الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

شهر رمضان مشروع حياة

أفلا نستطيع أن ننتصر على أنفسنا في معركة واحدة فقط؟

شهر رمضان مشروع حياة
زين العابدين كامل
الاثنين ٢٣ مايو ٢٠١٦ - ١٢:٤٧ م
2178

شهر رمضان مشروع حياة

 
كتبه/  زين العابدين كامل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد،
فبعد أيام قلائل نستقبل شهر رمضان المبارك، وهوشهر فضله الله تعالى على غيره من الشهور، فإن الله تعالى فضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، والقمر بين النجوم.

 واختص الله تعالى هذا الشهر بفضائل عظيمة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (البقرة:185)، وعن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنزلت صحف إبراهيم -عليه السلام- في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان" رواه أحمد.

وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).

وهو شهر التوبة والمغفرة والرحمة وتكفير الذنوب والسيئات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم، وفي صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال أيضاً: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: "وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" رواه الترمذي.

وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين ومردة الجان، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".

وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقب آيات الصيام: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" رواه أحمد.

وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حرم خيرها، قال تعالى: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر:3)، روى ابن ماجه عن أنس -رضي الله عنه- قال: "دخل رمضان"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم"، نعم من حُرم الرحمة في رمضان فهو المحروم، نعم من حُرم المغفرة فى رمضان فهو المحروم، نعم من حُرم العتق من النيران في رمضان فهو المحروم، نعم من حُرم الأجر والثواب في رمضان فهو المحروم، نعم من حُرم فضل ليلة القدر في رمضان فهو المحروم، وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن من حرم الفضل في رمضان لا يناله في غيره، ومن لم يغفر له في رمضان باعده الله في النار، وذلك لما "صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ، قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ"، قُلْتُ: "آمِينَ"، قَالَ: "وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ"، قُلْتُ: "آمِينَ"، فقَالَ: "وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ"، قُلْ: "آمِينَ"، فَقُلْتُ: "آمِينَ". (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني)

ومن عجب أن جبريل -عليه السلام- وهو ملك الوحي والرحمة يقول عن مسلم أدرك شهر رمضان ولم يغفر له باعده الله في النار، ولكن ينتفي العجب إذا تأملنا فضائل رمضان وتعرفنا خصائصه؛ فوجدناه شهر الرحمة والمغفرة، وأن وسائل المغفرة والرحمة من الطاعة والقربة متوفرة، ودواعيها ميسرة، والأعوان عليها كثيرون، وفي الوقت نفسه عوامل الشر محدودة، ومردة الشياطين مصفدة، ورحمة الله -تعالى- منزلة، ولله فيه عتقاء من النار في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة كلها، وأبواب النيران مغلقة كلها، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟!ومن لم يكن أهلاً للمغفرة في هذا الشهر ففي أي وقت سيكون أهلاً لها؟.

وقد كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية ويولونه أشد الاهتمام، ويستعدون لمقدمه فرحًا واستبشارًا بفضله، وفي الأثر أنه كان من دعائهم: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان".

وكان المسلمون يستقبلونه بقولهم: "اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد، وأعذنا فيه من الفتن".
فما أجمل التوبة في رمضان!!، ما أجمل الندم والتضرع في رمضان!!، لابد أن نجعل رمضان مشروع حياة، وهذه مرحلة من مراحله، فلو أكرم الله عبدًا وعمّه بمغفرته ورحمته في كل عام في شهر رمضان، فقد فاز هذا العبد فوزًا عظيمًا، تخيل لو أن الله تعالى أكرم عبدًا بالفوز في كل عام في رمضان بالرحمة والمغفرة وقيام ليلة القدر ونال أجرها وثوابها، والله يا له من فوز عظيم، فهيا بنا نبدأ من الآن، نبدأ بتوبة خالصة، ونية صادقة، وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، حيث قال: "وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين، أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه، ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، وخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم اقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت".

فتأمل قول الأم: "لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة "، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها"، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ فلابد من التخطيط والإعداد والاستعداد لمشروع رمضان، فهو مشروع الحياة الكبير، ولابد من العزيمة وعلو الهمة لنجاح هذا المشروع الكبير، لابد من السباق مع الريح في رمضان،عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل حين يدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة"،(أخرجه البخاري)، لابد أن نجعل رمضان شهر مقاطعة لوسائل الإعلام الفاسدة، التي تنشر الفجور والرذيلة في المجتمع، ولابد في رمضان من الضربة القاضية للنفس الأمارة بالسوء، لابد من فطامها عن الهوى وحب الراحة، لقد انتصر الأوائل في رمضان، انتصروا في غزوة بدر عام 2هـ، وفتحوا مكة في رمضان عام 8هـ، أما في سنة 13هـ استطاع المسلمون في شهر رمضان أن ينتصروا على الفرس في موقعة البويب بقيادة المثنى بن الحارثة، وفي عام 53هـ، في شهر رمضان فتح المسلمون جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط،،وذلك في عصر معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه، ثم كان فتح الأندلس في رمضان سنة 92هـ.

وفي رمضان سنة 658هـ حدثت الموقعة التي هزَّت العالم، موقعة عين جالوت، وفيها انتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، وكذلك حرب التحرير العظيمة التي حدثت في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973، فهذه بعض الانتصارات التي كانت في شهر رمضان.

أفلا نستطيع أن ننتصر على أنفسنا في معركة واحدة فقط؟. "الله المستعان"

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com