السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دلائل صدق المحبة

ليس المحب من يفرق بين ما أمر به الله و بين ما أمر به رسوله؛ بل هذا التفريق دلاله على زيف الادعاء بالمحبة

دلائل صدق المحبة
مصطفى خطاب
الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦ - ١٠:٥٤ ص
1345

دلائل صدق المحبة

كتبه/ مصطفى خطاب 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كثيرا ما نسمع دعاوى كثير من الناس بمحبة الله عز و جل، لكن السؤال الأصعب هو: هل كل من ادعى المحبة صادق فعلا في محبته؟
و ما علامات صدق المحبة؟
و للإجابة عن هذه الاسئلة لن نشرّق ونغرّب كثيرا، ولن نبحث عنها إلا في كلام من نحب..
يوضح المولى عز وجل الميزان الواضح الحقيقي للمحبة وصدق دعواها في كتابه العزيز في سورة آل عمران :
}
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{
ففي هذه الاية ذكر ضابطا و دليلا واحدا لصدق أي دعوى للمحبة، ألا وهو الاتباع؛
فحقيقة المحبة هي اتباع المحبوب في أوامره، والإمساك عما نهى عنه، ومن أظهرِ العلامات عليها الصدق في اتباع النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن من اتبع ما جاء به فإنه صادق في محبته، وليس مجرد الانتساب له دليل على المحبة؛ بل الأمر أشمل من ذلك؛ فكم من الناس في زماننا هذا ينتسبون إلى الإسلام وليس في قلوبهم توقير للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لسنته، بل على العكس تجدهم من محاربيها و منكريها بدعاوى وشبهات شتى، أثارها أعداء الإسلام والزنادقة، وأشربت بها قلوب هؤلاء المخذولين، بل وينطق بعضهم بالكفر الصراح وفي نفس الوقت يدّعي أنه ينصر الإسلام وأنه من دعاة التجديد والتنوير، بل هم أقرب للوقوع في الكفر و الزندقة.
يقول ابن كثير في تفسيره: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 
بل إن من فضل المولى عز وجل وحبه لمن أحبه أن جزاء تلك المحبة والاتباع ليس مجرد معاملة بالمثل، بل الله أكرم من ذلك وأوسع عطاءً؛ فكان من واسع فضله وعطائه لمن أحبه بصدق أن يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبة العبد إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِب .. إنما الشأن أن تُحَب، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
ورُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من أراد أن يحبه الله؛ فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء –قال:- ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه –قال:- فيبغضونه؛ ثم توضع له البغضاء في الأرض . 
ومن آثار المحبّة تطلّب القرب من المحبوب والاتّصال به واجتناب فراقه.

ومن آثارها محبة ما يسرّه ويرضيه، واجتناب ما يغضبه، فتعليق لزوم اتّباع الرسول على محبة الله تعالى؛ لأنّ الرسول دعا إلى ما يأمر الله به، وإلى إفراد الوجهة إليه، وذلك كمال المحبّة .
و قوله: (ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) أي: باتباعكم للرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته (تفسير ابن كثير).

وفي الحديث النبوى :
«
ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أنْ يكونَ الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يُحب المرءَ لا يحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» فكانت هذه الثلاثة من قبيل المحبّة؛ ولذلك جُعل عندها وجدان حلاوة الإيمان أي وجدانه جميلاً عند معتقِدِه .
و من أعظم دلائل محبة الله عز وجل لعباده أن يسر لهم سبل التوبة، بل وحثّهم عليها، كما قال تعالي {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{
بل زاد لهذه الأمة من الأسباب المعينة على التوبة والقرب منه عز وجل بأن جعل لهم شهر رمضان موسما سنويا للطاعة والتوبة يعينهم فيهم على طاعته؛ بأن تغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين التي تؤز العباد على المعصية، وفي المقابل فتحت أبواب الجنان وضوعفت لهم أجور الأعمال كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ومن عظم الأجر للصيام في رمضان أن جعل الأجر عليه عز وجل وحده ولم يعيّنه؛ وهذا يدل على عظم الأجر.
و كذلك أن غفر الله تعالى للصائمين والقائمين المحتسبين له في هذا الشهر، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) و قال أيضا: ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه(.
بل إن من أفضل العطاءات التي أعطاها الله للصائمين أن جعل خلوف أفواههم أطيب عنده من المسك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) وعليه فإن خلوف فم الصائم أفضل من رائحة دم الشهيد على ما له من الأجر.
بل من فضل الله على هذه الأمة أن جعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر؛ لما كانت أعمار هذه الأمة أقصر من الأمم السابقة؛ ضاعف لهم الأجر على القليل من أعمالهم وأعمارهم، حيث قال تعالي: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) {
فكل هذه الأسباب وغيرها يسّرها المولى عز وجل لعباده ليتوبوا إليه، وما ذاك إلا لمحبته لهم، ولذا كان من الدلائل على صدق محبة العبد لله وتحقيقه لتلك الدعوة بالمحبة أن يستقيم على صراط الله المستقيم، وأن يمتثل لأوامره، وأن يبتعد عما حرم، ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن رب العزة جل وعلا، فليس المحب من يفرق بين ما أمر به الله و بين ما أمر به رسوله؛ بل هذا التفريق دلاله على زيف الادعاء بالمحبة كما قال تعالي {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ... {.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة