الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

سلسلة سمات المنهج الإصلاحي -1

الشمولية - الإسلام منهج حياة...

سلسلة سمات المنهج الإصلاحي -1
محمد إبراهيم منصور
الأحد ٢٧ مارس ٢٠١٦ - ١٤:١٧ م
1886

سلسلة سمات المنهج الإصلاحي (1)

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الشمولية

والشمولية تعني أنه يعتني بكل المجالات على كل المستويات والفئات، لا يتحيز لمجال على مجال ولا لمستوى على مستوى ولا لفئة على فئة، ولا لقضية على أخرى. نعم هناك ترتيب للأولويات لكن ليس هناك إغفال لأي من هذه الأشياء.

فالمنهج الإصلاحي يضع من ضمن أولوياته الإصلاحية الإصلاح في مجال الاعتقاد، ومجال العبادة، ومجال الأخلاق والسلوك، ومجال الفكر ومجال المعاملات، ومجال الدعوة، ومجال الاصلاح الاجتماعي، ومجال الاصلاح الاقتصادي، ومجال الاصلاح السياسي.

المنهج الإصلاحي لا ينحاز لفئة على فئة بل يتعامل في رؤيته الإصلاحية مع الأطفال كما يتعامل مع الشباب، ويتعامل مع المرأة كما يتعامل مع الرجل، ويولي اهتماما للفقراء كما أنه يشمل في رؤيته التعامل مع الأغنياء. يتعامل مع كل فئات المجتمع وطبقاته.

ونذكر بعض الأمثلة، وبالمثال يتضح المقال:

في مجال إصلاح العقيدة، وما يمكن أن يطرأ عليها من خلل نجد النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو في حالة حرب يمر هو وأصحابه على قوم لهم شجرة يعلقون عليها سيوفهم تبركا، يقال لها ذات أنواط، فيقولون له: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لقد قلتم كالذي قال بنو إسرائيل لموسى: "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة".

بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينتظر حتى يحدث الخلل، فنبه على أصول الاعتقاد ولوازمه، ولم يفرق في هذا بين صغير وكبير، فها هو يقول لابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

وها هو يقول لمعاذ: "هل تدري ما حق الله على عباده؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً"، ثم سار ساعة ثم قال: "يا معاذ بن جبل!"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق العباد على الله ألا يعذبهم".

وفي مجال العبادة: ينبه النبي - صلى الله عليه وسلم- على ما يمكن أن يكون من خلل في حينه، فيقول للمسيء صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل ثم يعلمه كيفية الصلاة.

وفي مجال الأخلاق والسلوك: نجده يعلم الصحابة كيف تكون الأخلاق العالية السامية، فيقول - صلى الله عليه وسلم-: "ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه". ويقول - صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الله". ويقول - صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله".

وفي مجال المعاملات الاقتصادية: يمر بالسوق فيجد طعاما يباع فيضع يده في باطنه فيجد البلل فيقول - صلى الله عليه وسلم- "من غشَّ فليس منا". ويأتيه بلال بتمر جنيب، يعني: جيد، فيقول - صلى الله عليه وسلم-: "أكل تمر خيبر هكذا؟". فقال له بعت الصاع بالصاعين فقال - صلى الله عليه وسلم-: "عين الربا" رده وبع الجمع (الرديء) بالدراهم وابتع بالدراهم.

وهذه صورة من صور ربا الفضل (أن يبيع مطعوما بجنسه وأحدهما أكثر من الآخر) ولهذا نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم- عنها.

وفي مجال السياسة والإصلاح السياسي: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". ويقول - صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم إمام عادل". ويقول - صلى الله عليه وسلم-: "من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين، فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم احتجب الله دون حاجته".

وفي مجال القضاء: يقول الله عز وجل: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. ويبين النبي - صلى الله عليه وسلم- أن أساس العدل هو القضاء بحكم الله عز وجل فيقول - صلى الله عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار".

وفى مجال السلم والحرب: يقول الله عز وجل: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}. ويقول ﷻ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا تقتلوا طفلا ولا امرأة". ويقول: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة".

الإسلام منهج حياة

عن سلمان رضى الله عنه أن المشركين أتوه متسائلين بسخرية واستهزاء قائلين: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. فقال: "أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم".

نأخذ من هذا الحديث ثلاث فوائد:

الفائدة الأولي: أن منهج التشكيك في الإسلام وثوابته وقضاياه وأحكامه منهج واحد على مر الدهور من أول ظهور الإسلام إلى اليوم بنفس الطريقة، هو التركيز على قضية واحدة بالتشكيك حتى إذا وصل لتشكيك المسلم فيها توصل بذلك إلى التشكيك في غيرها، حتى وصل الأمر بكثير من الشباب في ذلك إلى الانحلال ثم الإلحاد. فقد ركز المشركون هنا على قضية واحدة؛ على قضية أحكام الخلاء وسموها باسم منفر، كأنهم يقولون: "هل يستحق الخلاء كل هذا الاهتمام حتى يفرده نبيكم - صلى الله عليه وسلم- بهذه الأحكام.

الفائدة الثانية:

هي كيفية التعامل مع مثل هؤلاء المشككين:

أولا: نتثبت هل ورد هذا في القرآن، هل قال النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا، هل هذا الحكم ثابت، وإن لم نفهم الحكمة منه ففهم الحكمة أمر زائد (يزيد الإيمان بهذا الحكم فإن جهلنا الحكمة فلا يعني هذا أن الحكم غير ثابت بل نتهم أنفسنا ولا نتهم ديننا).

ثانيا: إذا ثبت الحكم رفعنا به رؤوسنا ولم نخجل ولم نتخاذل ولم نهرب، بل نفعل كما فعل سلمان إذ قال: أجل. لم يقل إن هذا الحكم كان خاصا بالبدو، أو خاصا بقوم يجهلون هذه الأمور وليس عاما، أو خاصا بزمن دون زمن، وإنما قال أجل ثم أخذ يعدد لهم أحكام آداب الخلاء وتفاصيلها ليرغم أنوفهم ويقطع طمعهم.

الفائدة الثالثة:

وهي المقصودة هنا وهي أن الإسلام الذي اعتنى بالخلاء وآدابه وأولاه هذه العناية وأرسى له هذه الأحكام هل يعقل أن يغفل البيع والشراء، هل يعقل أن يغفل السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والبيئة والمرأة والطفل والعلاقات الاجتماعية والسلم والحرب وغيرها بلا شك لا، والذي يطالع صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو أي كتاب من كتب السنة، يجد هذا الأمر واضحا جليا وهو أن الاسلام منهج حياة.

فجوامع السنة تبدأ بقضايا الاعتقاد ثم قضايا العبادات ثم تدخل مباشرة إلى قضايا المعاملات "البيوع والربا والصرف والحوالة والوكالة والكفالة والضمان والوصايا والمواريث والأيمان والنذور والأطعمة والأشربة والألبسة والزينة والزواج والطلاق والحضانة والإيلاء والظهار والجنايات والحدود والقصاص والشهادات والقضاء والسلم والحرب". وهذا يفسر سبب الهجوم الشديد على البخاري ومسلم لأنه بمجرد الاطلاع عليهما يهدم معبد العلمانية على أصوله لأنهما يثبتان أن الإسلام منهج حياة لأنه يتعامل مع كل مجالات الحياة، فيظل الإنسان في بيعه وشرائه يضع له الأصول والقواعد والأحكام التي إذا التزمها بلغ أعلى درجات الرقي والتقدم والسعادة والربح، وإذا جانبها كان مخالفا خاسرا في الدنيا والآخرة.

منهج يُظل الإنسان في حال صحته ومرضه، في أخذه وعطائه، في ذهابه ومجيئه، في شدته ورخائه، في فرحه وحزنه.

يضع له الإطار الذي يضمن سعادته وحياته الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

إن المطالع لكتب المذاهب الأربعة يتبين له لأول وهلة أن الإسلام منهج حياة، ومن هنا نعرف سبب الهجوم على المذاهب الأربعة وأئمتها، وعلى الأزهر الذي يدرسها ويحمل رايتها، والغرض من هذا الهجوم إبطال هذه القضية وزعزعتها في قلوب المسلمين، وليس الهجوم من أجل بعض الاجتهادات الضعيفة فهذا أمر لا خلاف على انكاره، وتنقية المذاهب منه، لكن هذا الهجوم الضاري لا يمكن أن يكون من أجل هذه الأقوال الضعيفة فقط، وإنما له مآرب أخرى خاصة إذا كانت ممن ينتسب إلى العلمانية أو كان متشيعا أو صاحب أفكار تناقض تلك القضية وهي قضية أن الإسلام منهج حياة.

أما المنهج الإصلاحي فهو المنهج الذي يؤمن حملته بهذه الكلية الكبيرة، وينطلق من خلالها إلى الإصلاح في جميع المجالات لا يهمل مجالا منها ولا يتغافل عن جانب من جوانبها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com