الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس مِن قصة نبي الله لوط -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

صاروا أثرًا بعد عين "تحولت قريتهم إلى بحيرة ميتة نتنة إلى يومنا هذا"

دروس مِن قصة نبي الله لوط -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠١٦ - ١١:١٩ ص
17204

دروس مِن قصة نبي الله لوط -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة وتعريف:

- ذُكرت قصة قوم لوط -عليه السلام- في مواضع كثيرة مِن القرآن؛ مما يدل على عظيم ما اشتملته، ومِن أعظمه بعد قضية التوحيد: التنبيه على خطر جريمة اللواط.

- نبي الله لوط -عليه السلام-: هو لوط بن هاران، ابن أخي إبراهيم -عليه السلام-، وقد استأذن عمه في الرحيل إلى أرض يدعو الله فيها، فأوحى الله إليه أن يقصد هؤلاء القوم.

1- حال قوم لوط -عليه السلام-:

- قوم لوط: قصدهم لوط -عليه السلام- لما أوحى الله إليه بما هُم عليه مِن الكفر والفاحشة، وكانوا يسكنون قرية "سدوم"، وكانوا مِن أفجر أهل الأرض، وأكفرهم، وأسوئهم طوية، وأردئهم سريرة وسيرة؛ ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد مِن بني آدم.

- كانوا مع كفرهم بالله يقطعون الطريق، ويرتكبون أشنع وأقبح جريمة أخلاقية تنافي الفطرة، وهي إتيان الرجال: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ . أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ(النمل:54-55)، (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ(العنكبوت:28-29).

- وقفة لبيان خطر اللواط صحيًّا واجتماعيًّا:

- يتسبب اللواط في الإصابة بأمراض خطيرة: "مرض الإيدز - فساد أعضاء التناسل - التأثير على المخ - الرغبة عن النساء - التأثير على الأعصاب - مرض السويداء - الاضطراب النفسي - التيفود والدوسنتاريا - وغيرها... ".

- أوسع أسباب انتشار مرض الإيدز مِن اللواط: "أول اكتشاف لمرض الإيدز كان في عام 1979م في مدينة نيويورك، وكان في رجل يمارس اللواط - نسبة المصابين بالإيدز بسبب الشذوذ الجنسي في العالم تزيد على 73%".

2- دعوة لوط -عليه السلام- وموقف قومه مِن دعوته:

- دعاهم إلى التوحيد: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(الشعراء:161-163).

- نهاهم عن الفاحشة والمنكرات: (ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(الأعراف:80)، (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ(الشعراء:165-166).

- أنذرهم وحذرهم مِن عذاب الله: (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ(القمر:36).

- التكذيب بالرسالة والنذارة: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(الشعراء:160).

- استمرارهم جميعًا في الكفر وفعل الفاحشة مع التحدي والتبجح والاستهزاء بعذاب الله -تعالى-: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (العنكبوت:29).

- التهديد بالطرد والقتل بسبب مخالفة الرأي العام، فقد جعلوا غاية المدح ذمًّا: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (النمل:56)، )لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (الشعراء:167).

3- موقفهم الفاجر يوم حضور الملائكة عند لوط -عليه السلام-:

- الملائكة تنزل لإنزال العذاب، ويأتون بيت لوط -عليه السلام- في صورة شبان حسان: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(هود:77).

- الفـُجار يحاصِرون بيت النبي طمعًا في الأضياف: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ . قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(هود:78-79). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

- النبي يدافعهم مِن وراء الباب وهم يصرُّون: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(هود:80). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ، إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)، وَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ نَبِيِّ إِلا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ(رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

- النبي يدعو والملائكة تطمئنه: (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ(العنكبوت:30)، (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ(هود:81).

- الملائكة تردهم عن باب لوط -عليه السلام-: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(القمر:37).

4- نزول العذاب:

- الملائكة تخبر النبي بنزول العذاب عليهم عند الصبح، وتأمره أن يخرج بأهله آخِر الليل: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ(هود:81).

- الانتقام والعذاب الدنيوي "الصيحة - قلب القرية - مطر مِن الحجارة": قال الله -تعالى-: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ(الحجر:73)، (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(هود:82-83) (انظر تفسير ابن كثير).

- صاروا أثرًا بعد عين "تحولت قريتهم إلى بحيرة ميتة نتنة إلى يومنا هذا": (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ(الذاريات:37)، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ(الحجر:75)، (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ(آل عمران:182)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا(الطلاق:8).

- خطر انتشار الفواحش في مجتمعات المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا… ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

5-عقوبة مَن عمل اللواط أو السحاق، أو أتى امرأة في دبرها:

- حكم اللواط:

اختلف العلماء في صفة قتله بعد الاتفاق على أنه يُقتل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ(رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على قتله.

- ذهب الشافعي وأحمد وطائفة مِن العلماء إلى أن مرتكب اللواط يُرجم بالحجارة حتى الموت؛ لأنه زنا وفجور.

- وذهب بعضهم إلى أنه يُقتل بإلقائه مِن شاهق، ثم يُتبع بالحجارة؛ كما هي عقوبة قوم لوط.

حكم السحاق:

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "إذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان؛ لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ؛ فَهُمَا زَانِيَتَانِ"... وعليهما التعزير".

حكم إتيان امرأة في دبرها:

- ملعون في الدنيا، مطرود في الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ(رواه الترمذي، وصححه الألباني). وقال في الذي يأتي امرأته في دبرها: (هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى(رواه أحمد، وحسنه الألباني). وقال أصحاب أبي حنيفة: "إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم".

6- هل لمَن عمل هذه الفواحش توبة؟

- التوبة مقبولة مِن الكافر؛ فهي أولى في حق مرتكب اللواط: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ(الأنفال:38)، وفي الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً(رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- ابتعد أيها التائب عن أماكن المعصية السابقة وأسبابها: قال العالم لقاتل المائة نفس: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ(رواه مسلم).

فاللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة