الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

توجيهات ربانية

ستة توجيهات ربانية للمرحلة الحالية، نحتاجها لمواجهة ما يحيط بنا من تحديات

توجيهات ربانية
سامح بسيوني
الأحد ٢٠ مارس ٢٠١٦ - ١٤:٢٠ م
3232

توجيهات ربانية

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد،

ففي خضم هذه الأحداث المتلاحقة والفتن المتلاطمة والتحديات المتعددة التي نواجهها في مجتمعاتنا الآن على كافة المستويات؛ من تفسخ الأخلاق واستعار الشهوات وفلتات الألسنة وانتشار الإلحاد والطعن في كل الثوابت والأصول والقيم تحت شعار حرية الإبداع، أو الطعن في ثوابت الدين وأصوله وانتشار الفوضى الفكرية الممنهجة من ناحية مع انتشار أفكار الخوارج والتكفير والتبشير بدين الروافض بين المسلمين من جهة أخرى، هذا كله بالإضافة إلى ما نراه من زيادة حالات الاحتقان السياسي والتخوين المتزايدة بين جميع فصائل المجتمع، وما يتبع ذلك من وقوع ظلم وبغي بل وانهيار اقتصادي وشيك،

فإننا في خضم هذا كله نحتاج أن نقف وقفة نصحٍ صادقة مع أنفسنا ومع إخواننا، نذكر أنفسنا مرارا وتكرارا بما يجب علينا في هذه المرحلة، وبما نحتاج إليه من تلمس هدى القرآن وتوجيهاته الربانية، إن كنا حقا ممن ارتضى لنفسه حمل الأمانة بنذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة؛ وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان؛ ومن هذه التوجيهات الربانية التي نكررها دائما ما جاء في أوائل سورة المدثر التي خاطب الله عز وجل بها نبيه - صلى الله عليه وسلم- – الحامل الأول للرسالة وإمام الدعاة إلى الله – والمقتدين به من بعده حيث يقول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.

فهذه التوجيهات هي العدة الحقيقية والزاد النافع لمن ارتضى لنفسه حمل هذه الأمانة الثقيلة لنقل البشرية من الضلال والعصيان والتمرد إلى الهدى والانقياد والعبودية لله عز وجل.

 

فكان التوجيه الأول:

{قُمْ فَأَنذِرْ}...

قُمِ بجد ونشاط، فَأَنْذِرْ الناس بالأقوال والأفعال وبكل الممكن والمتاح الذي يحصل به المقصود، ابحث عن دور إيجابي فلا تترك سبيلا ولا وسيلة شرعية إلا وسلكتها لأن الخطب عظيم والمسئولية كبيرة؛ فلا مجال للتقاعس ولا للتدثر بشهوات الدنيا والتلهي بها، ولا مجال لأن يكون أحدنا في موقف المتفرج الناقد المثبط فقط؛ بل يجب أن يكون لاعبا أساسيا له دور إيجابي وواضح في حمل الأمانة فالكل في حاجة إلى ربه، ولنا في رسولنا الأسوة الحسنة؛ حين شارك النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه في بناء المسجد في بداية بناء الدولة الإسلامية الجديدة، ولم يكتف بموقعه القيادي ولا بقطع الشريط الحريري أو بالمشاهدة والمتابعة والتقييم لأدائهم فقط، بل غاص بعملية البناء كاملة، حتى دهش المسلمون من النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد علته غبرة، "فتقدم أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ليحمل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الحجر فقال: يا رسول الله أعطنيه؟ فقال: «اذهب فاحتمل غيره فإنك لست بأفقر إلى الله مني»" (السيرة النبوية للصلابي).

وكان التوجيه الثاني:

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}...

وربك فعظم، واجعل قصدك في إنذارك وجهه، فكل أحد، وكل شيء، وكل قيمة، وكل حقيقة صغير، والله وحده هو الكبير. فبهذا التصور، وبهذا الشعور، نستصغر كل كيد، وكل قوة، وكل عقبة ونستشعر أن الله عز وجل الذي دعانا لحمل هذه الأمانة والقيام بهذه النذارة، هو الكبير، فتهون مشاق المهمة وأهوالها وتثبت الأفئدة ولا تسعى إلا لرضا ربها ولا تلتفت إلى إرضاء غيره من البشر، فرضا الناس غاية لا تدرك، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".

وكذلك فالأمر في قوله تعالى: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) كما قال الألوسي في تفسيره: "يجوز أن يحمل على تكبير الصلاة" فنحتاج في ذلك أيضا إلى تكبير الله عز وجل بكثرة الصلاة، تأسيا بنبينا - صلى الله عليه وسلم- الذي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؛ بينما نفزع نحن حينما تتكاثر علينا المهام والمسئوليات والصعاب إلى القيل والقال وكثرة السؤال وترك نوافل الصلاة -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.

وكان التوجيه الثالث:

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}...

وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخلق والعمل، فالعرب تقول في وصف الرّجل بالصّدق والوفاء: (هو طاهر الثّياب)، وتقول لمن غدر (إنه لمدنس الثياب).

فالطهارة المنشودة بهذا ضرورية لحمل تلك الأمانة والمسئولية في وسط تلك التيارات والأهواء والمداخل والدروب؛ وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب، نحتاج إلى تلك الطهارة الكاملة كي نملك استنقاذ الملوثين دون أن نتلوث، وملابسة المدنسين من غير أن نتدنس؛ كي نعطي صورة حقيقية للدعوة الربانية والسياسة الشرعية التي تُبنى على الصدق والوضوح وحفظ العهد وصيانة الحرمات، لا السياسة الميكافيلية التي تُبنى على الخداع والغدر والتلون والحقد والحسد والكذب.

فطهارة القلب وصدق المنطق في هذا المعترك هو مضمار السبق الحقيقي. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

(صحيح الترغيب والترهيب)

 

وكان التوجيه الرابع

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}...

يحتمل أن يكون المراد بالرجز؛ الأصنام والأوثان، فهو بذلك توجيه إلى هجران الشرك والبراءة منه ومن أهله، فالعقيدة النقية هي السبيل إلى الإصلاح الحقيقي في المجتمع، فلا بد من صيانة التوحيد في الأمة والحفاظ على عقائد المسلمين وعدم تعريضهم للفتن، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ يقول في حال الفتن: "من استشرف لها استشرفته"، أي من عرض نفسه لها أهلكته.

ويحتمل أن المراد بالرجز؛ العمل القبيح المستقذر، والرجس من الأخلاق والعادات كما ذكر الألوسي في تفسيره: "..وقيل الرجز اسم للقبيح المستقذر والرجز فاهجر، كلام جامع في مكارم الأخلاق كأنه قيل اهجر الجفاء والسفه وكل شيء يقبح..". فهو بذلك توجيه إلى العفة والعفاف و ترك المعاصي والذنوب ومواطن الشبهات، وصدق على بن أبى طالب حين قال: "إيَّاكَ وما يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كان عِنْدَك اعْتِذَارُهُ فَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ نُكْرًا تُطِيقُ أَنْ تُسْمِعَهُ عُذْرًا"

 

وكان التوجيه الخامس:

{وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}...

توجيه إلى إنكار الذات وعدم المن بما يقدم من الجهد، أو استكثاره واستعظامه، لأن حمل هذه الأمانة وما يتطلب ذلك من جهد وتضحية وعناء من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه..." بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور بالله؛ شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه ... وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحق الشكر لله، لا المن والاستكثار" (تفسير الظلال).

فلا يمن أحدنا على الناس بما أسدى إليهم من النعم الدينية والدنيوية، فيستكثر بتلك المنة، و يرى لنفسه الفضل عليهم، بل إن الإحسان لا بد أن يكون متتابع مهما أمكننا ذلك مع نسيان الإحسان، و عدم انتظار العوض سواء كان ذلك ماديا أو معنويا، لأن طلب الأجر والعوض لا يستحق إلا أن يكون من الله عز وجل، ولنا القدوة في قول بشير بن سعد الخزرجي لإخوانه الأنصار في سقيفة بني ساعدة: "لئن كنا أُولِى فضيلة وجهاد وسابقة في الدين فما فعلنا ذلك إلا ابتغاء رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا .. لا نستطيل بذلك على الناس ولا نَبْتَغِي به عَرَضًا من الدنيا".

 

وكان التوجيه الأخير:

{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}...

وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف، لأن الصبر هو هذا الزاد الأصيل في هذه المعركة الشاقة، وهو مفتاح النصر في هذه المعركة المزدوجة مع شهوات النفوس وأهواء القلوب، ومع أعداء الرسالة وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصبر الذي يقصد فيه وجه الله، ويتجه به إليه احتسابا فيما عنده وحده، فمن عرف قدر مطلوبه هان عليه بذل مجهوده.

 

وخاتمة القول فهذه ستة توجيهات ربانية للمرحلة الحالية، نحتاجها لمواجهة ما يحيط بنا من تحديات ..

فهل من مستجيب؟

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً