الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الولاء والبراء -10

الزواج من الكتابية

الولاء والبراء -10
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١١ يناير ٢٠١٦ - ١٣:٥٤ م
2032

الولاء والبراء (10)

عبد المنعم الشحات

ما زلنا في الكلام على الصور التي ليست من الموالاة:

7- الزواج من الكتابية

هذا أحد الصور التي ليست من الموالاة بل هي إحدى المعاملات الجائزة بين المسلم والكافر.

قال تعالى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قال ابن كثير في التفسير: «وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده، وهو قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم﴾ فقيل: أراد بالمحصنات: الحرائر دون الإماء» في مسألة الزواج من الكتابية عدة اختلافات فقهية منها: ما المقصود بالإحصان؟ هل هو مثل إحصان المؤمنة؟ أي عفافًا فيجوز الزواج من المؤمنة الحرة والأمة وإن كان نكاح العدم لا يباح إلا عند عدم الحرة، قيد الإحصان الذي ذكر مع أهل الكتاب هل هو من أجل العفاف أم الحرائر ، «فقيل: أراد بالمحصنات: الحرائر دون الإماء حكاه ابن جرير عن مجاهد. وإنما قال مجاهد: المحصنات: الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه» وهذا في لغة العرب قد يتجوزون فيسمون العفيفة حرة لأن البغاء لم يكن يعرف إلا في الإيماء فيقال حرة بمعنى عفيفة وكلام مجاهد هنا محتمل لأن قال المحصنات: الحرائر فهل أراد بها المعنى الحرفي للكلمة؟ أم أراد أن يعبر بذلك أن يكن عفيفات؟. يقول: «وهو قول الجمهور هاهنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية... وقيل: المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات، وهو مذهب الشافعي» أي: اليهوديات دون النصرانيات لأن إسرائيل هو يعقوب -عليه السلام- الذي تنتسب له اليهود، وليس هذا هو المشهور عن الشافعي بل الظاهر من كلامه أن كقول الجمهور من أن نساء أهل الكتاب تعم اليهود والنصارى. يقول: «وقيل: المراد بذلك: الذميات دون الحربيات؛ لقوله﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [ التوبة: 29 ]» وهذه كلها احتمالات يذكرها الإمام ابن كثير في قيود أضافها بعض أهل العلم في هذه المسألة إما فهموها من إشارة الآية وإما بالنظر إلى مصالح أخرى وفي الآية قيد واضح هو أن يكن محصنات فهل معنى هذا العفاف أم أمر زائد عليه بأن تكون حرة فوق ذلك؟ وهل تشمل الآية الحربيات والذميات أم لا تشملهم؟ الظاهر أن العبرة بالمكان وليس بوصف المرأة ذاتها، فلو استؤمنت امرأة من أهل الحرب وأهلها محاربين فدخلت بلاد المسلمين بأمان ونكح مسلم جاز، ولكن لا يجوز لمسلم أن ينكح حربية في دار الحرب.

يقول: «وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ الآية [ البقرة: 221 ]

هذا مروي عن ابن عمر -رضي الله عنه- وكأنه يرى أن هذه الآية في الزواج من الكتابيات لا تنطبق على النصارى وقد سبق في درس التفسير بيان أن اليهود أقرب إلى التوحيد من النصارى وأن كلاهما عنده أنواع من الشرك لكن النصارى مطبقون على أن عيسى هو إله أو ابن إله! بينما الذين قالوا أن عزيز هو ابن الله! هم فئة قليلة من اليهود، ولذلك كان اليهود في أوقات الاستضعاف يقولون محاولة لاستعطاف  المسلمين بأنهم والمسلمون على التوحيد والنصارى على التثليث، وكأن ابن عمر نظر إلى أن وصف الشرك ينطبق على النصرانية بدرجة عالية جدًا فطبق عليها آية  ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ ولم يطبقها على اليهودية والجمهور على التسوية بينهما، والتعارض بين الآيتين لا بد من إعطائه مزيدًا من التوضيح لأن المسألة مهمة، فنقرأ الكلام في الكتاب أولًا ثم نعود إلى تفصيل هذه المسألة.

يقول: «ثم قال: «وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا، أخذا بهذه الآية الكريمة: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ فجعلوا  هذه مخصصة للآية التي البقرة: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [ الآية : 221 ] إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها ؛ لأن أهل الكتاب قد يُفْصَل في ذكرهم عن المشركين في غير موضع» ا.هـ

فتبين بهذا أن قول أهل العلم: جواز الزواج من الكتابية العفيفة يهودية أو نصرانية - ولم يخالف في ذلك إلا ابن عمر م في النصرانية، والأظهر قول الجمهور-  إلا أنه لا بد من التنبيه إلى أن هذا الزواج لا بد أن يظل معه بغض هذه المرأة على دينها، ولا مانع من استمرار النكاح مع وجود البغضاء، فكم من بيوت تقوم على غير الحب من مصالح ومنافع أخر، ولما كان هذا الأمر - وهو استمرار الزواج دون محبة-  لا يقوى عليه الأكثر كان زواج الكتابية مكروهًا كما ثبت النهي عن عمر -رضي الله عنه- دون تحريم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فاظفر بذا الدين تربت يداك».

هذا ما ذكره الشيخ في هذه المسألة لأهمية هذه المسألة ولأن البعض يتخذها تكأة في هدم القضية من أصلها - أعني قضية الولاء والبراء- رغم تضافر الأدلة التي ذكرنا طرفًا فيأتي البعض إلى الاستثناء ويجعله القاعدة ويهدم القواعد من أجله فنحتاج إلى إعطاء هذه المسألة قدرًا من التوضيح:

فنبدأ  بالكلام على آية البقرة، ويبدو من الكلام أن ثمة تعارض ظاهري بين النهي عن نكاح المشركات وبين إباحة الكتابيات وإن كان الذي استقر عليه العلماء في هذه المسألة أن آية المائدة مخصصة لسورة البقرة ولكن دراسة الحكم ودراسة الآيات توضح ابتداء لما كان هذا التخصيص وما هي علته وكيف تعامل الصحابة ش فنذكر تفسير الآية الأولى من تفسير ابن كثير : فقال في تفسير قوله تعالى ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة:221] هذا تحريم من الله -عز وجل-على المؤمنين أن يتزوّجوا المشركات من عبدة الأوثان. ثم إن كان عمومُها مرادًا، وأنَّه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خَص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [المائدة: 5].

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب. وهكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن، والضحاك، وزيد بن أسلم، والربيع ابن أنس، وغيرهم.

وقيل: بل المراد بذلك المشركون  من عبدة الأوثان، ولم يُردْ أهل الكتاب بالكلية، والمعنى قريب من الأول، والله أعلم».

والخلاف في هذه المسألة مع الاتفاق على الحكم النهائي أنه يجوز نكاح نساء أهل الكتاب لكن هل يدخل أهل الكتاب في لفظ المشركين عند الإطلاق أم لا؟ فقال بعض العلماء: لا، لقول الله -عز وجل- ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة:1] فكأن الكفار اسم عام يندرج تحته المشركون وأهل الكتاب فهذا مسلك من مسالك العلماء فيقولون: كلمة «الشرك» يراد بها الدين القائم على الشرك من أصله وأم الدين الذي من عند الله ثم طرأ عليه الشرك فهذا لا يسمى دين المشركين وإن كان أصحابه كفار ومشركون فقول الله تعالى ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ فذكر الكفار كأنه لفظ عام يندرج تحته نوعان: أهل كتاب  ومشركين، وبناء على هذا المنحى قالوا لفظة «ولا تنكحوا المشركات» لم يدخل فيها أهل الكتاب أصلًا وهذه بعيدة لأن «ولا تنكحوا المشركين» بالإجماع تشمل أهل الكتاب واللفظ واحد وفي نفس السياق فإذن القول بأن الآية لم تتناول الكتابيات بعيد، ويبقى القول الثاني أن لفظ «المشركات» يشمل الوثنيات والكتابيات هل هو من العام الذي أريد به الخاص؟ أم هو من العام المخصوص؟ فهذه كلها خلافات لن تفيد كثيرًا في الحكم النهائي، فلو قلنا: من العام الذي أريد به الخاص، أي أنه لفظ عام وقت ما تكلم به المتكلم كانت هناك قرينة تدل على التخصيص مثل أن يكون عند رجل أضياف فيقول لغلامه: أطعم الرجال، فلفظ «الرجال» لفظ عام ولكن أريد به الخاص لأن هنا قرينة حالية خصص بها اللفظ وهو أن يقصد الضيوف وليس كل رجال الدنيا فهذا يقال عنه أنه عام يراد به الخاص.

أما العام المخصوص فهو أن يقال اللفظ عام وينصرف ذهن السامع إلى العموم ثم يخصص فلو قلنا أنه عام مخصوص إذن لم يكن نكاح أهل الكتاب في وقت من الأوقات محرم لأن هناك قرينة تدل أن الكلام على الوثنيات من أول الكلام.

لو قلنا أنه من العام المخصوص - وهذا أرجح الأقوال في المسألة- فسيكون نكاح الكتابيات قد حرم مدة وهي المدة بين نزول آية البقرة ونزول آية المائدة فكان محرمًا فيها نكاح جميع المشركات حتى الكتابيات وهذا هو الأرجح لأننا لو قلنا أن آية البقرة كانت من قبيل العام الذي أريد به الخاص لاشترط أن يكون معها قرينة دلت على الخصوص وهذه القرينة لا وجود لها ولا قالها أحد ومعنى ذلك أنه لما نزلت آية البقرة حرمت جميع المشركات بما في ذلك الكتابيات ثم جاءت بعد آية المائدة وهي متأخرة عنها بالإجماع فخصصت هذه الآية وهل يقال: نسختها؟ سيأتي معنا في درس الأصول أنه لا مشاحة في الاصطلاح فالعبرة أن يفهم أنه لم يزل حكمها بالكلية وإنما أزالت جزءًا من الحكم وهذا في الاصطلاح المستقر عند المتأخرين لا يسمى نسخًا وإنما يسمى تخصيص إذن فقد خصصت آية المائدة آية البقرة، وهذا يفيد أن نكاح الكتابيات حرم مدة إذن الأصل أنه لا يجتمع مؤمن ومشركة تحت سقف واحد ولا يشتركا في مهام واحدة كتربية النشء ونحو ذلك ثم عدل عنه ولا يقال أنه لا بد من البحث عن العلل التي عدل عن الحكم من أجلها دون أن يخل هذا بالقاعدة الأصلية بمعنى أن الشرع ربما لأنه يطرأ في كثير من الأحيان يكون من المصلحة أن يتزوج كتابية فلو كانت هذه الحالات نادرة لقيدها الشرع بهذه الحالات لكن يكثر فأباحه الشرع مع وجود الآية الأولى ومعللة بعلل وذلك قلنا أن تفسير هذه الآية مهم جدًا لأنها تبين أن الأمة المؤمنة خير من المشركة وتبين أنه لما لا يجوز الزواج من [المشركات]  فهذه الآية عامة في كل المشركات بناء على ما رجحناه من عموم هذه الآية في كل المشركات فلو عدل عن هذا الحكم لمصلحة لبقيت العلل قائمة لكن الأمر أن هذه المصالح تتعارض مع مصالح أخرى فيعدل الشرع من هذا الحكم إلى حكم آخر شبيه بما قلناه من أن الإمام إذا جلس يجلس المأموم خلفه والعلة أن المسلمين لا يفعلون فعل فارس والروم وقلنا لو نسخ هذا الحكم لبقيت العلة موجودة لأنها على رعاها الشرع فلو رجحنا أن الحكم نسخ لبقيت العلة لم تنسخ لأن العلل لا تنسخ، فلو نسخ الحكم فإنه ينسخ لأنه عورض بما هو أرجح منه، ففي وقت من الأوقات لما كان المطلوب أن يعتاد المسلمون مخالفة المشركين كانت هذه العلة هي الأظهر ولكن لما استقر هذا الأمر في نفوس المسلمين صارت المحافظة على القيام كركن من أركان الصلاة هي العلة الأظهر غلِّبت، فلما استقر الأمر في آخر الإسلام صارت العلة أن يحتاج المسلم [إلى نكاح الكتابية] لغرض شخصي أو لغرض جماعي بمعنى أنه قد يعيش المسلم في بلاد المشركين لسبب أو لآخر فلو قلنا يتزوج مشركة وثنية فهذه لا توجد نقاط التقاء معها حينئذ أن الكتابية التي تقول أن الله خالقها وتزعم أنها موحدة فاليهود والنصارى يدعون التوحيد فيسهل جدًا إذا استخلصتها من الإرهاب الفكري الذي يعيشونه أن يعلموا التوحيد من أسهل طريق إذن الأمر في ذلك قريب وبالتالي تسامح الشرع في هذه المسألة وسنأتي لهذا الكلام ولكننا نؤكد أن كون الحكم نزل حكمًا عامًا معللًا بعلل فثبت الحكم وثبتت العلل وهذه العلل يستنبط منها إلى يوم القيامة حتى ولو عدل عن هذا الحكم فلا يعني العدول عنه عدم اعتبار العلة وإنما يعني أنه قد زاحمها ما هو أرجح منها فإذا تكلمنا عن حكم نكاح الكتابيات فلا بد من الكلام على هذه الآيات أولًا التي تنهى عن نكاح المشركات وتعلل هذا بأن الأمة المؤمنة خير من المشركة حتى وإن كانت جميلة أو ذات حسب، فالحاصل أن المؤمنون يدعون إلى سبيل ربهم الذي يدعو إلى الجنة والمغفرة وأن هؤلاء المشركون يدعون إلى النار.

فهنا يقول ابن كثير أولًا أن ما استقر عليه أمر هذه الآية هو تحريم زواج المشركات من عبدة الأوثان وقيدها بذلك «لأنها وإن كان عمومها مرادًا» أي: وإن كان يدخل في الآية  الكتابيات وهو الأرجح كما ذكرنا فقد خصص فتقيد الآية في  آخر الأمر أنها تحرم نكاح المشركات الوثنيات وليست الكتابيات ولكن كما ذكرنا تبقى الآية بتعليلها ولأنها نزلت بعمومها لغرض ولعلة ولأن الراجح أنها طبقت حتى على الكتابيات مدة من الزمن.

يقول: «فأما ما رواه ابن جرير: حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، حدثنا أبي، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرَام الفزاري، حدثنا شَهْر بن حَوْشَب قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: «نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كل ذات دين غير الإسلام، قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: 5]» . وقد نكح طلحة بن عُبَيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب غضبًا شديدًا، حتى هَمَّ أن يسطو عليهما. فقالا: «نحن نطَلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب!» فقال: «لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكني أنتزعهن منكم صَغَرَة قَمأة» -فهو حديث غريب جدًا. وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا».

وهذا الأثر إن صح ففيه شدة، ومسألة نهي عمر -رضي الله عنه- عن نكاح الكتابيات مسألة مشهورة في كتب السير والتفسير تغني عن إسناد كل قصة على حدة ولكن في بعض الأسانيد درجة من الشدة أكثر من الأخرى وربما من أشد أنهما لما قالا له: «نحن نطَلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب!» فقال: «لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن» فكأنه في هذه الرواية يحرم نكاح الكتابيات ولكن الثابت عن عمر -رضي الله عنه- أنه صرح بأنه مباح ولكنه ينهى عنه بخلاف ابن عمر م الذي بعدم جواز نكاح النصرانية.

يقول: «قال أبو جعفر بن جرير : - بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات-: «وإنما كره عمر ذلك، لئلا يزهد الناس في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني» قد اشتهرت الآثار عن عمر -رضي الله عنه- في النهي عن نكاح الكتابيات ولكن اختلف التعليل في كل مرة منها كما في بعض الآثار أنه علل أن في نساء العجم خلابة يعني فيهن جمال فخشى إذا تتابع الناس على نكاح الكتابيات أن ينصرفوا عن نكاح المسلمات، وهذه مسألة مهمة وهي أن الحاكم العدل - ولا بد من هذا القيد- له أن يقيد المباح، فالمباح نكاح الكتابية وقد أباح الشرع هذا الأمر كحالة فردية يمكن أن يحتاجها الإنسان فإذا وجد الإمام الناس قد تتابعوا على هذا فلو أنه إمام عدل بمعنى أنه لا يتبع هواه ويضع الأمور في نصابها ووجد أن هذا الأمر المباح متى تتابع الناس عليه؛ أحدث فسادًا في دينهم أو في دنياهم جاز له أن يمنعهم ولذلك وعدنا أننا سنتكلم عن المقاطعة فالحالة الوحيدة التي يمكن أن توجد فيها مقاطعة هو اجتهاد مجتهدي الأمة العدول بأن الشراء من بعض الكفار فيه مفسدة فيقيد هذا المباح فهذا يجوز في حق العدول من الأئمة والعلماء وبالتالي لم نقل بالمقاطعة بالصورة التي يقولون بها لعدم وجود هذا الاجتهاد من أئمة عدول يبنونه على مصلحة شرعيه لا على هوى أو على مكاسب سياسية أو غيرها.

فنهي عمر -رضي الله عنه- عن هذا من باب [دفع] المفسدة، وعمر -رضي الله عنه- في أقضيته كثير من هذا النوع سواء أهل بيته وعموم الرعية فلما وجد عمر ابنه عبد الله  م منشغلًا بامرأته أمره بطلاقها ولذلك لما سئل الإمام أحمد : - وهذا من فقهه- عن رجل يأمره أبوه بطلاق امرأته فقال للسائل: «إن كان أباك مثل عمر فافعل» لأن من كان مثل عمر -رضي الله عنه- لا يتبع هواه فإذن يجوز للأئمة والعلماء العدول تقيد المباح، وقوله في هذا الأثر لما قيل له: «نحن نطَلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب!» فقال: «لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن» فهذا أثر قال فيه ابن كثير: «غريب جدًا» لأنه سيفهم منه أنه يحرم النكاح أصلًا مع أن كل الآثار عنه فيها أنه يراه مباحًا لأنه يخشى منها أمورًا منها انصراف الناس عن نكاح المسلمات.

قال: «كما حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا ابن إدريس، حدثنا الصلت بن بهرام، عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: خَل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخَلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن».يقول ابن كثير: «وهذا إسناد صحيح» ففي هذا الأثر أن عمر -رضي الله عنه- أمر من تزوج كتابية بطلاقها وبنى هذا الرأي على انتشار الفساد في الكتابيات في أهل زمانه فما الظن بالأزمنة التي بعده؟! فلما وجد هذا الأمر رأى أنه يمكن المنع منعه لانتشار البغاء والانحلال فيهن.

ذكر أيضًا عن عمر -رضي الله عنه- قوله: «المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة». قال: «وهذا أصح إسنادًا من الأول» ففي هذا إثبات أن يرى جواز ذلك وليس كما في الأثر الأول الذي ذكر عنه أنه لا يراه [جائزًا]

أيضًا يذكر ابن كثير الأثر عن ابن عمر م ويقول: «لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: «ربها  عيسى» وهذا ثابت عن ابن عمر م وهو مذهبه ولم يأخذ به عامة العلماء بعد ذلك.

يقول ابن كثير :: «وقوله: ﴿وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة، كانت له أمة سوداء، فغضب عليها فلطمها، ثم فزع، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره خبرها. فقال له: «ما هي؟» قال: «تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوءَ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله». فقال: «يا أبا عبد الله، هذه مؤمنة». فقال: «والذي بعثك بالحق لأعتقَنَّها ولأتزوجَنها» . ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، وقالوا: «نكح أمَة!». وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، ويُنكحوهم رغبة في أحسابهم»

ربما رأوا أن الأفضل أن يخطب امرأة ذات حسب أفضل من هذه الأمة السوداء.

«فأنزل الله: ﴿وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [لا بد من معرفة] سياق الآيات [لتتمكن من فهم] السؤال الذي أجاب عنه الشيخ في سياق الكلام: إذا كنتم تقولون أنه يجب عليه أن يبغض هذه المشركة على دينها فلماذا يتزوجها إذن؟ [فيقال: قال تعالى]﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ فقد يعجبه فيها جمالها أو حسبها أو نسبها كما في الحديث: «تنكح المرأة لأربع: ...» إذن فالحديث يقرر أن للناس أغراضًا في النساء منها: الحسب والنسب والجمال والمال والدين «فاظفر بذات الدين تربت يداك» إذن فقوله تعالى﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ أي: ولو أعجبكم حسنها أو ولو أعجبكم نسبها وسبب  نزول هذه الآية وإن كان فيه مقال إلا أنه أيضًا مشهور ولو صح فيكون قوله تعالى ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ أي: من جهة النسب، وإن كانت الآية أعم ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ أي: أي شيء فيها مما يعجب الرجال.

أيضًا روى في معنى هذا حديثًا وإن كان ضعيفًا قال: «وفيه: «لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحوهن على الدين، فلأمة سوداء خَرْماء ذات دين أفضل» ويغني عنه ما ثبت في «الصحيحين» عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك» ولمسلم عن جابر مثله. وله عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» 

وقوله: ﴿وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ أي: لا تُزَوّجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات كما قال تعالى: ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10]».

وهذا من أصرح الأدلة على وجوب وجود الولي في الزواج لأن كل آية الزواج فيها: «تَنْكحوا النساء» و«فانْكِحوا» أما في الرجال فيقول: «تُنْكِحوا» فهذا خطاب للولي أن لا يُنْكِحوا المشركين.

يقول ابن كثير :: «ثم قال تعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ أي: ولرجل مؤمن - ولو كان عبدًا حبشيًا -خير من مشرك، وإن كان رئيسًا سَرِيًا ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ أي: معاشَرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمة»    

فالعلة موجودة في أمر النساء المشركات والرجال المشركين فدراسة هذه العلل كما ذكرنا مهمة جدًا فإذا عدل الشرع عن هذا الحكم لمزاحمة مصلحة أخرى فلا بد من مراعاتها وبالتالي فالنكاح الذي تتحقق فيه العلل الذي كان النكاح محرمًا فهو محرم بمعنى أن من يتزوج كتابية ويعلم أنها تفتنه عن دينه [فهذا محرم عليه] فالشرع قد حرم نكاح المشركة كتابية كانت أو غير كتابية لعلة أن تفتنه عن دينه ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ وهذه علة مظنونة ولكن الشرع سد الذريعة إلى ذلك ولكن لما وجد احتمال أن توجد مصلحة أذن الشرع في زواج المسلم من الكتابية ولم يأذن في الوثنية لأن المفسدة في [زواج] الوثنية كبيرة جدًا فلما كان الأمر محتملًا في شأن الكتابية أذن فيه لكن لو وقعت الحالة التي يتأكد معها أن تفتنه على دينه نعود إلى التحريم ولذلك لما قال العلماء بزواج نكاح الكتابية قيده بعضهم بأن تكون محصنة وقال بعضهم: لا يتزوج الحربية لا في دار الإسلام ولا في دار الحرب، وعامة العلماء على أنه لا يتزوج الحربية في دار الحرب قطعًا، بل وصل بعضهم إلى المنع من الحربية في دار الحرب [لعلها: في دار الإسلام] لأن التي لها ذمة وقومها معاهدون يؤمن شرها أكثر لأن قومها مستضعفون عند المسلمين وبينهم وبين قومها ذمة فتخشى خيانة زوجها أو أنها طعنت في دينه أو حاولت أن تحمل أولادها على الردة فتخشى أن تخفر ذمتها وذمة قومها فإذا كانت الحربية وحيدة في دار الإسلام وليس وراءها كبيرًا تبكي عليه فقال بعض أهل العلم: لا يتزوج المسلمُ الحربيةَ في دار الإسلام ناهيك عن أن تكون حربية في دار الكفر وهذا يعني أن العلماء راعوا هذه العلة الموجودة في تحريم الله -عز وجل- ابتداء زواج المسلم من المشركة كتابية كانت أو غيرها ثم أباح بعد ذلك بنكاح الكتابية لتزاحم المصالح أما إذا كان في الزواج منها فتنة عامة أو خاصة [جاز المنع منه] لأن عمر -رضي الله عنه- نهى حذيفة -رضي الله عنه- خوفًا من أن يسرعوا فيهن ويتتابع الناس في نكاح الأعاجم وفيهن خلابة فتحدث مفسدة عامة وعلى ذلك لا يصح نكاح الكتابية إذا كان وراء ذلك مفسدة خاصة أو عامة وإن كانت المفسدة التي خشي منها عمر -رضي الله عنه- قال: «إني لا أزعم أنه حرام» لأنها لو كانت قد وقعت بالفعل لحرمه ولكنه كان يخشى فقط من هذا.

لا يجوز أن يَنْكِح مشرك كتابيًا كان أو غير كتابي مسلمةً لأن الزوج له اليد العليا على زوجته فالمفسدة هنا كبيرة أما المسلم فلا يجوز أن تكون تحته وثنية لأنها بعيدة تمامًا عن معرفة الحق أما الكتابية فمع أنها تدعو إلى النار إلا أنها تدعي أنها تؤمن بالأنبياء وتقر بأصل النبوة وأصل التوحيد فيسهل معها الأمر بعد ذلك.

يقول: «﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ أي: بشرعه وما أمر به وما نهى عنه ﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾» ا.هـ

فدراسة الآية التي فيها ثبت التحريم أمر مهم قبل دراسة تفسير الآية التي ورد فيها التخصيص، أما آية المائدة فهي متراخية عن سورة البقرة بالإجماع يقول تعالى فيها  ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ 

 وقد تقدم معظم الكلام على الآية وقد ذكر ابن كثير : أن آية التحريم مخصوصة بآية أخرى يقول هنا: «قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم﴾ فقيل: أراد بالمحصنات: الحرائر دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد. وإنما قال مجاهد: المحصنات: الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه. وهو قول الجمهور هاهنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: «حَشفَا  وسَوء كيلة» وهذا المثال ينبغي أن يقال لكل من يسأل عن نكاح الكتابية، فالحشف: أردأ التمر، وطففوا المكيال له، فهذا شأن الكتابية غير العفيفة وغالبهن في زماننا غير عفيفات وخاصة في بلاد الغرب وغيرها وقد طالت فتنة الاستهتار بالأعراض طالت كثيرًا من المسلمين فما بالك بغيرهن.

يقول: «والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا، كما قال في الآية الأخرى: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ [ النساء : 25 ]

ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هل يعم كل كتابية عفيفة، سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف، ممن فسر المحصنة بالعفيفة».      

 إذن القول الأول أنه لا بد أن تكون عفيفة من الزنى والثاني: هل يصح أن تكون أمة أم لا؟ فالجمهور على أنه لا يصح أن تكون أمة.

يقول: «وقيل: المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات، وهو مذهب الشافعي» حكى ابن كثير هذا القول عن الشافعي ولكن ليس هذا هو المدون في كتب الشافعية المنتشرة فالله أعلم فلو أنه يحكي قول إمام مذهب آخر فهذا قد يحدث غلط في كثير من الأحيان فلعله كان مذهبًا له في القديم، لكن المشهور في كتب الفقه الشافعي أن الإمام الشافعي يجوز زواج النصرانية كاليهودية.

يقول: «وقيل: المراد بذلك: الذميات دون الحربيات؛ لقوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾» وكم المسألة حتى لو رجحت في النهاية جواز نكاح اليهودية والنصرانية وكذلك الحربية في دار الإسلام لكن كم الخلاف يدلك على شدة احتياط العلماء في المسألة ومنهم من أضاف قيودًا باجتهاده لشدة احتياطه وإن الراجح عدم إضافات قيود فوق قيد المصلحة فإذا خشية مفسدة منع منه كما فعل عمر -رضي الله عنه- وعند قراءة الخلاف في المسألة تجد أن العلماء قد شعروا أن هذه مسألة رخصة استثنائية شأنها شأن سائر الرخص في احتياجها إلى أن تحتف بكثير من القرائن حتى لا تعود الرخصة على أصل ما بالنقض مثل عدم بيع المعدوم في البيوع لأنه غرر لكن قد يحتاج الناس إلى بيع المعدوم مثل شراء بعض الأشياء التي تحتاج إلى أن تصنع فيشتريها قبل أن توجد فحينئذ أجاز الشرع بيع السلم وهذا البيع وضعت له قيود على خلاف البيع الطبيعي لأجل أن لا يكون هذا الاستثناء الذي جاء كرخصة اتفاقية عائدًا بالنقض على الحكم الأصلي الذي يحوي المصلحة الأصلية وهو أن بيع المعدوم يؤدي إلى الشجار وإلى الغرر، فإذا أجيز مثل هذا الأمر تجد حوله كثيرًا من القيود التي يقيد الشرع بها هذا الأمر.

وكذلك هنا في هذه المسألة فإن العلماء تكلم على أنه لا بد أن تكون عفيفة، هل تكون حرة أم يمكن أن تكون أمة؟ يقول البعض: لا بد أن تكون حرة وهو قول كثير من أهل العلم، وهل يتزوج أمثل الكتابيات أم كل من يطلق عليها كتابية؟ وستجد [كلام العلماء] عكس النظرية السائدة الآن لأنها سياسية أكثر منها شرعية، فقد يتكلمون دائمًا على أن النصرانية أفضل! بينما تكلم العلماء في أن اليهودية أقرب إلى التوحيد وأن انطباق وصف الشرك على النصرانية أبلغ وإن كان الشرع أثنى على النصارى في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا أقرب مودة للذين آمنوا لأن كثيرًا من نصارى العرب أسلم وقد ذكرنا  في درس قبل ذلك أن نصارى نجران اسلموا كلهم وجاءوا معظمين للنبي -صلى الله عليه وسلم- فجادلوا وناظروا ثم انسحبوا من المباهلة ثم رضوا بدفع الجزية ثم أسلموا بعد قليل، أما اليهود فأسلم منهم أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة ولم ينتهي أمرهم إلا بالقتال والتشريد ونحو ذلك وكان اليهود في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر عنادًا من النصارى لكن من جهة أن هذه مصرة على عقيدة وهذه مصرة على عقيدتها فالأقرب إلى التوحيد منهم اليهودية ولذا فرق ابن عمر م بين اليهودية والنصرانية.

يقول: «وقيل: المراد بذلك: الذميات دون الحربيات؛ لقوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ[وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ]﴾ [ التوبة: 29 ] وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ الآية [ البقرة : 221 ].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب، حدثنا القاسم بن مالك - يعني المُزَنِيّ- حدثنا إسماعيل بن سَمِيع، عن أبي مالك الغفاري، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت التي بعدها: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ فنكح الناس من نساء أهل الكتاب».

فهذا الثر صريح في أن الآية الأولى شملت الكتابيات وأنها حجزت الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾              

فنكح الناس [من] نساء أهل الكتاب» وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا، أخذا بهذه الآية الكريمة» هذا حاصل ما ذكره ابن كثير في تفسير آية البقرة وفي تفسير آية المائدة.

من المناسب هنا أن نذكر كلامًا على ما نهى عنه عمر -رضي الله عنه- من نكاح الكتابيات ذكره د/محمود حامد عثمان مدرس أصول الفقه له بحث جيد بعنوان: «قاعدة سد الذرائع وأثرها في الفقه الإسلامي» وذكر من أمثلة تطبيقات هذه القاعدة نهي عمر -رضي الله عنه- عن نكاح الكتابيات وهو في الواقع كلام جيد ودائمًا يحدث لدى الناس نوع من القبول لما يخرج من علماء الأزهر وفي الواقع قل مسألة إلا وتجد فيها من علماء الأزهر من درسها دراسة جيدة بفضل الله تبارك وتعالى.

يقول تحت عنوان: «نكاح الكتابيات» ويذكره كمثال لقاعدة سد الذرائع وهو مثال جيد جدًا كما ذكرنا يقول: «أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابيات» كثير من العلماء يحي الإجماع تجوزًا على اعتبار أن مذهب ابن عمر م اندثر تقريبًا ولم يقل به إلا الزيدية وكثيرون لا يعتدون بهم في الإجماع لكنه مذهب موجود وإن رده عليهم الشوكاني في كتاب «السيل الجرار».

يقول: «أجمع العلماء على جواز نكاح الكتابيات لقوله تعالى  ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ والزواج منهن وإن كان جائزًا إلا أنه مكروه» وهذا ابتداء وقد استفدنا الكراهة من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» ومن آية البقرة التي فيها التشديد في شأن نكاح المشركات وقد ذكرنا الأثر الذي يدل على أنها كانت متناولة للكتابيات وفيها أن أولئك يدعون إلى النار ولذلك كانت درجة الكراهة عالية جدًا فالكلام هنا على الحكم الأصلي وهو الكراهة أما قاعدة سد الذرائع فتستخدم في النهي عن هذا المكروه إذا خشي أن يؤدي إلى حرام أو إلى مفسدة أما إذا أدى فعلًا إلى حرام فهو حرام بدون قاعدة سد الذرائع فلو تزوج رجل ضعيف في دينه امرأة كتابية تفتنه في دينه فهذا حرام جزمًا أو يتزوج امرأة في دار الحرب فيغلبونه على أولاده فهذا حرام جزمًا، فالمسألة هنا أنه مكروه كراهة مغلظة وأن قاعدة سد الذرائع تستخدم في النهي عنه متى خشي منه مفسدة وإن لم تتحقق وهذا ما فعله عمر -رضي الله عنه-.

يقول: «والزواج منهن وإن كان جائزًا إلا أنه مكروه لأنه لا يؤمن أن يميل إليها أو يتولى أهل دينها» وهذا التعليل موجود في أكثر من موطن فقد ذكره ابن قدامة في «المغني» وكذره محمد نجيب المطيعي في «تكملة المجموع» وهذا يعني أنه إذا حدث ميل إليها أي إلى دينها فهذه هي المفسدة.

يقول: «قال في «المهذب»: «ويكره أن يتزوج حرائرهم» لأن نكاح الإمام عنده حرام «وأن يطأ إيماءهم بملك اليمين فتفتنه عن الدين أو يتولى أهل دينها» فالمهذب كتاب معروف من أجمع شروحه «المجموع» للإمام النووي إلا أنه توفي قبل أن يكمله فأكمله السبكي فتوفي ولم يكمله فأتمه من المعاصرين الشيخ محمد نجيب المطيعي وهو من علماء الحديث المعاصرين وممن له دراية واسعة جدًا بالمذهب الشافعي إلا أنه كان أشعري العقيدة شديد التعصب للمذهب الشافعي ولذلك جاءت تكملته للمجموع على غير نمط النووي الذي كان في قمة الإنصاف في مسائل الخلاف، لكن هذه المسألة لأنه يكثر الاحتجاج بها من قبل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها فيما يقبلون عليه من أنواع التساهل الشديد والتسيب في باب العقيدة ويحتجون بهذا الباب نذكرهم بأنهم في وقت من الأوقات كانوا يعظمون محمد نجيب المطيعي جدًا لما كانت الدعوة بفضل الله تبارك وتعالى تبين العلم الشرعي ولم يكن لديهم مثل ما عند أهل السنة وجدوا شخصًا بينه وبين السلفيين خصومة عقيدة يمكن أن يتحالفوا معه ذلك أن الشيخ محمد نجيب المطيعي أشعري مقلد وأهل السنة على عقيدة السلف ولا يرون التعصب المذهبي فكان محمد نجيب المطيعي شديد الحنق على شباب الصحوة وبخاصة المتلزمين منهم بمنهج السلف لهاتين القضتيتن فحدث تحالف بين هؤلاء الإخوة وبين محمد نجيب المطيعي فكان يصدر في ندوات ومحاضرات وكان ذا علم كبير أحدث توازنًا ولكنه لم يكن على منهج السلف ويرى التقليد المذهبي، فإذن هذا رجل في وقت من الأوقات كان معظمًا عندهم ولن نقول الكلام الذي قاله في شرح هذه العبارة لأنه كلام طويل جدًا وليس الكلام طويلًا وإنما أقصد أن فيه حدة عالية في الكلام على حكم زواج الكتابيات  وأنه في أشد درجة الكراهة وأن الإمام الشافعي كان بعيد النظر حينما شدد في هذا الجانب إلى غير ذلك من الكلام التي يمكن أن يرجع عليه عند شرحه لهذه العبارة من متن «المهذب»، وهذه المسألة قد يعرضها البعض وكأنها من قبيل المستحبات وذلك لكي يفرع عليها ويلحق بها مسائل أخرى من أنواع التجوز والانحراف، فالمسألة كما ذكرنا أنه لا يؤمن أن يميل إليها فها ذكره في المهذب وزاده المطيعي شرحًا وذكر ابن قدامة في المغني نص هذه العبارة.

يقول د/ محمود حامد: «وقد منع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الزواج بالكتابيات سدًا لطرق المفاسد التي تنسف المجتمع المسلم من جراء هذا الزواج» إذن استخدم عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- قاعدة سد الذرائع في النهي عن هذا الأمر المكروه ولكن لما وجد بوادر أنه قد يؤول إلى الحالات المحرمة فمنعها قبل أن يؤول إلى ذلك.

يقول: «روى ابن جرير الطبري بسنده إلى سعيد بن جبير قال: بعث عمر بن الخطاب على حذيفة بعدما ولاه المدائن وكثرت المسلمات أنه بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل المدائن فطلقها فقال: «فكتب إليه لا أفعل حتى تخبرني أحلال أم حرام؟ وما أردت بذلك» لأن حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أنه أتى شيئًا حلالًا فلماذا ينهاه عمر -رضي الله عنه- عنه: «فكتب عمر  -رضي الله عنه- إليه: «لا، ولكن في نساء الأعاجم خلابة» أي جمالًا «فإذا أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم» فالمسألة أن لا تصبح رخصة فردية فإذا فعل ذلك من يقتدى به كحذيفة -رضي الله عنه- فإن الناس سيفعلونه مع ما في قلوبهم من الميل الطبعي إلى الجمال فتبقى نساء المسلمات بلا زوج «فقال: الآن، فطلقها -رضي الله عنه-».

قال: «وروي الطبري أيضًا بسنده إلى شقيق قال: «تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر: «خل سبيلها» فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: «لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن» وهذا تقدم ذكرهن يعني: العواهر.

يقول: «فعمر -رضي الله عنه- عنه منع مباحًا ليسد به الطريق إلى مفاسد قد تنسف المجتمع المسلم من جراء خلابة نساء الأعاجم وشغلهن عن نساء المسلمات وهذا واضح في تعليل المنع حين قال: «لا، بل حلال ولكن في نساء الأعاجم خلابة فإذا أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم» وقد بنى عمر -رضي الله عنه- عنه المنع من زواج الكتابيات على علتين: أولهما: كساد النساء المسلمات وتعنيسهن، وثانيتهما: تأثير نساء الكتابيات على نساء أبناء المسلمين فقال: «ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن» فقد استند عمر -رضي الله عنه- في عمله هذا إلى الضرورة وسد الذرائع في خدمة المصلحة العامة، وفي هذا يقول الأستاذ الدكتور محمد بلتاجي: «ولقد كان عمر في المنع يتحرى مصلحة المجتمع الإسلامي ولا شك أن لولي الأمر أن يمنع بعض المباحات إذا رأى أن الإقدام عليها يؤدي بالمجتمع إلى مفاسد كبيرة يجب سد الطريق أمامها» هذه الآثار وإن تقدم ذكرها قبل ذلك فإن وضعها في هذا الإطار الأصولي ناهيك عن نسبة هذا الكلام لأحد علماء الأزهر قد يكون له أثر في إقناع كثير ممن قد يعاند في المسألة، العجيب هنا أن الأستاذ عمر التلمساني : له كتاب اسمه «شهيد المحراب» في سيرة عمر -رضي الله عنه- وهو كتاب يحوي كثيرًا من بدع القبوريين، ولكن الشاهد أنه ذكر من سيرة عمر نهيه عن نكاح الكتابيات والأمور الشرعية إذا خضعت لمقاييس غير شرعية فإنها تضطرب ولذلك تجد أن الموقف قد يكون في قمة المداهنة والمجاملة على حساب الدين وأحيانًا يكون العكس ويبد أن الفترة التي كان فيها الأستاذ التلمساني هو المرشد العام لمن يستحضر تفاصيلها التاريخية لمن يكن الاختيار أنذاك هو المداهنة وبالتالي تكلم الأستاذ عمر التلمساني تعليقًا على اجتهاد عمر -رضي الله عنه- بكلام فيه من الشدة ما فيه من أن عمر -رضي الله عنه- قطع الفتنة من رأسها إلى غير ذلك من الكلام الذي حبذا لو اطلع عليه من يقلد بلا روية وبلا بصيرة إذا قيل اقطع الفتنة من رأسها كان كما قيل وإن قيل أن بقاء هذه الفتنة ورعايتها هي سماحة الإسلام فكان كما قيل في الواقع مراجعة تعليق الأستاذ التلمساني على هذه الآثار عن عمر في كتاب «شهيد المحراب» تدلك على أن المسائل لم تأخذ دائمًا بطريقة واحدة.

نعود إلى الكلام على الشبهة التي تقول: يجوز نكاح الكتابية وهذا القول بالجواز لا بد من وضع خطوط كثيرة تحته قبل أن نطلق القول بالجواز هكذا فلا بد أولًا يجوز مع الكراهة الشديدة ثانيًا لماذا قال الشرع بهذا الجواز بعدما بين أن هؤلاء يدعون إلى النار؟ بسبب تزاحم مصالح معينة هذه المصالح لا يمكن ضبطها في حالات محددة وإلا كان الشرع قد أحال على هذه الحالات فقط ولكن يمكن أن يكون ذلك لمصالح فردية أو جماعية فيكون هناك مصلحة في هذا الأمر لذا ترك الشارع الأمر إلى صاحب الأمر يقرره وينظر فيه دون أن يتاجر بدينه أو أن يضحي به ورأينا كيف أن عمر -رضي الله عنه- لما اشتم رائحة المفسدة منع منه منعًا تامًا وأما في حالة أن يبقى في إطار حالات فردية لا يترتب عليها مفاسد فينظر في الحالات التي لا مفسدة فيها فيؤذن فيها وما فيه مفسدة يكون محرمًا كما تقدم.

إن نكحها على دينها هل يكرهها أم يحبها تقدم الكلام على أنه يمكن أن يجتمع حب وبغض في شخص واحد من حيثيات مختلفة فكل أحد في أمر زوجته المسلمة يقول أنا أحب منها كذا وأكره منها كذا فهذا أمر ليس مستعصيًا على الفهم إلا أن البعض ينظر إلى الصورة المثالية دائمًا أن الرجل يسعى إلى أن يحب زوجته من كل وجه وأن يسعى أن تكون تحبه من كل وجه فهذه هي الصورة المثالية ولكن تصور وجود الصورة الأخرى بل هذا هو الواقع غالبًا لمن رام  المثالية فمن تزوج امرأة مسلمة وسعى إلى أن يكون بينهما ود ونحو هذا يحدث في كثير من الأحيان أن يحب منها أمورًا ويكره منها أمورًا، وكذلك من يتزوج الكتابية عمومًا لا بد أن يكره منها الباطل الذي هي عليه وإن أحب منها مالًا أو جمالًا أو حسبًا أو نسبًا أو نحو ذلك فهذه مسألة لا يستبعد وجودها لأن الرجل مع زوجته المسلمة تجده يقول: أحب منها كذا وأكره منها كذا، وهناك مثال أوضح الرجل الذي فيه بقية خير مع بغي تفسد عليه دينه فتحتال عليه وتفسده وتضله فيأتي شهوته وهو متسخط عليها، انظر الآن إلى الشباب الذي يشاهد القنوات الفضائية والأغاني المصورة بعري ويشاهدونها وهم في قمة الانشراح بالشهوة التي يحصلونها يسبون ويعلنون هؤلاء المفسدون الذين يبثون لهم كذا وكذا، فلا ينقض الأصل المتقرر لأن الشرع أذن في زواج الكتابية ولذلك قال العلماء هو مكروه حتى لا يميل إليهم إذن هو الذي اختار لنفسه من أول الأمر أنه هو الذي سيعيش هذه الحالة الازدواجية وهي ممكنة وليست مستحيلة فلو كانت مستحيلة لقلنا حينها بذلك لأن الشرع لا يأمر بالمستحيل  ولكن هي ممكنة ومن اختار لنفسه هذا الاختيار، وكثير من الدعاة يحاول أن يبرر الانحرافات العقدية التي يرتكبها في هذا الباب القصة فهذا يدل على أن عنده ازدواجية عجيبة جدًا، واستمعوا إليه حينما يتكلم على أسس قيام الأسرة المسلمة تجده يذكر أمورًا منها: أن الذي يختار زوجة غير ملتزمة بل بعضهم قد يغالي فيقول: إن الذي يختار زوجة غير ملتزمة بمنهجنا فقد ضيع أسرته، وأنه لا يليق بمن هو على درجة معينة من درجات الدعوة أن يتزوج بمن هي دون هذه المرتبة بل قد لا يكون له الحق أن يختار ابتداء بل يُختار له من تناسب مكانته، فعلى أن هناك اتفاق أنه لا بد من «فاظفر بذات الدين» لا نقصد أن يترك الكتابية ويتزوج المسلمة بل يظفر بذات الدين المسلمة المطيعة لربها التي يأتمنها على عرضها وعلى أولادها، فنحن نتكلم في باب ترغيب المسلمين في الزواج بالمسلمات الملتزمات والتنفير الشديد من الزواج بالمسلمات غير الملتزمات فمن باب أولى التنفير من الزواج بغير المسلمة ويعرض هذا الأمر في إطاره كحالة استثنائية معها أمور من القيود فمن أقدم على الزواج من كتابية فلينظر هل يقدر أن يظهر على دينه أم لا؟ وهل يستطيع أن يحفظ أولاده أم لا؟ ولا يوضع هذا الأمر في صورة ليبرر بها انحرافات أخرى والعياذ بالله ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» فيه استحباب الزواج من المسلمة الملتزمة وترك المسلمة العاصية فما بالك بالكتابية؟! وهنا مسألة ستأتي في البيوع إن شاء الله وهي أننا لا يصح أن قول للناس شراء سلع الكفار محرمة وأن شرب الكوكاكولا أسوأ من شرب الخمر إلى غير ذلك من الشذوذات في الواقع لكن ستجد في باب الزواج وفي باب البيوع جواز الزواج من الكتابية وجواز البيع والشراء مع الكافر لكن حينما تقرأ الأحكام التفصيلية تجد الكلام كله على نكاح المسلم للمسلمة وعلى أن المسلم أخو المسلم في البيع والشراء في أنه لا يبع بعضكم على بيع بعض وهذه المسألة الثانية غير موجودة في مقدمة الكلام فكل المعاملات الشرعية والنكاح أظهر بلا شك فالكلام يكون دائمًا على مسلمين يبايع بعضهم بعضًا «لا يبع بعضكم على بيع بعض» «لا تناجشوا» فكل الكلام على أن المسلم أخو المسلم وأن يكون في بيعه أمانة ثم يقول العلماء: «وكذا لو باع من كافر لا يجوز له أن لا يغشه» ولكن القضية أن النصوص الشرعية تكرس في ذهن المسلم أنه لا يرى غير المسلمين ويظل دائًما حكمًا جزئيًا لمن احتاجه فيجوز نكاح الكتابية ويجوز البيع والشراء مع الكافر بعيدًا عن هذه المقاطعة السياسية نقول أن الإنسان إذا كان يقدر أن لا يبيع ولا يشتري ولا يشارك ولا يؤاجر إلا مسلمين على قدر إمكانه فهذا هو الأولى بلا شك وباب النكاح أظهر لأن باب البيع والشراء هاك وهاك وتنتهي المسألة أما باب النكاح فهو أشد وأغلظ ولذا غير مسألة النصوص التي دلت على الكراهة الشديدة في الزواج من الكتابية [الشريط فيه عيب أو عطل بعد ذلك قرابة 16 دقيقة]

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1564 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1705 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2028 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1666 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -6
1315 ١٤ ديسمبر ٢٠١٥