الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

«تجديد الخطاب الديني» كلمة حق أريد بها باطل

كل هذه الطوام والكثير غيرها يسعى أعداء هذا الدين إلى العبث بها في سبيل هدم الدين تحت شعار تجديد الخطاب الديني

«تجديد الخطاب الديني» كلمة حق أريد بها باطل
مصطفي خطاب
الجمعة ٠٥ فبراير ٢٠١٦ - ٢٢:٥٧ م
1572

«تجديد الخطاب الديني» كلمة حق أريد بها باطل

كتبه/ مصطفي خطاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تشغل قضية الخطاب الديني حيزًا كبيرًا من نقاشات واهتمامات الكثير من المسئولين والعلماء والمفكرين، بل دخل مؤخرًا على خط النقاش بعض السياسيين؛ ليدلي كل منهم بدلوه في تلك القضية.

 

وقد ظهر مصطلح تجديد الخطاب الديني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 وأطلقته الولايات المتحدة الأمريكية؛ مستهدفة تمييع وتغيير بعض المفاهيم والقضايا الإسلامية مثل الجهاد والولاء والبراء؛ وهي التي اعتبرتها أمريكا قضايا خطرة على العالم.

 

في بداية ظهور واستخدام هذا المصطلح تحفّظ الأزهر من قبول هذا المصطلح؛ نظرًا لارتباطه بالمفهوم الأمريكي المقصود منه العدوان علي ثوابت الدين والعقيدة الإسلامية، وهو الأمر الذي بدا جليًا في كتاب "الخطاب الديني و كيف يكون؟" لشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، والذي صدر بعد أحداث سبتمبر.

 

و لهذا فقد انقسم المتحدثون في تلك القضية الخطيرة إلى ثلاثة أقسام :

1-  علماء يسعون بالفعل لتجديد الخطاب الديني، وفق ضوابط الاجتهاد المتفق عليها لدى علماء الأمة سلفا وخلفا.

 

2-  أصحاب أفكار ومناهج منحرفة، يريدون تغيير الأحكام الشرعية الثابتة وتحريفها والعبث بأصول الاسلام؛ بحجة التجديد ليواكب متطلبات العصر الحديث، وهو الفريق الذي يمكن أن نقول عنه أنه يقول كلمة حق يريد بها باطلا.

 

3-  سياسيون وغير متخصصين، يلوكون كلاما لا يفهمونه ولا يدركونه؛ إما أنه من باب إظهار ثقافة زائفة، أو نكاية في فصائل سياسية أخرى أو غير ذلك.

 

إذًا يبقى السؤال مطروحا: ما هو مفهوم تجديد الخطاب الديني و حقيقته؟

بداية يمثل حديث «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» الدليل والركيزة الأساسية لخطاب أي من العلماء المتحدثين في موضوعنا الحالي، والتجديد يعني إعادة الأمر إلى رونقه وجماله الأول، وتنقيته من أي سوء أو تشويه عَلِق به.

 

إذًا يمكن القول إن عملية التجديد ليست مستحدثة أو ضرورة ملحة لواقعنا المعاصر فقط؛ بل هي إحدى بشارات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمته، بالإضافة إلى أنها شهادة ودليل عملي لهذا الدين، بحيويته وصلاحيته لكل الأزمان والعصور.

 

وترجع الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني إلى عوامل عدة؛ من أهمها حالة التدني الفكري وانتشار التقليد، وتراجع الاجتهاد المنضبط بالأدلة والأحكام الشرعية، بحيث يتم استنباط أحكام شرعية منضبطة للنوازل العصرية، وفق المنهجية العلمية التي سار عليها الأئمة المجتهدون من السلف.

 

لذا ففي هذه العصور التي تعاني من حالة تراجع وتقهقر في الاجتهاد في التعامل مع بعض الأزمات أو النوازل؛ تبعه مؤخرا قيام بعض المنتسبين إلى العلوم الشرعية إلى الاجتهاد في بعض النوازل بأسلوب ومنهج مخالف لما سار عليه الائمة المجتهدون في الأمة بحجة تجديد الخطاب الديني،

 

لكن يقرر أهل العلم أن قضية تجديد الخطاب الديني تنصب في الأساس على محورين أساسين:

الأول: تنقية الدين من البدع والشوائب التي علقت به؛ نتيجة قلة العلم وعموم التقليد والتعصب وانتشار الجهل.

 

الثاني: استنباط أحكام شرعية لنوازل عصرية وفق ضوابط و آليات، ومنهج الاجتهاد الذي قرره أهل العلم الثقات والأئمة المجتهدون في هذه الأمة منذ عهد الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من العلماء، من اتباع نصوص القرآن والسنة النبوية الصحيحة، والاستدلال منهما وفق منهج علمي منضبط بآليات الاجتهاد وأدواته، مما قرره أهل هذا الفن من المجتهدين من آليات استنباط للأحكام عبر الإجماع والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة وغيرها، بالإضافة إلى القواعد الفقهية المتفق عليها؛ لتمثل جميعها الأدوات التي يستخدمها المؤهل للاجتهاد من أهل العلم في أي زمان للوصول إلى الهدف المنشود في قضية تجديد الخطاب الديني.

 

أما ما يثيره أصحاب المناهج المنحرفة أو أصحاب الأهواء من قضية تجديد الخطاب الديني لا يبغون من ورائه إلا الباطل، حيث يسعون إلى هدم ثوابت هذا الدين بحجة التجديد؛ فنجد أناسا يتحدثون عن أمور قطعية ومستقرة الأحكام، بل وفي بعض الأمور التي انعقد عليها الإجماع، يتكلمون عن إلغائها وإبطالها بتلك الحجة المتهالكة -حجة التجديد ومواكبة فقه العصر-، فعلى سبيل المثال تمييع بعض القضايا العقدية المستقرة المجمع عليها بحجة أنها من الأمور التي تحض علي الكراهية والعنف والتطرف، في تمييع صارخ لقضايا الولاء والبراء بل في قضايا التوحيد نفسه.

 

كل هذه الطوام والكثير غيرها يسعى أعداء هذا الدين إلى العبث بها في سبيل هدم الدين تحت شعار تجديد الخطاب الديني، مستغلّين أصحاب المناهج المنحرفة والنفوس الضعيفة والمغفّلين من هذه الأمة، سواء من درس بعض العلوم الشرعية أو لم يدرسها، وينفقون في سبيل تحقيق هذه الأهداف أموالا تفوق القدرة على إدراكها، في سابقة –أعتقد- لم تحدث في تاريخ الأمة من قبل؛ وهو الأمر الذي يستلزم يقظة وانتباه العلماء والائمة من هذه الأمة، لتحمل مسئولياتهم تجاه هذا الدين وهذه الأمة، من خلال فضح هذه المناهج المنحرفة والرد عليها، وتبصير المسلمين بحقيقة هؤلاء الموتورين، بالإضافة إلى مزيد من الاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية المنضبطة للنوازل والمستجدات التي تمر بها الأمة، وفق المنهج القويم المعتمد للاجتهاد مع الحفاظ علي ثوابت الدين والعقيدة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة