الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

آن الأوان وحان الزمان

ليعلم العبد أن ترك الذنب أسهل من طلب التوبة

آن الأوان وحان الزمان
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٠٧ يونيو ٢٠١٦ - ١٢:٣٥ م
1605

آن الأوان وحان الزمان

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

قسم الله -عز وجل- الذنوب إلى ثلاثة أقسام: الكفر والكبائر والصغائر، حيث قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، وجعل القسم الأول منها الخطيئة الكبرى التي تحيط بصاحبها فيكون من أصحاب النار،  كما قال تعالى {بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

أما القسمان الآخران الكبائر والصغائر فقد بينهما الله -تعالى- حيث قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}، فقسمهما إلى كبائر وسيئات التي هي الصغائر كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}، وقد عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الأقسام الثلاثة بالذنب الأعظم، والكبيرة، والسيئة، التي هي دون الكبيرة، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ?" قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ"هذا في الشرك، وقال في الكبائر بلفظها، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ ثَلاثًا"، قَالُوا: "بَلى يا رَسُولَ اللهِ"، قَالَ: "الإِشْراكُ بِاللهِ وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ" وَجَلَسَ، وَكانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ: "أَلا وَقَوْلُ الزّورِ" قَالَ: "فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ".

القسم الأول منها من مات عليها فإن الله لم يغفر له، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، أما القسمان الآخران فمن مات عليهما فيدخل في قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر، وإن شاء عذب، ولأن رحمة الله -عز وجل- قد سبقت غضبه فقد شرع لعباده طاعات ومواسم وأيام من تعرض لها وقام بحقها غفر الله ذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكبائر"، مفهوم الحديث أن هذه الطاعات تكفر السيئات إذا اجتنبت الكبائر، وأما الكبائر فهي تحتاج إلى توبة خاصة" وهذا موافق لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيما}.

والسؤال هل هذا أمر متفق عليه أن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة حتى تكفر بالأعمال الصالحة؟، قبل الإجابة على هذا السؤال نحتاج أن نعرف ما هو حد الكبيرة؟، أو ما هو الفعل الذي إذا صدر من العبد يعد كبيرة؟، اختلف العلماء في ذلك على أقوال، فمن قائل أن الكبيرة هي: "ما لحق صاحبها بفعلها وعيد شديد من كتاب أو سنة"، ومن قائل "أنها كل ذنب أوجب الحد"، وقال آخرون: "أنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث أو اعتناء مرتكبها بالدين"، وقال بعضهم إنها "كل ما نص الكتاب على تحريمه"، ومنهم من قال: "إنه لا حد لحصرها يعرفه العباد، وإلا اقتحم الناس الصغائر واستباحوها".

وذهب بعض العلماء إلى تعريفها بالعد من غير ضبطها بحد، واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟" قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ" قال ابن عباس: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع"، وقال سعيد بن جبير: "هي إلى السبعمائة أقرب" يعني باعتبار أصناف أنواعها.

والغرض المقصود من ذلك معرفة خطورة هذه الكبائر كـ"الزنا وشرب الخمر والسحر والربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور وقول الزور والغيبة والنميمة والفطر في رمضان"، حتى يجتنبها العبد وليدرك أن الأمر ليس مجرد أن يقترف الكبيرة فيصلي أو يصوم أويعتمر أويحج، وأن هذه الكبائر تكفر هكذا دون توبة، فالأمر يحتاج إلى توبة كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، والآن جاء وقت الإجابة على السؤال، هل هذا الأمر متفق عليه بين العلماء، أم أن المسألة تحتمل الوجهين؟، الإجابة: فيها إجمال وتفصيل، فمن حيث الإجمال اختلف العلماء على قولين: قول أن هذه الطاعات مكفرات، والآخر أنها تحتاج إلى توبة مخصوصة.

ومنشأ الخلاف من مفهوم الأحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فأصحاب القول الأول قالوا: "إن منطوق الحديث يدل على أن كل الذنوب الكبيرة والصغيرة تكفر بالحج" وقال أصحاب القول الثاني: "إن هذا الحديث عام مخصوص بمثل حديث، الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكبائر"، هذا من حيث الإجمال، أما من حيث التفصيل سنجد أن هذه الكبائر إذا وقع العبد فيها فتتعلق بها عدة حقوق، حقوق متعلقة بالله تعالى وحقوق متعلقة بالعباد.

فالحقوق المتعلقة بالله تعالى فإذا فعل العبد من الطاعات المكفرات فيعفو الله –عزوجل- عن العبد في تأخيره التوبة، فإن كانت كبائر مثل: الإفطار في رمضان بغير عذر فيجب عليه قضاؤه، لأنه أصبح واجبًا، ومثل هذه الواجبات لا تسقط بالحج، أما ما كان متعلقًا بحقوق العباد فلابد من رد الحقوق إلى أهلها، فإن كانت مالية كدين عليه أكله ظلمًا وعدوانًا فلا يكفره الحج ولا بد من وفاء دينه.

وليكن معلومًا أن التوبة لا تكفر الذنوب التي فيها حقوق العباد؛ لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها، وعلى هذا فإن النصوص العامة التي فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب‏ كحديث الحج المتقدم، مخصوصة بالذنوب الصغيرة، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة، أما صاحب الكبيرة الذي مات عليها دون توبة فهو تحت مشيئة الله –تعالى- إن شاء عذبه وإن شاء غفرله.

فالأمر خطير يحتاج إلى توبة، خاصة ونحن مقبلون على موسم من أجل المواسم التي يمتن الله –تعالى- فيها بمغفرة ذنوب عباده، فهو يحب التوبة إليه –عزوجل- ويحب من تاب إليه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}.

وليعلم العبد أن ترك الذنب أسهل من طلب التوبة، ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، فعلق فعل الأمر على الاستطاعة، ولم يذكر ذلك في جانب المنهيات، لذلك قد آن الأوان وحان الزمان ووجب على الجميع التوبة النصوح، عسى الله أن يكفر عنا سيئاتنا، وهذا فيه نجاحنا وفلاحنا كما قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة