الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ

بشرى وأمل

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
عصام حسنين
السبت ١٩ مارس ٢٠١٦ - ١٠:٤١ ص
1998

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

بشرى وأمل

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالله -تعالى- عزيز غالب على أمره، لا يُمانـَع ولا يُغالَب؛ إذا أراد شيئًا فلا يُرَد؛ لأن الأمر كله له، فالخلق خلقه والملك ملكه (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، (بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا) (الرعد:31).

وما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، فعال لما يريد، قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي إذا أراد شيئًا؛ فلا يُرد ولا يمانع ولا يخالـَف، بل هو الغالِب لما سواه، قال سعيد بن جبير: أي فعال لما يشاء. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يقول: لا يدرون حكمته في خلقه، وتلطفه وفعله لما يريد" (اهـ).

والضمير في قوله -تعالى-: (عَلَى أَمْرِهِ): "إما أن يعود على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له كن فيكون، وإما أن يعود على يوسف -عليه السلام-، أي يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره، فلا يصل إليه كيد كائد" (تفسير القرطبي).

- ولا منافاة؛ فإن كان غالبًا على أمر يوسف -عليه السلام- فلأن يكون غالبًا على أمره أولى.

- ولننظر إلى أمثلة مِن قصص الأنبياء -عليهم السلام- تدل أنه -عز وجل- بتدبيره ولطفه الخفي يصل إلى ما يريد، وكيف أنه -سبحانه وتعالى- لو أراد الخلق كلهم أمرًا، وأراد الله غيره لكان ما أراده؛ لأنه عزيز، غالب على أمره، لا يغالب ولا يمانع.

1- قصة يوسف -عليه السلام-:

يرى يوسف -عليه السلام- رؤيا كريمة، تحمل بشارة عظيمة يقصها على أبيه يعقوب -عليه السلام-؛ فَعلِم أن الله -تعالى- قد اصطفاه بالنبوة؛ فضنَّ به وقربه، وخاف عليه حسد إخوته أن يصيبوه بسوء، لكن الله -تعالى- يريد أمرًا آخر مدبرًا لآل يعقوب، قدرًا حسنًا لتكون قصتهم عبرة لأولي الألباب، عنوانها الأكبر: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ).

قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ . قَالَ يَابُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:4-6).

وقدَّر الله -عز وجل- غير الذي أراده يعقوب -عليه السلام-، فقد اجتمع إخوة يوسف يتباحثون في أمر يوسف -عليه السلام- ومكانته عند أبيه؛ فانتهى تآمرهم على إلقائه في الجب "البئر المهجور"، ونجحوا في كيدهم؛ لما يريده -تعالى- مِن الكرامة ليوسف -عليه السلام- ولأبويه وإخوته أيضًا، ولما ألقوه في الجب أوحى الله إليه (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف:15).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "يقول تعالى ذاكرًا لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر حال العسر أنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطييبًا لقلبه وتثبيتًا له: إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لكَ مِن ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا، وسينصرك عليهم، ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك مِن هذا الصنيع. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال ابن عباس: ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك، وهم لا يعرفونك، ولا يستشعرون بك" (تفسير ابن كثير).

وكان تحقيق الرؤيا، وذلك الإخبار في آخر القصة بعد أن مرت بيوسف -عليه السلام- أطوار ومحن عظام ليكون الدرس: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).

قال الشافعي -رحمه الله-: "لا يمكَّن الرجل حتى يبتلى".

وفي الدخول الثالث لهم على يوسف ظهر عليهم الجهد، وشكوا إليه ما أصابهم مِن الجدب؛ فرَقَّ لهم يوسف، وتذكر أباه وما فيه مِن الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه مِن المُلك والسعة؛ فتعرف إليهم وأخبرهم بما فعلوه معهم كما قال الله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف:15).

قال الله تعالى-: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ . قَالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ . قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:89-92).

وأما تحقيق الرؤيا: فقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كانت رؤيا الأنبياء وحي" رواه ابن جرير في التفسير، والمفسرون على أن الشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه وأن الأحد عشر كوكبًا عبارة عن إخوته، ووقع تفسيرها بعد 40 سنة، قاله غير واحد من السلف، وذلك حين (رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ): وهو سريره وإخوته بين يديه.  

قال الله -تعالى-: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) (يوسف:100)، حقـًّا (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

ثم لنتأمل في شكر يوسف -عليه السلام- ربه -تعالى-، ونسبة كل ما حصل له مِن خير لله، وأنه محض فضل ربه عليه، ولطفه به؛ لنعلم أن باب السعادة الأعظم الذي يلج منه العبد على ربه هو باب الافتقار التام لربه، وعدم شهوده لنفسه حالاً ولا مقامًا إلا لربه، فهو سبحانه لولاه ما اهتدينا، ولا تصدقنا، ولا صلينا (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:100-101).

2- ذكر الله -تعالى- في سورة الشعراء سبع قصص مِن قصص الأنبياء -عليهم السلام- في إيجاز وإعجاز ختمها بقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الشعراء:8-9)، فهو تعالى العزيز الذي انتقم مِن أعدائه، والرحيم الذي رحم أوليائه وأنجاهم، وفي آخر السورة أمر نبيه -صلى الله عليهم وسلم- أن يتوكل على العزيز الرحيم فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (الشعراء:217).

وهكذا ينبغي لجميع العلماء والدعاة والمؤمنين أن يتوكلوا على العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع، والذي يعز أولياءه بطاعته، ويذل أعداءه بمعصيته، وأن يثقوا بوعده، ويوقنوا بأنه -تعالى- غالب على أمره.

- ومِن أمره -عز وجل- قوله: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32-33)، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8)، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128).

- وأن يدوروا مع أمر الله -تعالى- حيث دار، ولا يبالوا على ما أصبحوا أو أمسوا فإنه أمر ربهم تعالى؛ فيكونوا راضين به وعنه.

- وأن يتعبدوا العبادة الواجبة عليهم سواء في وقت السراء أو الضراء.

- وأن يدعوا إلى ربهم -تعالى- كذلك في جميع الحالات بفقه وحلم (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً