الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

آيات قرآنية وكلمات وداع

انتبه فالأمر عظيم، والخطب جلل، والحجة أُقيمت، والدين كمل

آيات قرآنية وكلمات وداع
خالد آل رحيم
الخميس ١٧ مارس ٢٠١٦ - ١٢:١٢ م
13801

آيات قرآنية وكلمات وداع

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

جاءت السنة العاشرة من الهجرة فأُذن للنبي - صلى الله عليه وسلم- بالحج فانهمر الناس من كل حدب وصوب تجاه المدينة النبوية حفظها الله طمعا في الحج معه - صلى الله عليه وسلم-، فاجتمع له في حجته هذه أكثر من مائة ألف صحابي، كانوا معه في عرفة، حينها أُنزلت آية عظيمة، قال الله - جل جلاله- فيها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينا}.

حينها بكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ذكره الطبري في تفسيره) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: "ما يُبكيك؟" قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال - صلى الله عليه وسلم-: "صدقت".

ولما جاء رجل من اليهود لعمر رضي الله عنه قائلا له: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا نزلت -معشر يهود– لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد. (البخاري)

قال علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهو الإسلام، أخبر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدا.

وقال ابن جرير رحمه الله: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد عرفة بواحد وثمانين يوما.

ولهذا عندما أُنزلت هذه الآية علم النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه الوداع، فكانت خطبة الوداع المعجزة الموجزة البليغة، والتي تحتاج إلى أن تُكتب فيها أبحاث وليست كلمات قليلة، أو مقالات قصيرة، ولذلك سنعرج على بعض كلماتها البليغة. فكان مما قال - صلى الله عليه وسلم-:

-إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.

-ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدى ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض

-ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة؛ وأن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث – كان مسترضعا في بني سعد فقتله هذيل-، وربا الجاهلية موضوع؛ وأول ربا اضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.

حتى قال - صلى الله عليه وسلم-:

-وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.

فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات.

والمتأمل في هذه الكلمات من خطبته - صلى الله عليه وسلم- يجد إشارات عظيمة، وأسسا وأصولا متينة، تؤصل لهذا الدين وتُقعد للشريعة، كما بدأها بقوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام". وهذه هي مقاصد الشريعة التي من أجلها أرسل الله تعالى النبي - صلى الله عليه وسلم- فالشريعة كلها حق وعدل، شرعت لتحقيق مصالح الناس، وتدفع عنهم المفاسد والمضار ضمن قيود وضوابط ربانية، ومصالح الناس على ثلاث مراتب: ضرورية وحاجية وتحسينية، وهذه المراتب الثلاث تعتني بالحفاظ على الضروريات الخمس وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال.

ومن يتأمل كلماته - صلى الله عليه وسلم- يجد ذلك (حرمة الدماء والأموال والأعراض)، ليس هذا فحسب بل يبدأ - صلى الله عليه وسلم- بنفسه وعشيرته، فقد وضع دم ابن عمه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ووضع ربا عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

ولذلك في إطلالة سريعة على هذه الكلمات التي اقتطفناها من تلك الخطبة الجامعة المانعة تجد فيها:

تمام الدين وإكماله، ورضا الله - جل جلاله- عنه، وإخبار نبيه - صلى الله عليه وسلم- بذلك. وهذه رسالة لكل مبتدع وضال، يُدخل في دين الله ما ليس منه، أو يتقول على الله أو يتقول على رسوله - صلى الله عليه وسلم-، وما دام قد كمل الدين فلا ينبغي العودة للجاهلية، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع". وهذه رسالة عظيمة منه لتقطيع أواصر الجاهلية بكل ما فيها من ظلم وجور، لأنه قد كمل ديننا وفيه ما يُغنينا عن غيره.

ثم بيّن - صلى الله عليه وسلم- أمثلة عما سيضع من الجاهلية، ومنها الدم والربا، وقد كانا من أعظم الأمور وأفحشها عند العرب آنذاك، مع غيرها من عبادة الأوثان ووأد البنات والزنا وغير ذلك، وأعظم رسالة وجهها - صلى الله عليه وسلم- للصحابة ولنا ولمن سيأتي بعدنا هو اقتران القول والفعل، لأنهما متلازمان فقد قال - صلى الله عليه وسلم- وفعل، وأول ما طبق ذلك طبقه على نفسه، فوضع دم ابن عمه ووضع ربا عمه. وهذه رسالة مهمة للدعاة ولطلبة العلم وللناس كافة أنه لا بد أن تكون الأفعال عقب الأقوال مباشرة وملازمة لها. ثم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- الحجة على أصحابه وهي حجة على أمته كذلك أنه قد بلغ وأشهد الله على ذلك الذي بيّن أن من أسباب إرسال الرسل إقامة الحجة على الناس فقال - جل جلاله-:

{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما}. قال ابن عاشور رحمه الله: فإرسال الرسل لقطع عذر البشر إذا سئلوا عن جرائم أعمالهم، واستحقوا غضب الله وعقابه. فعلم من هذا أن للناس قبل إرسال الرسل حجة إلى الله أن يقولوا: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ونحن نشهد أنك قد بلغت على أكمل وجه وأتمه عليك صلوات الله وسلامه.

وأخيرا هو نداء لنفسي ولإخواني ولمن يقرأ هذه الكلمات: انتبه فالأمر عظيم، والخطب جلل، والحجة أُقيمت، والدين كمل، وما علينا جميعا إلا العمل والجد والاجتهاد لننال مرتبة الصحابة الأبرار وتابعيهم بإحسان في أعلي الجنان مع نبيه - صلى الله عليه وسلم-. والله من وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة