السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فَإِنِّي قَرِيبٌ

من أعظم من عرف قرب الله منه هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم

فَإِنِّي قَرِيبٌ
خالد آل رحيم
الأربعاء ٠١ يونيو ٢٠١٦ - ١١:٢٠ ص
1394

فَإِنِّي قَرِيبٌ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إجابة ربانية على سؤال سئل للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال له الصحابة رضي الله عنهم:

"أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟" فكانت الإجابة من الله تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

وقد حوى القرآن على أربعة عشر سؤالًا تبدأ كلها ﴿يسألونك﴾ فتكون الإجابة ﴿قُل﴾ وفي آية واحدة في سورة طه ﴿فَقُل﴾ إلا في هذه الآية لم يقل تعالى: (قل) وإنما قال: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

قال الأشقر: وما دام قريبا منا فإنه يسمع دعاء الداعي ويجيب ذلك الدعاء، وكما روى البخاري عن أبي موسي الأشعري قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبًا إنه معكم سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده".

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أُعطيت أمتى ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء؛ كان إذا بعث نبيا قال ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: ادعوني أستجب لكم ....." الحديث

يقول البقاعي: قال: (فَإِنِّي) دون (فقل إني)، فإنه لو أثبت (قل) لأوهم بعدًا، وليس المقام كذلك.

وقال القشيري: الذين يسألون عن الجبال وعن اليتامى وعن المحيض وعن الأهلة يجابون بالواسطة، وأما الذين يسألون عني فإني أرفع الوسائط بيني وبينهم".

وقرب المولى تعالى من العبد نعمة لا يدركها إلا من وُفق لذلك وعمل للتقرب منه تبارك وتعالى.

قال بكر المزني: من مثلك يا ابن آدم خلي بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت على ربك، وليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان.

ومن أعظم مواطن القرب من الله عندما يكون المسلم ساجدا بين يدي ربه تعالى،

كما في حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا في الدعاء".

ومن أعظم من عرف قرب الله منه هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ فهذا نوح عليه السلام لما علم كفر قومه وعلم قرب الله منه دعاه قائلاً:

﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ فكان الجواب ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾.

وهذا إبراهيم عليه السلام لما اجتمعوا عليه لتحريقه علم بقرب ربه منه فقال:

(حسبنا الله ونعم الوكيل) فكانت الإجابة ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.

وهذا يونس عليه السلام لما ذهب مغاضبًا فالتقمه الحوت ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. وهو في تلك الظلمات الثلاث علم بقرب ربه منه فلجأ إليه قائلًا: ﴿أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾. فكانت الإجابة: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وأعظم الأنبياء الذين عرفوا قدر قرب المولى تعالى منهم هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يلجأ إليه في السراء والضراء، وفي الضيق والسعة وها هو - صلى الله عليه وسلم - لم يوم بدر يلجأ إليه يستنصره قائلًا: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني)، (اللهم هذه قريش بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني)، (اللهم إن شئت تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض). فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبه - صلى الله عليه وسلم - ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فكانت الإجابة.

﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾.

قال الطيبي: وذلك لأن الله يحب أن يُسأل من فضله فمن لم يسأل الله يُبغضه والمبغوض معضوب عليه لا محالة (انتهى).

فهذا نداء ونحن مقبلون على شهر كريم ذُكرت هذه الآية بعد الآيات التي تحدثت عن صيامه وهو شهر رمضان.

وكأن المولى تعالى يخبرنا أنه قريب منا وأقرب لنا في رمضان فما علينا إلا الانطراح بين يديه، والتذلل إليه، والسجود في محرابه، فسنجده قريبا كما أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم -

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا، اللهم آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة