الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكِبْر في عصرنا

فليحذر المسلم على نفسه مِن الكِبْر بعلمه أو سلطانه أو ماله أو جماله؛ فكل ذلك إلى زوال، ولا يبقى إلا العمل الصالح

الكِبْر في عصرنا
سيد عبد الهادي
الأحد ١٣ مارس ٢٠١٦ - ١٢:١٢ م
999

الكِبْر في عصرنا

كتبه/ سيد عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا زلنا نرى في زماننا مَن يتكبر ويتجبر ويغتر بنفسه على الرغم مِن أن الكِبْر هو أول خطيئة وقعتْ في الكون، وصاحبها ملعون في جميع الشرائع السماوية! قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ) (البقرة:34)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم).

فالكِبْر هو: "استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه مِن الفضائل، والاستهانة بالناس واستصغارهم، والترفع على مَن يجب التواضع له".

التكبر بالعلم:

مِن نعم الله على الإنسان أن يرشده لما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ولا شك أن التقدم العلمي في زماننا قد حقق أشواطـًا بعيدة، ونجاحات كثيرة، ولكن بدلاً مِن الشعور بالامتنان لرب الكون على فضله كان الجزاء هو الجحود والنكران؛ الجحود والنكران لجهود علماء البشرية سابقًا "لاسيما الحضارة الإسلامية والعربية"؛ إذ العلم سلسلة متصلة لا يمكن للاحق أن يحقق ما وصل إليه إلا بالبناء على علوم السابقين.

وليس الجحود والنكران للبشر فحسب، بل تكبر هؤلاء القوم في أنفسهم وأنكروا خالقهم -جلَّ وعلا-؛ فانتشرت موجات الإلحاد في أوروبا ثم أمريكا، وها هم يحاولون تصديره إلينا، قال الله -تعالى-: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (الواقعة:82)!

فبدلاً مِن شكر نعمة الله -تعالى- عليهم بالعلم يكذبون بوجوده -سبحانه-! قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:6-7).

سرعان ما يتناسى الإنسان كيف أخرجه الله -تعالى- مِن بطن أمه لا يعلم شيئًا ولا يملك شيئًا؛ فيعطيه الله العقل والمال والقدرة، فيقول كما قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص:78).

لقد عاتب الله -جلَّ وعلا- موسى -عليه السلام- حينما سُئل: مَن أعلم الناس؟ فقال: أنا، ولم يَرُدَّ العلم إلى الله -عز وجل-، فكانت رحلته مع الخَضِر -عليه السلام- وما فيها مِن أعاجيب؛ لنصل إلى الدرس المستفاد آخر القصة: (مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنْ هَذَا البَحْرِ) (متفق عليه).

فمهما عظـُم علم الإنسان فلا زال علمًا ناقصًا، وهذا معروف لكل متخصص في مجاله؛ فكم مِن نظرية علمية عظيمة يظهر خطؤها بعد حين، وكم مِن اكتشافات مبهرة لا زال يعتريها النقص، ويتعنت أصحابها لسده!

والأمثلة عديدة لا سيما في مجال خلق الإنسان؛ إذ أن الجسم البشري ما زال مليئًا بالإسرار التي لم يفتح الله على العلماء بها بعد؛ فضلاً عن عشرات الأمراض التي لا نعرف لها سببًا أو علاجًا.

وأعظم مِن ذلك أن الإنسان يقف عاجزًا عن التحكم في طبيعة الجسم البشري على مستوي الأجهزة والأعضاء؛ فلا يتحكم في الأمعاء لتهضم أو في الدم ليتدفق؛ فضلاً عن مستوى الخلايا، والتي تدار بالقدرة الإلهية فتنمو وتتغذى وتقوم بوظيفتها دون أن يشعر بها الإنسان.

التكبر بالجاه والسلطة:

وهو الداء البشري المستحكم الذي يدفع صاحبه إلى ارتكاب الفظائع التي يشيب لها الولدان، وقد نسي أن الأيام دول، والكرسي لو دام لغيرك ما وصل إليك؛ فهذا النمروذ تكبر بملكه فقاده للكفر إذ جادل أبا الأنبياء في قدرته على الإحياء والإماتة!

ومِن بعده فرعون يتسلط على أمة؛ فيقتل ويقهر حسب هواه!

ثم جاء الأمريكان وأفنوا أمة بأكملها مِن الهنود الحمر؛ ليحتلوا ديارهم!

ولم يخلُ العصر الحديث مِن أمثال "هتلر" و"ميلوسوفيتش"؛ فضلاً عن اليهود المجرمين وما فعلوه بفلسطين.

وهكذا دأب الظالمين في كل مكان.

قال الله -تعالى-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) (الأنبياء:11-13).

فليحذر المسلم على نفسه مِن الكِبْر بعلمه أو سلطانه أو ماله أو جماله؛ فكل ذلك إلى زوال، ولا يبقى إلا العمل الصالح.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ النَّار) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

التواضع ليس ذلاً:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ) (رواه مسلم).

لراغبي العزة:

كن مؤمنًا تكن عزيزًا، قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون:8).

واعلم أن التواضع ليس ذلاً، والعزة ليست كِبْرًا.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً