الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أسرار رمضان

الفائدة هنا؛ أن يُقبل الإنسان على هذه المواسم، ولا يستسلم لوساوس الشيطان أو النفس بالقنوط من رحمة الله فيها

من أسرار رمضان
ياسر عبد رب الرسول
الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦ - ١٠:٥٣ ص
1486

من أسرار رمضان

كتبه/ ياسر عبد رب الرسول

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم"... وذكر منهم:

"ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم" رواه البخاري ومسلم.

وهذا التشديد على الراجح بسبب انتهاك حرمات الله في وقت شريف وزمن فاضل، أقسم به الله {والعصر}، وتجتمع فيه ملائكة الليل والنهار.

فهل معنى ذلك العذر في اليمين الكاذبة في غيره من الأوقات؟ لا.

إنما المراد الاعتناء بمواسم عظمها الله ورسوله، وجعله سببا لتجديد الإيمان في القلوب، وإن لم تستوعب الدهر كله.

تخصيص مواسم معينة تجلها القلوب عندما تعلم تضاعف الثواب والعقاب فيها، هو الطريق الذي يعلمه الله لإصلاح هذه القلوب على الدوام.

"افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمّن روعاتكم" حسنه الألباني - السلسلة الصحيحة.

لذلك خص الله رمضان وبارك فيه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك" صححه الألباني - صحيح الجامع.

وخص العشر الأواخر منه: "كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله." رواه البخاري ومسلم.

وخص ليلة القدر: ﴿خير من ألف شهر﴾

 وخص العشر الأوائل من ذي الحجة: ﴿وليال عشر﴾، "ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام" رواه البخاري.

وخص يوم عرفة: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار، من يوم عرفة . وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة. فيقول: ما أراد هؤلاء؟" رواه مسلم.

وخص يوم النحر والذي يليه: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر" صححه الألباني - صحيح الجامع.

وخص يوم الجمعة: "خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة. فيه خلق آدم. وفيه أدخل الجنة. وفيه أخرج منها. ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" رواه مسلم.

وخص ساعته: "في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه" رواه البخاري ومسلم.

وخص الأشهر الحرم: ﴿فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.

فمع أن هذه المواسم لا تستوعب الزمان كله، لكن أثرها يمتد لإصلاح القلوب بأفضل طريقة لتظل عامرة بالإيمان.

وربما لا تمثل هذه المواسم نسبة كبيرة من زمن عمر الإنسان، لكن المداومة على تعظيمها لها أثر بالغ في استقامته "إن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل" رواه البخاري ومسلم.

وما كنا لنعلم كيف نصل إلى هذا الأثر في علاج القلوب لولا أن هدانا الله لهذه الطريقة في التزكية ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان﴾.

﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ﴾.

﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

فالفائدة هنا؛ أن يُقبل الإنسان على هذه المواسم، ولا يستسلم لوساوس الشيطان أو النفس بالقنوط من رحمة الله فيها بحجة أنه أسرف على نفسه من قبل، أو أنه يخشى الانتكاس بعد انقضائها..

فإن هذا تفويت لفرصة النجاة، وتفريط في الخير، وقطع للحبل بينه وبين الله، وربما من الله عليه بتوبة نصوح ينتفع بها بعد الموسم الفاضل إذا صدق مع الله، ولن يصل العبد أبدا بتدبيره وحوله إلى طريقة في إصلاح القلب أنفع من هذه الطريقة.

مع العلم أن هذه الطريقة في تعظيم شعائر الله، تستوجب التوبة من الذنب حال الإقبال على الطاعة في تلك المواسم والعزم على عدم العودة إليها، أما مع الإصرار على العودة إلى الذنوب بعد انتهاء الموسم فهذا من الاستهانة بالرب ودينه، فالإصرار بخلاف التكرار.

فيتوب، ويخشى أن يعود، ويرجو أن يستمر، ويأخذ بالأسباب، ويدعو الله.. فمن داوم طرق الباب يوشك أن يفتح له.

اللهم تب علينا توبة نصوحا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة