الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إنها مؤامرة

عامل من عوامل كثيرة تضع علامات على الطريق، والعاقبة للتقوى

إنها مؤامرة
بسام الزرقا
الخميس ٠٧ يناير ٢٠١٦ - ١١:٥٧ ص
1616

إنها مؤامرة 

كتبه/ بسام الزرقا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أحداث متلاحقة، دماء وأشلاء، مهجرون من الأوطان، طائرات تستهدف قادة، سفن وغواصات، تدخل دول – ليست واحدة أو حتى عشرة عد إلى 65، من يزيد؟ مجموعة ظهرت على الساحة منذ ما يقرب فقط من العام والنصف أصبحت كابوس الأحلام من الصين شرقا عابرة للمحيطات للولايات المتحدة غربًا، مرورًا بباقي القارة الآسيوية والقارة الأوربية والإفريقية، الاسم رهيب إنها داعش الرعب الأسود، والعدد بالنسبة لخصومهم نزر يسير، أفراد قلائل يؤرقون حكام أوربا سادة العالم منذ زمن قريب!
تحضيرات في طريقة الحكم من المغرب حتى العراق، انتخابات بطريقة (حلق حوش) في مصر، إيران لا تكتفي بالتدخل في الجوار (سوريا، لبنان، الكويت، العراق، البحرين، وتهدد الوحدة الوطنية للمملكة العربية السعودية) إنها أيضا تشن حربًا بالوكالة في اليمن، انفجارات بتركيا واشتعال حرب من الأكراد ... و.... و.....
ما الذي يحدث؟ هذا سؤال، ومن ورائها ما دوافعه؟ سؤال أصعب، وما نهاية هذه الأحداث ومآلاتها؟ سؤال أشد صعوبة من كل ما سبق.
ما الذي يحدث؟ البعض يستطيع الإجابة بالاكتفاء بالنظر لنشرات الأخبار أو مطالعة النت. البعض يجيبك بمنتهى الثقة بكلمة واحدة، كلمة واحدة تكفي في نظره وفي نظر قطاع كبير من الناس للإجابة ليس فقط عن السؤال الأول إنما أيضا تصلح للإجابة عن كل الأسئلة التي طرحت والتي يمكن أن تطرح في أي وقت أو حين، إنها كلمة «المؤامرة» أي شيء تراه وتعجز عن معرفة كنهه ويستعجم عليك فهمه إذن هو بالقطع «مؤامرة» الأمر سهل جدا، هل تفسير كل الأحداث الجسام أو حتى جلها أو بعضها «بنظرية المؤامرة» صواب أو خطأ؟ في الحقيقة هو صواب وخطأ في الوقت نفسه!! كيف؟ كيف يكون الشيء الواحد هو ونقيضه مجتمعين في عين الوقت؟ نعم إنه صواب وخطأ... حسب تفسير لمصطلح «مؤامرة».
إن فسر البعض المصطلح بأنه شيء غامض خارج عن المألوف يعمل بآليات أشبه بمبهمات الكهان وطلاسم السحرة يلقى على الأشياء مثلما ألقى السامري فإذا بالأشياء تتبدل من حال إلى حال... إلخ، مثل هذا التفسير نرفضه ولا شك؛ فالأصل الذي لا يخرق إلا بالمعجزات أن الله جعل لكل شيء سببًا، وهذا هو مدخلنا للتفسير الذي نراه صوابًا لمن يصر على استخدام هذا المصطلح لو فسرنا المؤامرة بأنها تخطيط محكم ماكر لا تظهر أبعاده في أول وهلة إنما يتكشف رويدًا رويدًا، وهو يعمل وفق آليات لا تخرق السنن الكونية والشرعية التي جعلها الله سبيلا لتغيير وتسخير الكون من حولنا، بهذا التفسير فقط نقبل المصطلح، بل نخرج له شواهد ليس فقط من فعلهم بنا، بل من فعلنا بهم، فهذا مسعود بن نعيم الثقفي يفعلها بهم، وفي كل التاريخ ستجد للكل على الكل مثل هذا الأمر، لكن مهما كان التخطيط والمكر فهو لا يجاوز المشيئة العليا، فكل سبب يعاند القدر يجابهه سبب آخر طبيعي أو معجز فلا يثمر ولا ينتج إلا ما شاء الله، فلله المكر جميعا، ومكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
إذن المؤامرة بالمفهوم الذي يمكن قبوله، هي (فعل قادر في محل قابل وفقا للسنن يوافق المشيئة العليا بالسماح أو التوفيق ولا يستطيع معاندتها فيكون الخذلان).
هكذا يؤل مصطلح «المؤامرة» إلى مصطلح التخطيط ولكنه تخطيط يتميز بالخفاء أو كما يقول العرب: «أمرٌ أُعِدَّ بليلٍ».
وهنا قد يثار تساؤل يشغل فكرك أيها القارئ: ما الفائدة من هذه المقدمة التي تفرق بين مفهومين لمصطلح المؤامرة أحدهما صواب والآخر خطأ، هل الأمر مجرد تأملات فلسفية لا مردود في الواقع لها؟ والإجابة لا، هذا التفصيل له مردود واقعي ضخم ليس على الأفراد فقط بل الجماعات والأمة كلها. فانتشار هذا المصطلح باعتباره شيئا غامضا خفيا أشبه بالطلاسم السحرية يجعل الإنسان ومن ثم الجماعات تجنح للعجز وانتظار شيء أشبه بمعجزة مثل الذي حدث مع موسى عليه السلام حين جاء السحرة فـ{سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} فأمر غير الطبيعي لم يكن موسى ليتصدى له إلا بالدعم المباشر في صورة معجزة، وهل كان يستطيع التصدي له إلا بمثل هذا؟ إنه نفس ما يحاول البعض أن يتعامل به من الأحداث أنها أمور لا طاقة لنا بها، إنها مؤامرة كبرى لا تملك معجزات لدفعها، هكذا تضيع عليك كل السبل للتعامل وبذل الجهد الذي أنت (أو أنتم) مأمور به، وهكذا تفرط في الأسباب التي أمر الله بها في أكثر من موضع في القرآن.
وأحيانا يأخذ الأمر صورة مغايرة تماما أنه مواجهة الآخر المتفوق بسياسة الانتحار أو حماقة التخطيط غير العقلاني، والمثال الواضح هو جماعة ينظر إلى وجودها ذاته بأنه مؤامرة كبرى (وليس باعتباره حدثا يمكن توظيفه) إنها داعش، هل سأل أحدهم لماذا تصر داعش على استجلاب عداوة الكل في الوقت ذاته ولا تجنح لبديهيات فقه الصراع بأن تأكل أعداءها واحدًا وعندما تفرغ ينتقل إلى آخر حتى لا تشتت قوتها، لماذا تسير سيرة هتلر الحمقاء؟ الإجابة تجدها في مجلتها "دابق"، ولمن يعرف "دابق" اسم موقع ملحمة ستحدث عندما يجتمع ثمانون غاية بغرض وحيد ضرب الإسلام.

وهذه هي داعش تريد تغيير معادلة المؤامرة من وجهة نظرها حيث تتآمر القوى الشركية والغربية على الإسلام وميزان القوى ليس في صالحها، وبدلا من أن تنظر داعش للواقع من منظور موضوعي كأسباب ومسببات وسنن يفضي إلى طريق طويل وشاق من العمل على وفق سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بدأ بالتربية لهذا الجيل الفريد ولم يكتف فقط بكونهم مسلمين فيقذف بهم مباشرة إلى أتون تغيير الواقع المناقض للإسلام، بل سُلِك بهم طريق طويل متدرج يجمع يبن الأخذ بكل الأسباب دون الركون إليها بل هو التوكيل الصحيح (وهذا تفصيل آخر .(
إنما داعش تعرض عن كل ذلك فالأمر بسيط، مواجهة المؤامرة العالمية يكون بتحضير شيء أشبه بالمعجزة، إنها الملحمة، وكأن القدر يجهز بالمعمل وهذا شبيه بخرافات الرافضة الذين يعلنون في إيران أنهم سيفعلون أشياء تعجِّل بخروج المهدي (عجل الله فرجه!!!) ومثلهم بالضبط في أهل السنة: إنهم أتباع جهيمان الذين استحلوا الحرم وظنوا أنهم إن مثلوا فيلم المهدي فإن ذلك دليل صدق على أن رجلهم هو المهدي الحق المنتظر، وليس هذا الأمر حكرًا على المسلمين؛ فالمتطرفون اليهود بعضهم يخطط لهدم المسجد الأقصى لماذا؟ حتى يعجل بنزول المسيح بزعمهم للمرة الأولى.
أخي القارئ، إن تفسير مصطلح المؤامرة الذائع الصيت، بل فكرة المؤامرة في حد ذاتها، له أثر على حركة المسلمين سواء بالوهم أم بالرشد، إنه عامل من عوامل كثيرة تضع علامات على الطريق، والعاقبة للتقوى.
خير الكلام:
(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com