الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

بلادنا في مفترق طرق!

الصدق والإخلاص واليقين بالأخرة وكمال التوكل على الله يخرجنا الله به من الظلمات إلى النور

بلادنا في مفترق طرق!
ياسر برهامي
السبت ٢٣ أبريل ٢٠١٦ - ١٤:١٨ م
1693

بلادنا في مفترق طرق!

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زال خطر الانقسام والفوضى جاثمًا.

ما زال أمل الكثيرين في الهدم والتخريب قائمًا.

ما زالتْ طوائف منا تتصرف حسب أجندتها الخاصة؛ لا تعبأ بآلام الضعفاء!

لا تزال كثير مِن المشاكل تأخذ طريق التعقيد مع أن طريق الحل سهل وواضح وميسور!

لا تزال توافقات -أو قلْ: تحالفات- الإخوة متباينة الأفكار، والمناهج والأهداف، تجتمع في الخطوة التكتيكية التي هي الهدم، والكل يحلم بأنه سوف يبنيها على نظافة -كما يتوهم-، مع تناقضهم وبقاء كل واحد منهم، لكن كل منهم يتصور أنه سيتخلص مِن رفقاء اليوم كما فعل سابقه عبْر التاريخ؛ كل منهم يريد أن يبنيها بعد الخراب على طريقته! منهم مَن يريدها ليبرالية غربية، ومنهم مَن يريدها إسلامية ثورية في وجه الطواغيت والمجتمع الجاهلي -كما يظن-، ومنهم مَن يريدها اشتراكية ثورية، والكل يحلم حلمه الخاص ليعيش به في غيبوبة تعمي عليه حقائق التاريخ التي هي سنن الله الكونية بعد سننه الشرعية.

إن نفق الدماء المظلم مسدود، وإن الخروج منه لا يكون بأحلام كل واحد، وإن ما يُهدم لا يُبنَى كما كان، حتى ولو كان البناء الأصلي معيبًا ضيقًا سيئًا، بل ربما صار في المستقبل حلمًا لا يُنال.

ونحن لم نكن يومًا دعاة هدم رغم الفاسد والظلم الذي تعرضنا له، لكن لا يمكن أن نعالجه بظلم أشد ينال الملايين الذين لا نجد أمامنا شيئًا نقدِّمه لهم، كما نعجز اليوم عن ملايين العراق وسوريا الذين لم يجد أطفالهم حلاً إلا أن يقبِّلوا "قَدَم البابا!" لينقذهم -وما هو بفاعل-، لكن مع ذلك لا بد لنا أن ننصح ونذكِّر بضرورة تجنب أسباب الخراب المتكررة عبْر الأنظمة المتتابعة؛ يُلدغ الناس مِن نفس الجحر مرات، ولا يتعظون بمن سبقهم!

نقول: نحن نرفض الفوضى والتدمير، ونحذر مِن سفك الدماء وانتهاك الحرمات، وفي نفس الوقت نقول لمن تحملوا المسئولية: لا بد مِن علاج حقيقي لنقاط هي أسباب السقوط في كل مرة، ولا يكفي الاعتراف بوجود الخلل، بل لا بد مِن معالجة قبْل فوات الأوان.

وهذه النقاط هي:

الأمر الأول: الظلم والاعتداء على الأبرياء، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والعدل البطيء ظلم سريع، وانتهاك حقوق البشر محرَّم في: "الشرع، وفي الدستور، وفي القانون، وفي المواثيق الدولية"؛ فإلى متى ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقول: لا نستطيع العلاج؟!

نعم، هي مسئوليات مشتركة بيْن القضاء، والسلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، لكن لا بد مِن حل، ربما دعوة مظلوم لم يرتكب جرمًا، ولم يفكِّر في هدم وطنه، ولا محاربة مجتمعه؛ ربما كانت سببًا في الخراب.

الأمر الثاني: التفاوت الاجتماعي الهائل بيْن الفقر المُنسِي الذي يعاني منه الملايين "وعشرات الملايين"، والغنى المطغي الذي يعضده الفساد الضاغط المسيطر العميق؛ فلا يمكن أن يحصل استقرار مع هذا التفاوت المجتمعي، ولا أن ننعم بالأمن، ولا يجوز أن يدفع الفقراء فاتورة المرحلة الانتقالية التي نخشى أن تكون انتقالاً للأسوأ الذي لا يُبقي غنيًّا ولا فقيرًا؛ فإن انهيار البناء المتصدع سيكون على الجميع، وأبناؤنا في المقدمة.

الأمر الثالث: لا بد مِن إنهاء الاستقطاب الحاد والصراع القاتل داخل المجتمع.

لا بد مِن هدوء النبرة.

لا بد مِن صدق الكلمة.

لا بد مِن تأخير المصالح الشخصية والطائفية لصالح المصلحة العامة.

والكل لا بد أن يتنازل؛ ليتقارب، لنتعايش.

كلنا عندنا ما نُقدِّمه للتنازل.

ولنتقارب مع المخالفين، ولنتعايش مع اختلافنا لا بد أن يختفي الكبر والإصرار على المواقف التي ثبت خطؤها.

الأمر الرابع: اقتران رأس المال بالسياسة والتشريع لا بد وأن يجعل صاحبه يبحث عن نفسه وطائفته بأنانية ونرجسية، ويفتح للفساد أبوابًا لا تُغلق؛ فلا بد أن يعلم كل واحد أنه لا يمكنه أن يقوم بكل شيء، لا بد ألا تستحوذ طائفة على كل شيء، لا بد أن يتسع المكان للجميع، والعمل للجميع.

وفي النهاية نقول: الصدق والإخلاص واليقين بالآخرة، وكمال التوكل على الله يخرجنا الله به مِن الظلمات إلى النور.

اللهم ألـِّف بيْن قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واحفظ بلادنا آمنة مطمئنة رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة