الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إنسان كان ..

انتبه وسخر مرحلة القوة فيما أراده الله منك قبل أن يقارب العد التنازلي إلى أن ينتهي ويكتمل ويسدل الستار على إنسان كان

إنسان كان ..
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٢٦ أبريل ٢٠١٦ - ١١:٢٦ ص
1243

إنسان كان ..

 

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

عندما ينظر الإنسان في خلق نفسه يجد أنه عدة مركبات في منتهي الصعوبة، وعندما يمعن التفكر والنظر في نفسه تتأكد له حقيقة جلية؛ وهي: أنه خلق ضعيفا، خلق ضعيفا في نشأته، وعلمه، وتصرفه وإدراكه، وروحه ومشاعره، وكلما نضج الإنسان في علم من العلوم يظهر بوضوح وجلاء أمامه هذا الضعف، كل ذلك يقود الإنسان الضعيف إلى أنه يحتاج إلى قوة تحميه، ويحتاج إلى من يلجأ إليه، لذلك وجب على كل إنسان أن يستحضر كيف كان؟ وكيف أصبح؟ وإلى أين يكون مصيره؟

في هذه السطور القليلة نحاول أن نقف على بعض إجابات هذه الأسئلة.

كيف كان الإنسان؟ كان عدما محضا لا شيء، ثم خلقه الله تعالى وامتن عليه بذلك، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾. وقال الله تعالى في معرض امتنانه على الخلق بأن خلقهم من عدم: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾. ثم خلقه الله تعالى من نطفة ماء مهين، قال تعالى: ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾.

كانت البداية خليةٌ واحدةٌ فقط في بطنِ الأم، وجودٌ عاجزٌ ومحتاجٌ إلى حماية، أصغرُ من حُبَيبةِ ملحٍ واحدة. بعد فترة انقسَمَتْ هذهِ الخليةُ وأصبحتِ اثنتَين، ثمَ انقسمت مرةً أخرى وأصبحت أربعَ خلايا، ثم ثماني، ثم ستَ عشرة. استمرتِ الخلايا بالتكاثر، ثم ظهرتْ أولا قطعةُ لحم، ثم أخذت قطعةُ اللحم هذه شكلا وأصبحت لها يدانِ ورِجلانِ وعينان، فالخليةُ الأولى كبُرت مئةَ مليارِ ضِعف، وأخذت وزنا بستةِ مليارِ ضِعف. فالتي كانت قطرةَ ماءٍ فقط في السابق، أجرى اللهُ تعالى فيها معجزاتٍ عدة، فخلقَ منها الإنسانَ الذي يقرأ هذه الكلمات. ثم انظر إلى قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

هل فكر الإنسان بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب؟ فالحياة بدون الله سراب وضياع وتخبط. هكذا كان الإنسان هذا المخلوق الضعيف هذه خلقته.

ثم كيف أصبح؟ خرج إلى الدنيا من بطن أمه لا يعلم شيئا بمعارف الحياة ودروبها. ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾. ليس له إرادة ولا قدرة إلا أنه يصرخ ليلتقط ثدي أمه حين يجوع، ضعيف لا يقوى على الحركة، لا يقوى على الجلوس، لا يقوى عن التعبير عما يريد إلا بالصراخ، ضعف فوق ضعف، وشيئا فشيئا تتكون لدى الإنسان إرادة ومشيئة، وحب تملك وإدراكات جديدة، يتعرف على من حوله يعرف أمه وأباه وإخوته يبتدئ لسانه بالنطق على ضعف، حركة يعتريها اصطدام وسقوط: ينتقل من ضعف إلى قوة، يشعر بقوته وأن له إرادة في تملك الأشياء، ويبكي إن أخذ أحد منه حاجاته، وهذا البكاء لأنه تولد بداخله إرادة جديدة: وبدأ يكبر شيئا فشيئا وفي كل مرحلة، يتكون بداخله أشياء لا يدري عنها شيئا، أين كانت؟ وكيف تكونت؟ من حواس وشعور وأجهزة بداخله تنمو، وهو ضعيف العقل عن إدراك مثل هذه الأمور، ثم يكبر وهو في مرحلة القوة هذه، يستشعر بأنه أقوى المخلوقات وأذكاها، مع أنه لا يستطيع أن يجزم بشيء في مستقبله، ولا أمهر الأطباء يستطيع لأن يتنبأ له بشيء من مرضه أو تغيرات بداخله فهو ضعيف جدا، فبدلا من أن يبحث ويسأل عن القوي القدير الذي أوجده ويخضع له ويتعرف على عظمته، وكيف خلقه من عدم وأنشأه بهذه البنية المعقدة؟ صار يزعم أنه موجود بلا موجد، وأنه جاء بطريقة عشوائية إلى الدنيا. ما أضعف هذا المخلوق العجيب وما أضعف عقله.

وإلى أين يكون مصيره؟ ومنهم من يقر بوجود الإله القدير ثم هو يحاربه ولا يسير على هداه مع أنه خلقه وهو أدرى بما ينفعه وما يضره، وأمره ونهاه، ويسر له طرق معرفته والتوجه إليه، ولأن الإنسان ضعيف لا يدرك كثيرا من الأمور أرسل الله له رسلا يوضحون له ما يجهله، وركب فيه داخل نفسه أمورا لو تفكر فيها لأبصر الطريق الصحيح، البعض لم يُعر ذلك اهتماما، وأصبح يمشي بتكبر وعلو، وهو في حقيقته من أضعف المخلوقات التي حوله لو نظر إلى حجم السماوات والأرض والجبال وما يحدث من صواعق وبراكين وزلازل لعلم أنه أضعف ما يكون، لو فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه لسارع إلى مولاه، ثم هو هذا المسكين لا يدري، وهذا من ضعفه أيضا متى سينتهي أجله ولا كيف لو تفكر في نفسه حين ينام تسلب منه إرادته، ولا يتحكم فيها، ولو جاءه الموت ما هو بدافع له، لو تأمل الإنسان أن حياته بين ضعف وقوة، وعجز وقدرة، لعلم أنه يحتاج إلى ملجأ وإلى من يجبر ضعفه حتى يكمل حياته التي سرعان ما تنتهي، ويكملها فيما خلقت له، وهذا الذي يجب أن يكرس الإنسان الضعيف حياته من أجله. فهكذا يولد الإنسان ضعيفا، كيف يكون مصيره؟ يظل متجها إلى نهايته بعدد أنفاس تخرج منه كل يوم، وفي خضم هذا العد تسلب قوته شيئا فشيئا، فانتبه وسخر مرحلة القوة فيما أراده الله منك قبل أن يقارب العد التنازلي إلى أن ينتهي ويكتمل ويسدل الستار على إنسان كان، ويقبل على ربه الذي خلقه وأنشأه وأحياه وأماته. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً