الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مفاهيم إدارية في حياة الرسول

الذي يجب أن يراعيَه كل قائد ومدير: أن يعطي كل رأي حقه في النقاش، وأن يمنح كل عضو فى الجلسة فرصته الكاملة في التعبير

مفاهيم إدارية في حياة الرسول
محمد القاضي
الجمعة ٠٥ فبراير ٢٠١٦ - ٢٣:٠٨ م
3779

مفاهيم إدارية في حياة الرسول 

كتبه/ محمد القاضي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن العمل الدعوي منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل وفق منظور إداري راقٍ، استعمل فيه النبي كل المعاني الإدارية الحديثة، من مهارات ووظائف إدارية متعددة، ولم تكن هذه المعاني مؤصلة كما هي الآن، بل كانت واقعًا ملموسًا في عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ فقد مارسوا الإدارة دون أن يُنَظِّروا لها، فلم يكن الانفصال الحادث بين الواقع العملي التطبيقي وبين التأصيل النظري، فلذا نحن فى أمَسّ الحاجة إلى دراسة المعاني والمفاهيم الإدارية المعاصرة، مع دراسة تطبيق هذه المعاني فى السنة النبوية؛ لكي نصل إلى أقصى استفادة ممكنة من هذه المفاهيم النظرية.
فهناك العديد من المهارات الإدارية التي نُظِّر لها حديثًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يطبقها مع صحابته الكرام، والصحابة أيضا استعملوا هذه المهارات في إدارتهم للدولة من بعده، فطبقوا الوظائف الإدارية عمليا، دون الحاجة إلى التأليف النظري. 
فمن هذه المهارات الإدارية التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على سبيل المثال:
حسن تعامله مع الكفاءات و المبدعين من أصحابه؛ 
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجيد مهارة اكتشاف المواهب في أصحابه، وصقلها بالتجربة و الممارسة العملية، وكان يحسن استغلال الطاقات، و توزيع المسئوليات بين أصحابه، كل فيما يحسنه، مع إعطائهم الصلاحيات اللازمة للعمل، وعدم إسناد كل المهمات لرجل واحد فيؤدي إلى فشله وانقطاعه عن العمل.
وقد أعطى الكاتب محمد عادل فارس أمثلة على ذلك في مقاله: "دروس فى القياد" فقال: 
(فخالد بن الوليد منذ حداثة عهده بالإسلام يسند إليه مهمة قيادية في فتح مكة، ويشارك في غزوة مؤتة -وعلى إثرها يسميه: سيفاً من سيوف الله-، ويرسله بعدئذ إلى أُكَيدِر بن عبد الملك صاحب دُومة الجندل، وهو رجل من اليمن، وكان ملكاً، وقد أسَرَه خالد وقدم به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحقَنَ دمه، وقَبِل منه الجزية، وردّه إلى قومه.
وكذلك عمرو بن العاص الذي أسلم سنة 7 أو 8 هـ -رضي الله عنه- أمّرَه على جيش المسلمين في سرية ذات السلاسل، ولم يمضِ على إسلامه إلا شهور، وكان في هذه السرية عدد من أصحاب السابقة من المهاجرين و الانصار.
وأبو هريرة -رضي الله عنه-، يجعله على أموال الصدقات.
وفي الجانب الآخر لم يستجب لأبي ذرّ -رضي الله عنه- حين طلب الولاية، بل قال له: "يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأعطى الذي لله منها" ) اه. موقع المختار الإسلامي

وقال الكاتب إسلام عبد الله فى مقالة "التميز الاداري في حياة النبي صلى الله عليه وسلم" بعد ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بحسن التفويض وإدارة الأمور بين أصحابه واهتمامه بالكفاءا ت:
(إن الأكتاف القوية لا تنمو إلا بالتدريب، والمساعدون الأكفاء لا يولدون من فراغ، والمؤسسات القوية هي التي تحسن إدارة عملية تفويض المسؤوليات والاختصاصات، ولا تعتمد على مستوى إداري واحد تحسن إعداده فحسب؛ وإنما تبني كل منطلقاتها وحركتها على إدارة عملية التفويض، حتى لا يمر في أية مرحلة من مراحله بمنعطفات أو مشكلات تنبع من عدم وجود المستوى المؤهل لتناول القيادة من سابقه، كما أن نجاح المدير أو المشرف يكمن في إدراكه لهذا الأمر في مؤسسته أو إدارته).

و فى موضع آخر من المقالة نفسها يصف النبي صلى الله عليه وسلم بمهارة أخرى من المهارات الإدارية ألا وهي تشجيع فريق العمل وبث روح الحماس فيهم، فقال:
(يصف الواقدي تحركات الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجيشه نحو حُنين حيث ينقل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "ألا فارس يحرسنا الليلة ؟" إذ أقبل أنيس بن أبي مرثد الغنوي على فرسه فقال: أنا ذا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "انطلق حتى تقف على جبل كذا وكذا فلا تنزلن إلا مصلياً أو قاضي حاجة، ولا تغرن من خلفك." 
قال : فبتنا حتى أضاء الفجر وحضَرتنا الصلاة فخرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أأحسستم فارسكم الليلة؟" 
قلنا لا والله، فأقيمت الصلاة فصلى بنا، فلما سلّم رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر خلال الشجر، فقال: "أبشروا جاء فارسكم" وعندئذ جاء (أي الفارس) وقال:
يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي إلا مصلياً أو قاضي حاجة حتى أصبحت، فلم أحس أحداً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انطلق فانزل عن فرسك وأقبل علينا، فقال: ما عليه أن يعمل بعد هذا عملاً."
كان من منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأداء أنه كان دائما ما يعمد إلى التخيير وبث روح المنافسة بين فريق عمله .. "ألا فارس يحرسنا الليلة ؟". 
كما أنه استقبل حديث "أنيس" وهو يتحدث عن دوره وإجادته في تنفيذه بنفس طيبة "قال: يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي إلا مصليًا أو قاضي حاجـة حتى أصبحت فلم أحس أحداً." 
فلم يتهمه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعرض موقفه بنقص في إخلاصه، لا سيما وأنه يدلي بهذا الحديث أمام جمع من صحابته -رضوان الله عليهم-، ثم يبادر النبي بتشجيعه وتحفيزه: "ما عليه أن يعمل بعد هذا عملا" 
وفي هذا الثناء والتشجيع والإشادة بالموقف ما يدعو كل مشرف أو مدير إلى استنفاذ طاقة فريقه وتفانيهم في العمل، كما أن الرسول أتقن فن التحفيز والتشجيع من خلال الأوصاف المتميزة على صحابته، فأبو بكر الصديق وعمر الفاروق –رضي الله عنهما- كما ذكر محمد أحمد عبد الجواد في كتابه "أسرار التميز الإداري والمهـاري في حياة الرسول).

و من المهارات الإدارية الراقية: مهارة التواصل بين القائد أو المدير وبين المرءوسين ؛
فكان يحسن التواصل بالنصيحة والتوجيه مع أصحابه؛ فقد كان عمر رضى الله عنه يزاحم عند الحجر الأسود فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصحه فقال: ياعمر إنك "رجل قوي" فمدَحَه أولا قبل أن يتوجه إليه بالنصيحة -فهذا أرجى للقبول- وقال له: "فلا تزاحمن عند الحَجَر".
و معاذ كان لايحافظ على بعض الأذكار بعد الصلاة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصحه، قَالَ معاذ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ، إِنِّي أُحِبُّكَ لِلَّهِ"، قَالَ مُعَاذُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ، لا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك"، 
فهنا أخذ بيده وقال له إنى احبك لله؛ فقَدّم بين يدى النصيحة رصيدًا عاطفيًا، فهذا أدعى لقبولها و استقرارها فى النفس. 
و من المهارات الإدارية التي تميز بها صلى الله عليه وسلم: ما أشار إليه محمد عادل فارس أيضا فى مقالِه، من حسن استعراضه لآراء أصحابه وعدم التسفيه من رأي المخالف، بل ونزوله على رأي من يخالفه، كما حدث يوم بدر، عندما تشاور مع أصحابه في المنزل الذي ينزلونه قبل المعركة، ويوم أُحُد، لما تشاور مع أصحابه ثم نزل على رأي الشباب منهم فى القتال خارج المدينة.
و الذي يجب أن يراعيَه كل قائد ومدير: أن يعطي كل رأي حقه في النقاش، وأن يمنح كل عضو فى الجلسة فرصته الكاملة في التعبير عن رأيه دون أن يهضمه حقه، سواء كان موافقًا أو مخالفا، لكي يخرج بنتيجة ناضجة، وقد استعرض كل رأي  في ما لَه وماعليه بإنصاف.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة