الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإنصاف عند ابن تيمية

من صفات أهل السنة أنهم أرحم الخلق بالخلق

الإنصاف عند ابن تيمية
أحمد يحيى الشيخ
الثلاثاء ٠٥ يناير ٢٠١٦ - ١٠:٢١ ص
2695

الإنصاف عند ابن تيمية

كتبه/ أحمد يحيى الشيخ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

من صفات أهل السنة أنهم أرحم الخلق بالخلق، وأعدل الخلق بالخلق.
وقد اشتهر عنهم العدل مع مخالفيهم بما أوجب شهادة مخالفيهم لهم بذلك.
ومن ذلك ما ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع مخالفيه، وسأذكر موقفًا يُبيِّن ذلك.
1- كتب شيخ الإسلام رحمه الله رسالة إلى الشيخ نصر المنبجي يقول فيها:
من أحمد بن تيمية إلى الشيخ العارف القدوة السالك الناسك أبي الفتح نصر -فتح الله على باطنه وظاهره ما فتح به على قلوب أوليائه، ونصره على شياطين الإنس والجن في جهره وإخفائه، ونَهَجَ به الطريقة المحمدية الموافقة لشرعته، وكشف به الحقيقة الدينية المميِّزة بين خلقه وطاعته، وإرادته ومحبته، حتى يظهر للناس الفرق بين الكلمات الكونية والكلمات الدينية، وبين المؤمنين الصادقين الصالحين ومن تشبه بهم من المنافقين، كما فرق الله بينهما في كتابه وسنته ... إلخ.
2- وقال أيضًا:
والشيخ -أيده الله بنور قلبه وذكاء نفسه، وحقق قصده من نصحه للإسلام وأهله ولإخوانه السالكين- يفعل في ذلك ما يرجو به رضوان الله سبحانه ومغفرته في الدنيا والآخرة ... إلخ.
3- وقال أيضًا:
وهذا الكتاب مع أني أطلت فيه الكلام على الشيخ -أيَّد الله تعالى به الإسلام، ونفع المسلمين ببركة أنفاسه وحسن مقاصده ونور قلبه- فإن ما فيه نكت مختصرة ... اهـ.
هذه أجزاء من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أبي الفتح نصر المنبجي، أحد المغترين بابن عربى حتى بالغ ابن كثير في وصف اغتراره به فوصفه بشيخ الصوفية الحلولية الاتحادية.
بيَّن الشيخ فيها حقيقة عقيدة ابن عربي وأمثاله من متفلسفة الصوفية، الذين اغتر بهم المنبجي.

لكن المنبجي لم يقبل من شيخ الإسلام ذلك، بل كان ممن سعوا في  إيذائه، كعادة خصوم شيخ الإسلام رحمه الله، كالزملكاني وابن مخلوف.
ولما عاد الملك الناصر محمد بن قلاوُن إلى الملك، وزالت دولة الملك الجاشنكير بيبرس؛ كان من أول ما فعله أن أخرج ابن تيمية من السجن، وتكلم معه فيمن ظلموه حتى يأخذ حقه منهم، فكان رد ابن تيمية من أعجب العجب.
قال ابن كثير رحمه الله:
وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضًا! وأخذ يحثه بذلك على أن يُفتيَه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير. ففهم الشيخ مراد السلطان، فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحدًا منهم سوءٌ، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذَوْك وأرادوا قتلك مرارًا، فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي. وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح.

قال: وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: 
ما رأينا مثل ابن تيمية، حرَّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقَدَرَ علينا فصفح عنا وحاجج عنا. اهـ.
(رسالة شيخ الإسلام في نهاية الجزء الثاني من مجموع الفتاوى، وكلام ابن كثير في أول الجزء الثامن عشر من البداية والنهاية).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com