الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الربانية

ربانية المنهج الإصلاحي

الربانية
محمد إبراهيم منصور
الأحد ٠١ مايو ٢٠١٦ - ١٢:٥٥ م
1664

الربانية

ربانية المنهج الإصلاحي

كتبه/ محمد إبراهيم منصور
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تعني انتسابه إلى الرب عز وجل في أصله ومصدره، وفي وسائله ومنهجه، وفي غاياته ومقصده.
فربانية الأصل والمصدر تكون بالرجوع إلى الوحي كتابا وسنة. قال الله عز وجل: ﴿تَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ وقال: "اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم" وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
فلا بد للمنهج الإصلاحي من الرجوع في أصله ومصدره الى الكتاب والسنة بفهم أعلم الناس بالكتاب والسنة وهم الخلفاء الراشدون والقرون الخيرية في الحديث الشريف «فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة».
لكن كيف يتحقق هذا وهناك مستجدات جديدة كل يوم بل كل لحظة؟ 
الجواب: لا بد أن نعلم أن الشرع جاء بنوعين من الأحكام:
أحكام تفصيلية: كأحكام الخمر والربا وتفاصيل المواريث. 
وأحكام عامة: تطبق على المستجدات، فيعرف حكمها بناء على هذه القواعد؛ كقاعدة "الأصل في المعاملات الحل ما لم تخالف نصا شرعيا أو قاعدة شرعية"، وكذلك قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، وقاعدة "لا ضرر ولا ضرار". 
يقول الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾. فأثبتت الآية منافع في الخمر والميسر لكنها أثبتت أن مفاسدهما أكبر من منافعهما، ومن أجل هذا كان التحريم.
ولذلك فكل مستحدث غلبت مفسدته على مصلحته منع من أجل هذا.
أما ربانية الوسيلة والمنهج: فإن الوسائل تأخذ حكم الغايات فإذا كانت الغايات شريفة فلابد للوسائل أن تكون كذلك؛ سواء كانت هذه الوسائل متعلقة بوسائل اصلاح الفرد والأسرة أو كانت وسائل متعلقة بإصلاح المجتمع أو كانت متعلقة بإصلاح نظم الحياة وسواء كانت هذه الوسائل دعوية أو اجتماعية أو سياسية.
وهنا نذكر مقارنة مختصرة بين بعض مبادئ السياسة الميكافيلية وما يقابلها من مبادئ السياسة الشرعية ليظهر جليا أن ربانية الوسيلة والمنهج فيها من الرفق والرحمة ما لا يعلمه الا الله.
ففي السياسية الميكافيلية فيما يتعلق بالفضائل والمبادئ والأخلاق فالأمير عند ميكافيلي ينبغي ألا يهتم بقضايا الأخلاق والمبادئ؛ كالعدل والظلم والخير والشر، فغاية الأمر النهائية التمكين لسلطانه والتعظيم لقوته، ولذا فعليه اللجوء إلى كل الوسائل التي تؤدي إلى هذا بغض النظر عن أخلاقياتها، ولو لجأ إلى الرذائل، والوفاء بالوعد عند ميكافيلي فقط إذا عاد عليه بالنفع فإن لم يكن وجب أن يكون غدارا.
أما في السياسة الشرعية فالأصل أنها سياسة مبادئ وأخلاق، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حالة حرب في بدر، يأتيه رجلان من المسلمين يريدان القتال معه لكنهما أخبراه أن المشركين اعترضوا طريقهما وأسروهما ولم يطلقوا سراحهما حتى أعطياهم العهد ألا يقاتلوهم مع المسلمين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقاتلوا معنا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم".
أما الرحمة في قاموس السياسة عند ميكافيلي فإنه يرى أنها تؤدي إلى الفوضى، وأنه يجب على الأمير أن يتسم بالقسوة، فالقسوة عنده أساس الملك لأن الناس في نظره شريرون لا يصلحهم إلا القسوة.
أما في السياسة الشرعية فإن عنوانها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، "الرحماء يرحمهم الرحمن"، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

أما ربانية الغاية والمقصد: فإن أصحاب المنهج الإصلاحي غايتهم الكبرى ابتغاء وجه الله والدار الأخرة، همهم عالية ونفوسهم كبيرة، وهكذا تجد ربانية الغاية والمقصد وابتغاء وجه الله عز وجل بكل عمل، سواء كان عمل دعوي أو اجتماعي أو سياسي لا يبتغى أصحاب هذا المنهج بعملهم جزاءً ولا شكورا، إنما يبتغون وجه الله والدار الأخرة.
فعلى الصعيد الدعوي قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا».
وفى الحديث: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم».
وعلى الصعيد الاجتماعي يقول الله عز وجل: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما﴾. 
وقال عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا﴾.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». وقال: «لأن أمشي في حاجة أخي حتى أثبتها له خير من أن اعتكف في مسجدي هذا شهرا»
وعلى الصعيد السياسي قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله وذكر منهم إمام عادل ...».
وقال: «من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلاهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلاه وفقره».

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com