الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

معالم الإصلاح

ابدأ بنفسك أولا وكن لبنة صالحة يأتي الخير من ورائها

معالم الإصلاح
إيهاب شاهين
الخميس ٠٤ فبراير ٢٠١٦ - ١٢:١٤ م
1152

معالم الإصلاح

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

الإصلاح والإفساد كلمتان متضادتان، ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم عقولا تدرك التمييز بين المتضادات، حتى يظهر لهم الحسن من القبيح، ولولا ذلك لما عرف الناس الشر من الخير، ولما شعروا بالجمال لولا القبح، ولا عرفوا قيمة الصحة لولا معرفتهم بالمرض، والحسن يظهر ضده الحسن، وبالضد تتميز الأشياء. ثم امتن الله على البشر ببعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام حتى يبينوا لهم، من خلال الشريعة الأمور القبيحة من الحسنة التي قد تغيب أو لا تدركها العقول. من هذه الأمور معاني الصلاح والفساد، على كافة المستويات؛ الفرد، والمجتمع، والأمة، وحتى لا يدعي مدع للإصلاح وهو على العكس من ذلك، كما حكى الله عن فرعون أنه ادعى الإفساد في حق موسى عليه السلام، ومن ثم بالمفهوم الذي أراده لقومه هو من المصلحين، قال تعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَاد)، وكذلك المنافقون، كانوا إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض وكان إفسادهم واضح وبيّن، ادعوا أن ما يفعلونه هو الإصلاح، (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، من أجل ذلك وغيره جعل الله مهمة الإصلاح لأنبيائه بوحي من عنده، ومعلوم أن الأنبياء جاءوا بمنهج شامل لإصلاح جميع جوانب الحياة، لا سيما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بعثه الله تعالى بشريعة تامة كاملة شاملة لجميع مناحي الحياة مما يحتاجه الناس في أمر دينهم ودنياهم، مما يكون فيه صلاحهم، لذلك من رام إصلاحا لا بد أن يعود إلى منهج الأنبياء حتى يعرف المقياس الصحيح الذي يجب أن تكون عليه الحياة ثم يرى جوانب الانحراف عن هذا المؤشر، ليعود بالحياة مرة أخرى إلى المقياس الصحيح، ومن ثم كانت وظيفة أهل الصلاح، إصلاح ما فسد من الحياة على مستوى الفرد والمجتمع والأمة، مقارنة بما فعله الأنبياء، قال تعالى عن شعيب عليه السلام (إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ). وقد بين الله تعالى أنه ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح، وعلَّق الله رب العالمين عدمَ إهلاكه للناس بوجود المصلحين، قال جل وعلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). وبين سبحانه أنه يتولى الصالحين ولا يضيع أجر المصلحين، فقال تعالى: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ)، وقال (إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ) لذلك كان من مهام الأنبياء إيجاد وتربية المصلحين، الذين يصلحون ما أفسد الناس، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يتربى الفرد والأسرة والمجتمع ومن ثم الأمة حتى لا يكون هناك مجال أو سبيل لأحد من البشر بعد الأنبياء رام إصلاحا إلا أن يسلك سبيلهم، ففي حديث جبريل الطويل المشهور بين النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف ينشأ فرد صالح في نفسه ومن ثم سيكون مصلحا لغيره، ففي الحديث أن جبريل عليه السلام جاء سائلا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن معاني الإسلام والإيمان والإحسان، وقال في نهاية الحديث: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم". فهذا هو أمر ديننا الذي يجب أن نهتم به أن تكون بداية الإصلاح من الفرد، أن يكون مطبقا لمعاني الإسلام وفيه يظهر الجانب التعبدي للفرد بينه وبين الله تعالى؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج، فيكون فردا عابد ناسكا، ويكون عاملا بمعاني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فيظهر الجانب العقدي، بعيدا عن أي انحراف أو بدعة، ثم الجانب الثالث الذي يشكل كمال الشخصية بمعاني الإحسان، أن تراقب الرب في تطبيق هذه المعاني، وفي معاملة الخلق، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وبذلك تكون الجوانب الثلاثة للشخصية المراد تنشأتها قد اكتملت، الجانب التعبدي، والعقدي الإيماني، والسلوكي الأخلاقي، فتصلح هذه الشخصية لأن تكون لبنة في مجتمع صالح، يقيم أسرة، يتعامل مع الناس، تجارة وبيعا وشراء، أفراحا وأحزانا، يتعامل مع الصغير والكبير، رجالا ونساء. لذلك قد وضع القرآن وكذلك السنة ضوابط لكل هذه الأمور، إذا قرأت سورة البقرة تجد أحكام الأسرة والبيع والشراء والقرض والرهن، وعند تصفح باقي آيات القرآن تجد المنهج واضحا في كل أبواب الحياة، فإذا كان هناك جيل يخرج مطبقا لهذه المعاني، وجد مجتمع صالح لأنه سيوصي بعضه بهذه المعاني، ويأمر بها وينهى عن ضدها، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ*وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، فتجد المجتمع كله يحض بعضه بعضا على هذا الأمر، لذلك كان اهتمام المصلحين بذلك أولا؛ تربية فرد صالح في نفسه مصلح لغيره، وإن كانت الحياة ليست مفروشة بالورود والرياحين بوجود من يحارب أهل الصلاح في إصلاحهم ويبغي طرائق أخرى، لذلك فالطريق طويل يحتاج إلى استعانة وتوفيق وصبر طويل، كما قال الله عن شعيب بعد أن ذكر أنه يريد الإصلاح قال: (وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ). وإذا صار الأمر كذلك ستكون الدولة التي بها هذا المجتمع دولة قوية.

ولا بد أن يكون لها شكل يضبطها فذكر الله عز وجل كيف تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وما هي صفات الحاكم الصالح، وما هي السبيل والطريقة والدستور الذي يحكم به الناس، وكيف يتعامل مع الدول المجاورة، المتوافقة معه والمخالفة في كل شئون الحياة، فهذه معالم الإصلاح التي تشمل بناء الأفراد والمجتمعات والدول، الطريق طويل وصعب ولكنه ليس مستحيلا، ابدأ بنفسك أولا وكن لبنة صالحة يأتي الخير من ورائها، والحمد لله رب العالمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة