الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الذئاب الجائعة

ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه

الذئاب الجائعة
إيهاب شاهين
الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠١٦ - ١١:٤١ ص
1527

الذئاب الجائعة

كتبه/ إيهاب شاهين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قد يجعل الإنسان نفسه فريسة لذئب جائع وهو لا يشعر؛ فتكون هلكته؛ والذئب الجائع هنا ليس بمعناه الحسي، ولكن هذا مثال على أمور معنوية قد يتلبس بها الإنسان فيقع في الهلاك، هذا مثال حسي ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لبيان أمر معنوي، وكثيرا ما يستخدم النبي صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب ليحفر في قلب وعقل السامع ما يريد إيصاله، كما حدث ذات مرة و النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يسيرون في الطريق فوجد جديا أسك ميت فقال: "أيكم يشتري هذا بدرهم"، فقالوا: "يا رسول الله لو كان حياً ما اشتريناه -لأنه أسك- فكيف وهو ميت؟. فأراد أن يبين لهم حقارة الدنيا بمثال لا يفارق أذهانهم؛ فضرب مثلا حسيا، وفي هذا المثال الذي نذكره اليوم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".  في هذا الحديث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرين، الواحد منهما وحده كاف في هلاك المرء، فما بالك لو اجتمعا!، تماما لو أن هناك قطيعا من الغنم وغفل عنها أهلها، وكان يتربص بها ذئبان لهلك القطيع، فماذا والحال أن هذين الذئبين جائعين؟ فالنجاة منهما تكاد تكون معدومة، كذلك حرص المرء على المال والشرف قد يفسد عليه قلبه دينه، والحرص على المال نوعان الأول: أن يبذل المرء كل جهده وزهرة شبابه وعمره كله في تحصيل المال ولا هم له إلا ذلك، فهو يعيش لكي يأكل، وانقلبت عنده الموازين لأن الأصل أن الإنسان في هذه الدنيا يأكل لكي يعيش من أجل الغاية التي خلق لها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. فترى هذا المسكين لا هم له في الحياة إلا جمع المال، ويتعب جسده ولا يحصل علي راحة قلبه. قيل لأحد الحكماء: إن فلانا جمع مالا كثيرا، فقال: "هل جمع أياما لينفقه فيها؟، قيل: لا، فقال: "ما جمع شيئا"، وليس هذا الكلام معناه أن الإنسان لا يجمع مالا؛ بل الذم في ذلك أن يلهيه عن حياته الحقيقية.

 النوع الثاني من الحرص على المال: هو أن يبذل جهده كله في تحصيل المال؛ ولكن من أي طريق لاح له، أخذه من حلال أو من حرام، وهذا مدعاة ليضيع العمر مع منع الحقوق الواجبة؛ لأن ذلك يدعوه إلى البخل، وهذا من المهلكات، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. بمفهوم المخالفة من لم يكن كذلك فهو من الخاسرين، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: "اتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا"، قال طائفة من العلماء: "الشح هو الحرصُ الشديد الذي يحملُ صاحبه على أن يأخذ الأشياء من غير حلها ويمنعها من حقوقها".

 أما الحرص على الشرف فهو نوعان أيضا: الأول منهما، أن يحرص الإنسان على الشرف بطلب الرياسة والولاية والمال، فهو يحرص على أن ينال ولاية أو رياسة؛ ليكون له مكانة رفيعة بين الناس، لا ليخدم دينه ووطنه؛ بل لخدمة نفسه ورغباته، وهذا خطر جدًا، وهو الغالب، وهو يمنع خير الآخرة وشرفها وكرامتها وعزها. قال الله تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. وقد نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة"، وعن أبي موسى الأشعري : "أن رجلين قالا للنبي: "يا رسول الله أَمّرنا!" فقال: "إنا لا نوّلي هذا من سأله ولا من حرص عليه"، وقد قال بعض العلماء من حرص علي الولاية لا يعدل فيها، وأسوأ من ذلك من يطلب الرياسة والولاية ليرى حاجة الناس إليه ويشعر بالسرور في ذلك، الأمر عندما يرى اضطرار الناس إليه، وهذه منازعة لصفة من صفات الرب جل وعلا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.

النوع الثاني: من الحرص علي الشرف أن يطلبه بالأمور الدينية، يطلب وجاهة عند الخلق بعلمه أو قرآنه، وهذا مهلك ومحبط للعمل والعياذ بالله، يقول النبي صلي الله عليه وسلم:  "إن أول الخلق تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، منهم: العالم الذي قرأ القرآن ليقال قارئ، وتعلم العلم ليقال عالم، وأنه يقال له "قد قيل ذلك"، و أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار". كذلك يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من تعلّم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"، يقول ابن مسعود: "لا تتعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، أو لتجادلوا به الفقهاء، أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم و فعلكم ما عند الله، فإنه يبقى ويفنى ما سواه". فالعاقل من حرص على نجاة نفسه من الذئاب الضارية. نجانا الله وإياكم من كل مكروه وسوء، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة