريين) في (المصري اليوم) عدد الجمعة (29/2 / 1437 - 4 / 12/ 2015) صورًا  من متابعته ورصدها لها من الخمسينيات إلى الآن، فيقول: (وقد عشت انتخابات مصر وتابعتها منذ انتخابات ديسمبر 49 ويناير 1950، وشاهدت من داخل المقر الانتخابي للمرشح السعدي حسن بك كبيسة  ابن حارتنا العجب العجاب، شاهدت كيف يتم الاتفاق على شراء الأصوات، كان الناخب يحصل على جنيه في الصوت، كانوا يقطعون ورقة الجنيه، يحصل على نصفها الناخب، فإذا صوَّت لصالح من دفع كان هناك من يقف (ويعمل أنه بيطبطب على ظهر الناخب) وبيده طباشيرة بيضاء، ويترك علامة على ظهر الناخب، فإذا كان قد صوت بالفعل .. يتسلم فورًا نصف ورقة الجنيه الأخرى.

وما زلت أتذكر أمرًا شديد الطرافة: بما  أن دمياط -أيامها- كانت أكبر منطقة لصناعة الأحذية في مصر، كان المرشح  (يضرب عصفورين بحجر واحد)، وكانت عائلة كسيبة تمتلك -أيضًا- وِرشًا لصناعة الأحذية، فكان  الناخب يتسلم (فردة حذاء يمنى)، ويحتفظ رجال المرشح بالفردة الشمال، فإذا صوت للمرشح يتم تسليم الفردة الشمال الأخرى إليه .. ولا تسألوني: كيف كان يتم البحث عن نصف ورقة الجنيه الثانية .. أو الفردة الشمال). ويقول: (ولما خضت انتخابات مجلس الشعب عام 1995 وتعمد كمال الشاذلي -مهندس الانتخابات- إسقاطي لأنه كان قد اتفق مع فؤاد باشا على السماح بنجاح عدد معين من الوفديين  لم أكن منهم، إذ كنت  اعتمد على شعبيتي في مدينتي!! أقول: نصحني أحد رجال حملتي أن أقدم وجبات غذائية –وفعلتها بالفعل– على أن تشمل أيضًا بجانب الوجبة والعصير (حتة حشيش) تكفي خمس سجائر!! ورفضت رغم كل المغريات!!

وفي بورسعيد –المدينة الحرة– عندما كان الصراع يشتد بين الحيتان .. كان الصوت يباع بالدولار .. واسألوا العزيز ابن العزيز محمد مصطفى شردي عن ذلك رغم أن والده نجح بسبب شعبيته الطاغية هناك .. كما نجح نجله كذلك ولكن بدون هذه الدولارات وبدون غيرها .. وافهموا ما هي غيرها).  ويقول: (وفي الانتخابات الحالية وجدنا العجب العجاب .. وجدنا الصوت يُباع علًنا وبمئات الجنيهات من 50 جنيهًا إلى 100 وإلى 200، حتى وصل في بعض دوائر الصراع إلى 800 جنيه للصوت الواحد .. يا بلاش. وكان السعر يزداد كلما اقتربنا من لحظات إغلاق لجان التصويت، ولذلك كان الطامعون يتجمعون -في اللحظات الأخيرة- وهم جماعات ليحددوا سعر الصوت، وعلى أرض الواقع بل كانوا يفرضون السعر .. فهل يصمد الشرفاء!). ويقول: (ولهذا اخترع المرشحون أساليب متعددة للتحقق من التصويت لصالحهم منها التصوير بالمحمول –أثناء التصويت- من الناخب نفسه .. ومنها لعبة الطفل الدوار إذ استأجر بعض المرشحين أطفالًا صغارًا يصحب الواحد منهم أحد الأطفال على أنه ابنه .. ليرى لمن يصوت الناخب، حتى ولو قام الطفل بتغيير قميصه .. أو جلبابه). ويقول أيضًا: (ولكل عصر الرشاوى الخاصة به؛ فمثلا برزت أقراص الفياجرا في بعض الانتخابات .. وبالعلب وليس بالقرص، الآن سمعت عن شرائط الترامادول وأخواتها .. ولكن  - وقد اشتكى لي أحد المرشحين الشرفاء من تفشي هذه الظاهرة في الأحياء الشعبية والعشوائيات – لذلك  أقترح معه – التعامل بالقانون المشدد على الراشي والمرتشي؛ أي: من يدفع ومن يقبض، وأيضًا الوسيط، وبشدة، وتخويل الشرطة سلطة ضبط هذه الجرائم؛ لأنها –يعني سلطة الضبط- غير موجودة الآن).

ورغم ما تتمتع به الممارسات الديمقراطية في أوروبا من ضمانات تكفل إلى حد كبير نزاهة الانتخابات، إلى جانب تمتع معظم الناخبين بدرجة كبيرة من الوعى السياسي والحرص على مصلحة الوطن فهي لا تخلو أيضًا من آن إلى آخر من ممارسات غير شريفة من البعض، إلا أنها تطيح بأصحابها إذا  انكشفت، ومن أشهر أمثلة ذلك (فضيحة ووترجيت) في أمريكا، والتي تسببت في الإطاحة بالرئيس الأمريكي (نيكسون) بعد اكتشاف تجسسه لصالح حزبه على خصومه السياسيين. ولا يخفى أن الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات في الغرب يتوقف ولحد كبير على قوة النفوذ المادي، ومدى السيطرة على وسائل الإعلام للتأثير في الرأي العام  هناك وتوجيهه، وهذا يفسر كيف أن أقلية من اليهود في أمريكا لها قدرة على التأثير في الرأي العام ونتائج الانتخابات في أمريكا، بل التحكم في صنع القرارات السياسية المهمة لنفوذها الإعلامي والمادي هناك. فلا مكان في ديمقراطية الغرب للفقراء والضعفاء وفاقدي النفوذ، حتى وإن كانوا من أصحاب الفكر أو الرأي القويم طالما لا يملكون القدرة على التأثير في الرأي العام.

ونظرًا للأخذ بالحرية المطلقة في أوروبا فربما قدمت الرشاوى الانتخابية السلبية اللاأخلاقية علنًا بمسايرة أهواء الناس ومخاطبة غرائزهم المنحرفة. ومن أمثلة ذلك: ما ذكرته جريدة (أخبار اليوم) في عدد 7/3/1992 م ص 6 تحت عنوان: (رشوة انتخابية للشواذ في بريطانيا) ما نصه: (أبدى جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني تأييده لحملة حزب المحافظين لإنصاف الشواذ جنسيًّا في بريطانيا، ومنحهم حقوقًا مساوية وتعديل القوانين التي تتسم بالتحيز ضدهم، وذكرت مصادر حزب المحافظين أن الحزب قد ينظر في تغيير القوانين الحالية وخاصة القوانين المتعلقة بسن الرشد بالنسبة للشواذ، ففي الوقت الذي تتيح القوانين الحالية للفرد العادي من الجنسين أو حتى الشواذ من النساء ممارسة الجنس بالرضا والموافقة في سن (16)؛ فإن نفس القوانين تحرم على الشواذ من الرجال ممارسة الجنس قبل سن (21)، من هنا جاء موقف حزب الحافظين الرامي إلى تعديل هذه القوانين كرشوة انتخابية تضمن أصوات جموع الشواذ في بريطانيا قبل الانتخابات المقبلة).

ولا شك أن سلامة ونزاهة أي عملية انتخابية مرهونة بخلو ممارساتها من السلبيات المؤثرة في نتائجها، خاصة الرشاوى الانتخابية. والأمر يحتاج إلى وضع قيود وسياسات واقعية تحقق ذلك ممن بيده ذلك، بل يجب عليه. ولا شك أن اللجنة العليا للانتخابات في مصر – ومن قبلها الدستور -  أخذت ذلك في اعتبارها في الانتخابات المصرية الأخيرة، ولكنها لم تنجح بشهادة الكثيرين في تحقيق هذا الواجب المنوط بها، إما لكونها لم تأخذ بالضوابط الكافية الكفيلة بتحقيق ذلك، أو قررتها ولكن لم تُفعِّلها التفعيل المطلوب، إذ لم تحدد جهة تنفيذ العقوبات، ولم تضع آليات تنفيذها، حيث لم يصدر قرار من اللجنة بتحديد الأجهزة التي تتولى معاونتها في هذا الشأن –وهو أمر مرهون بطلبها- على الرغم من نص القانون في المادة التاسعة منه على إلزام جميع أجهزة الدولة بمعاونة اللجنة العليا للانتخابات وتنفيذ قرارها.

ومن المعروف أن من عيوبنا كثرة القوانين مع عدم تفعليها. فعلى سبيل المثال: جاء في المادة (65) من دستور 2014 م الحالي أنه:  (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بأي من الأفعال  الآتية) وذكرت منها: (ثانيا: أعطى آخر أو عرض أو التزم بأن يعطي غيره فائدة لكي يحمله على الإدلاء بصوته على وجه معين أو الامتناع عنه، وكل من قبل أو طلب فائدة من ذلك القبيل لنفسه أو لغيره). وجاء في نفس المادة: (يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه كل من نشر أو أذاع أقوالًا أو أخبارًا كاذبة عن موضوع الانتخاب أو الاستفتاء أو عن سلوك أحد المترشحين أو عن أخلاقه مع علمه بذلك بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب أو الاستفتاء، فإذا أذيعت تلك الأقوال أو الأخبار في وقت لا يستطيع فيه الناخبون أن يتبينوا الحقيقة ضوعف حدا الغرامة. ويعاقب المرشح المستفيد من الجرائم الواردة بالفقرتين السابقتين بذات عقوبة الفاعل الأصلي إذا تبين علمه وموافقته على ارتكابها، وتحكم المحكمة فضلًا عن ذلك بحرمانه من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًّا). فتأمل هذا وما وقع - خاصة مع حزب النور ورموزه ومرشحيه - طوال العملية الانتخابية بلا مؤاخذة أو حساب.

وأرى من الاقتراحات في ذلك الشأن - ولعل هذا من مهام البرلمان قبل الدخول في انتخابات مقبلة- مراعاة:

- التزام الحكومة حال الدخول في عملية انتخابية بالحياد التام تجاه جميع الناخبين والمساواة بينهم، ومن كماله حماية الناخبين في تنافسهم من إساءة بعضهم لبعض بأساليب غير قانونية وغير أخلاقية، وبيان ما يجب على المتنافسين من أبناء الوطن مراعاته طوال العملية الانتخابية حفاظًا على سلاماتها، والتدخل السريع والفعال لمنع الاستمرار في ارتكاب أي مخالفة وإبرازها للجميع، خاصة مع عدم قدرة المتضررين من الناخبين على دفع الإساءات عن أنفسهم في ظل ضعف قدرتهم المادية أو انشغالهم بالدعاية الانتخابية.

ولا بأس بتعيين حكومة خاصة مؤقتة –أو هيئة- على درجة عالية من الاستقلالية للإشراف على العملية الانتخابية تضمن النزاهة المطلوبة للانتخابات.

- تكليف جهاز الشرطة بما له من إمكانيات وسلطة بمراقبة العملية الانتخابية، ومنع التجاوزات القانونية والأخلاقية، ولن يتأتى ذلك بالطبع إلا مع استشعار هذا الجهاز بجدية الحكومة المشرفة على الانتخابات في هذا الاتجاه. على أن يتم محاسبة المتجاوزين للنظام والقيود الموضوعة للعملية الانتخابية على قدر تجاوزهم أمام قضاء خاص سريع يكلف بذلك يقرر منع الاستمرار في هذا التجاوز، مع فرض التعزير (العقاب) المناسب على مرتكبه إذا لزم الأمر، أو استبعاد صاحبه من العملية الانتخابية بالكلية.

- نشر الوعي السياسي والأخلاقي بين الناس في هذه المسألة، بالوسائل الفعالة المناسبة، خاصة الخطاب الإعلامي الديني،  وكماله بالوصول إلى تنشئة المواطن التنشئة الإسلامية الصالحة، التي يدرك معها مسئوليته تجاه دينه وأهله ووطنه.

- إلزام كل ناخب حزبي أو مستقل مشارك في الانتخابات بالتعهد الكتابي عند التقدم للعملية الانتخابية بالالتزام القانوني والأخلاقي تجاه سائر المنافسين له، وبمقتضى ذلك تتم محاسبته على مخالفاته ومخالفة أنصاره على قدر جسامتها، ومدى تأثيرها وإضرارها بالمتنافسين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة