الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف نفهم المراهقين -2

من فوائد حديث: (اغتنم خمساً قبل خمس)- من فوائد حديث: (اغتنم خمساً قبل خمس)- كيفية استخدام مصطلح المراهقة بصورة صحيحة...

كيف نفهم المراهقين -2
محمد إسماعيل المقدم
السبت ٠٩ يوليو ٢٠١٦ - ٠٠:٤١ ص
3107

كيف نفهم المراهقين [2]

محمد إسماعيل المقدم

الشباب مكمن الطاقة في عمر الإنسان، وتحتل فترة المراهقة مقتبل هذه الفترة، وهذه الفترة تمتاز بنمو هذا الطفل على جميع الأصعدة الجسدية والعضوية والعقلية والفكرية والاجتماعية والانفعالية، وهو نمو متسارع ملحوظ، ولسرعته يكاد المراهق لا يحسن التكيف معه، أو السيطرة على نفسه، ومن هنا يأتي دور البيئة التي تحيط به في كيفية توجيهه الوجهة الصحيحة، وتجنيبه مواضع الخطر والخطأ.

من فوائد حديث: (اغتنم خمساً قبل خمس)

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)، رواه الحاكم و البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الإمام أحمد في الزهد، و أبو نعيم في الحلية عن عمرو بن ميمون مرسلاً، ورمز له السيوطي بالحسن، وقال العراقي : إسناده حسن. وكان صلى الله عليه وسلم يقول ذلك لرجل وهو يعظه، أي: افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء أخرى تضادها. قوله: (حياتك قبل موتك) أي: اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك؛ فإن من مات انقطع عمله، فمن مات توقف عن أسباب النجاة، وفاته أمله، وحق ندمه، وتولى همه؛ فاقترض من نفسك لأجل نفسك ولمصلحتها فيما بعد الموت.. وقوله: (وصحتك قبل سقمك)، كما أن الحياة يعقبها الموت، كذلك الصحة يعقبها السقم، فهي عارية، أو ضيف زائل عما قريب، فاغتنم العمل حال صحتك قبل أن يمنع مانع المرض؛ فتقدم المعاد بغير زاد، ويحول المرض دون الاجتهاد في العمل، فما دمت في حالة الصحة والعافية فاغتنم هذه النعمة قبل أن تزول عنك؛ فإنها سرعان ما تزول، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). وقوله: (وفراغك قبل شغلك)، أي: اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر؛ فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان. وقوله: (وشبابك قبل هرمك)، أي: اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك؛ فتندم على ما فرطت في جنب الله. وقوله: (وغناك قبل فقرك)، أي: اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك، فتصير فقيراً في الدنيا والآخرة. هذه الأمور الخمسة التي نوه بذكرها النبي صلى الله عليه وسلم من خصائصها: أنه لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها، ولذلك عبر عنها بقوله: (اغتنم)؛ لأن الإنسان لا يشعر بقيمة هذه النعمة إلا بعد أن يفقدها، وبعد أن تولي عنه، ويصعب عليه أن يستدعيها من جديد، ولهذا جاء في الحديث: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). ونحن نركز بالذات على قوله عليه الصلاة والسلام: (حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك) لشدة لصوقه بموضوعنا، ففرصة الحياة فرصة ثمينة، وقيمة الوقت قد تكلمنا عنها من قبل مراراً، وسوف يسأل الإنسان عن وقته وحياته، كما جاء في الحديث: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه)، إلى آخر الحديث. وقد ورد كثير من كلام العلماء والشعراء في تمني عودة الشباب بعد زواله، كما قال الشاعر: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما صنع المشيب فاستعمل (ليت)؛ لأنها تستعمل في تمني المستحيل الذي لا يمكن إدراكه، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط، لشدة قصر فترة الشباب كان كشيء سقط دون أن يشعر به. وقال الشاعر الآخر مبيناً أيضاً سرعة مضي هذا الوقت وهذا العمر، وهو الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى، قال: وغلام قَرَب الساعة من أذنيه يسمع منها الطرقات قال ما بداخلها قلت سوسة تقرض أيام حياتي طفل صغير أخذ الساعة التي تصدر صوتاً معروفاً، فقرب الساعة من أذنيه ليسمع الطرقات المنتظمة التي تصدر من داخل الساعة، فسأل: ما الذي يصدر هذا الصوت من داخل الساعة؟ فقلت: سوسة تقرض أيام حياتي. فهكذا يمضي العمر ويولي. ويقول الشاعر الآخر: ما قلت للشباب في كنف الله ولا حفظه غداة استقلا ضيف أقام عندنا قليلاً سود الصحف بالذنوب وولى وتقول حفصة بنت سيرين رحمها الله تعالى: يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب. ففترة الشباب هي فترة القوة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فهي فترة العمل والاستقامة التي لها قيمة وأثر؛ لأن الإنسان إذا ولى شبابه ضعفت فيه دوافع الهوى والغرائز؛ وحينها فمن الطبيعي أنه يئوب إلى ربه سبحانه وتعالى ويستعد للقائه بالكف عن المعاصي، لكن ليس كفه ككف الذي يجاهد نفسه ويستقيم لوجه الله تبارك وتعالى. الشباب لهم وضع خاص في ميزان الإسلام، وفي شريعة الإسلام، وفي تاريخ الإسلام؛ فما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا شباباً؛ وأشار القرآن أيضاً لذلك في قوله تعالى عن أصحاب الكهف:  إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى  [الكهف:13]؛ وأيضاً قال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام إن قومه قالوا:  سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ  [الأنبياء:60]. ففي تاريخ الإسلام لا يرتبط الشباب كما يرتبط الآن في أذهان كثير من الناس بالتهور.. بالجهالة.. بالفواحش.. بالتفريط في جنب الله؛ وإنما ارتبط بتدعيم رسالة الإسلام؛ فمن الذي نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وأضاء جنبتي العالم كله بنور الإسلام والتوحيد؟ إنهم الشباب؛ نعم كان يوجد شيوخ وكهول في الجيش الإسلامي، بل حتى أحداث؛ لكن عمدة الجهاد كان على هؤلاء الشباب الذين نصروا دين الله تبارك وتعالى، فالشباب هو فترة العمل والإنجاز. ومن الخطأ أن نربط في أذهاننا كلمة الشباب أو المراهق بالمشاكل، فليس شرطاً أن ترتبط بالمشاكل، ونحن سنتعرض لمشاكل نعانيها بسبب أوضاعنا في هذا العصر تنشأ نتيجة سوء الفهم أو الجهل، وغير ذلك من الأسباب والظواهر التي تزحف علينا زحفاً وتجوس خلال ديارنا. الشباب هم الأعمدة التي أقيم عليها بناء الإسلام وبناء الدعوة كما ذكرنا عن أصحاب الكهف حيث كانوا شباباً، وعبر عنهم بالفتوة:  إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى  [الكهف:13]، وقال تعالى في إبراهيم:  قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ  [الأنبياء:60]، وقال تعالى فيمن استجابوا لموسى عليه السلام:  فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ  [يونس:83]، و أسامة بن زيد تولى إمارة الجيش وهو شاب في مقتبل شبابه. وبعض الناس يسوغون للشباب مخالفة الشرع والانحراف عن الدين، ثم يتوب فيما بعد! أخت تتحجب! يقولون: ما زلت شابة، دعيه لما تكبرين! إذاً: ما قيمة الحجاب؟ حينما تصير من القواعد اللاتي قال تعالى فيهن:  وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ  [النور:60]؛ فإذاً: قيمة العمل والاستقامة عند الله سبحانه وتعالى إنما تكون عند قوة الدوافع الداخلية في الإنسان التي تغلب مخالفة الشرع، ومع ذلك يستقيم ويجاهد هواه في ذات الله عز وجل. هذه بعض الفوائد المنتقاة من قوله عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).......

 

خصائص فترة المراهقة

 

 

 

نعود إلى موضوعنا الذي بدأناه وهو: كيف نفهم المراهقين؟ ......

 

كيفية استخدام مصطلح المراهقة بصورة صحيحة       

 

ونود قبل الاستطراد في هذا الموضوع أن نبين أن هناك منزلقاً تربوياً يقع فيه كثير من الناس عند الكلام على موضوع المراهقين، لسبب فرط الكتابة والكلام حول هذا الموضوع، فالمجتمعات المعاصرة أعطت انطباعاً مغلوطاً عن الدلالة النفسية لكلمة المراهقة، هذا الانطباع جعل هذه المرحلة عند كثير من الناس مرتبطة بحكم أخلاقي عند عموم الناس وعند معظم المراهقين. كلمة "مراهقة" عبارة عن حكم أخلاقي يحكم به على الشخص حتى صارت عند بعض الناس تعني الشطط في السلوك الخلقي والاجتماعي والديني؛ وكثيراً ما نجد المعلمين إذا أرادوا أن يعبروا عن عدم رضاهم عن سلوك فتىً من الفتيان يقولون: هذا مراهق، ويقصدون بذلك إعطاء هذا الانطباع عن جنوحه سلوكياً أو خلقياً أو دينياً. واستعمال الكلمة في هذا السياق عبارة عن إصدار حكم أخلاقي عليه، وهذا الاستعمال ليس استعمالاً علمياً؛ لأنه لا يعطي المدلول الحقيقي لكلمة المراهق؛ فإن فترة المراهقة تبدأ من سن الثانية عشرة إلى سن العشرين تزيد أو تنقص سنة أو سنتين، وهي عبارة عن قنطرة للعبور عليها من الطفولة إلى الرشد، وهذه الفترة لها مميزات خاصة، وقد يكون لها مشاكل خاصة. وإذا كانت الولادة هي تاريخ بداية الطفل فإن المراهقة هي نوع جديد من الميلاد، فهي ميلاد الرجولة عند الفتى، وتظهر خصائص هذا الميلاد في نموه في عدة مجالات، وفي التغييرات الجسمية والنفسية والانفعالية والاجتماعية والفكرية. إذاً: كلمة المراهقة ليست سبة، وليست تعبيراً عن انحراف أو شذوذ في السلوك أو الخلق، بل هي عبارة عن مصطلح علمي يقصد به التعبير عن هذه المرحلة المتميزة بخصائص معينة كما ذكرنا. إذاً: هي اصطلاح علمي يختص بفترة من العمر، وليست حكماً أخلاقياً على نوعية معينة من السلوك، فهذا أول ما ينبغي الالتفات إليه ونحن نناقش هذا الموضوع. كثير من الآباء يتساءلون: من هو المراهق؟ ما هو عالمه؟ ما الذي يحدث للمراهقين ليحصل هذا التغير الملفت في هيئاتهم وتصرفاتهم وطبيعة علاقاتهم؟ ولماذا لا ينقاد المراهقون الانقياد التام المعتاد للكبار؟ لماذا تكثر الخلافات والمشكلات بين المراهقين والكبار؟ ما الأسباب الخفية وراء شيوع الانحراف وارتكاب الشذوذ في كثير من أفراد هذه الفئة في المجتمع؟ هذه الأسئلة وغيرها -كما أشرت من قبل- لا نقصد بها أساساً هذه الفئة من الذين يتواردون على المساجد، فإن هذه الفئة أقل الفئات من ناحية هذه الانحرافات أو المشاكل، وكلامنا موجه لكل من ينتمي إلى الإسلام فيشمل المقصرين والجانحين خلقياً أو سلوكياً من أبناء المسلمين، ما دام المراهق في دائرة الإسلام فهو يخصنا، ويهمنا أن ننقذه مما هو فيه. ثم لا يمكن أن نجد أجوبة صحيحة على هذه الأسئلة كلها إلا إذا عرفنا من هو المراهق، وما خصائصه الجسدية والعقلية والانفعالية، ونموه الاجتماعي؟

 

 

 

 

الخصائص الجسدية للمراهق   

 

فيما يتعلق بالنمو الجسدي للمراهق هناك مجموعة من الأسئلة تلفت النظر في هذه المرحلة: ما الذي يدعو المراهقين إلى استعراض ما لديهم من قوة، ولفت الأنظار إليهم أحياناً؟ ولماذا يسعى الكثير منهم أحياناً إلى اقتناء المجلات غير المحافظة، أو متابعة المسلسلات الغرامية أو البوليسية مثلاً؟ ولماذا يقومون بالمراسلات والمهاتفات والمعاكسات؟ ولماذا يصاب المراهق بالارتباك وعدم التوازن أمام الكبار؟ وما الذي يجعله يسرح ويحلم كثيراً في حالة اليقظة؟ ولماذا تسيطر عليه أحلام اليقظة؟ ولماذا تحاول الفتاة أو الفتى أحياناً التخفي بجسمه أو ببعض أعضاء جسمه عن الكبار؟ ما أسباب العزلة والانزواء والقلق والشك الذي ينتاب المراهق بشأن جسده؟ وكيف نفهم هذه الأسئلة وهذه الاستفسارات العديدة؟ جوابها: أن المراهق يعيش تحولاً عضوياً وجسدياً، حيث يحصل له نمو مفاجئ في جسده لا يعي الكبار عنه إلا القليل، ومن ثم فإنهم لا يحسنون التعامل مع المراهق والمراهقة، ولا يجيدون بناء العلاقة معه؛ مما يؤدي إلى كثير من الأخطاء التربوية والتوجيهية والعلاجية عند معايشة المراهقين والاحتكاك بهم، فجسد المراهق يواجه عملية تحول كامل في وزنه وحجمه وشكله وفي الأنسجة والأجهزة الداخلية، وفي الهيكل والأعضاء الخارجية، ويعد هذا التحول ميزة لمرحلة المراهقة ومن أبرز معالمها. النمو في المراحل السابقة بالنسبة للطفل كان مطرداً ومتدرجاً وبطيئاً باستثناء المرحلة المبكرة جداً في حياة الطفل، والفترة التي قبل المراهقة يكون نموه فيها بطيئاً لا يكاد يشعر به. أما في مرحلة المراهقة فإن الفرد يحس بالتغير العضوي السريع المتتابع على كل صعيد، ويكون مفاجئاً لم يعهد من قبل، ولذلك فإن من المهم جداً الانتباه للتعليقات التي تصدر في هذه المرحلة، فنجد الأقارب تتفاوت ردود أفعالهم حينما يفاجئون بالمراهق إذا لم يأت إليهم منذ مدة كبيرة؛ فيرى هذا الفتى وقد تضخم جسمه، وفتلت عضلاته، واتسع هيكله العظمي فتصدر التعليقات، وهذه التعليقات قد يكون لها أثر سيئ جداً، وقد يكون لها أثر حسن حسب انضباط هذا الشخص الذي يعلق. فمثل هذه التعليقات والمواقف قد تؤثر عليه سلباً أو إيجاباً. وهذا أمر يشهده ويتعجب له الراشدون من الكبار عندما يفاجئون بالطفل وقد بدا طويل القامة، مفتول الساعدين، عليه سمات الرجال، وكذلك بالنسبة للفتاة تبدأ تظهر الانفعالات والتعقيبات والتعليقات على هذا الوضع المفاجئ الذي يرونه. ترى الراشد عندما يرى ذلك المراهق بعد انقطاع يكيله بكلمات التعجب والاستغراب، ربما بعضهم يتعجب ويستغرب، والبعض الآخر ربما تصدر منه عبارات السخرية والاحتقار، يقول لك مثلاً: طفل الأمس أضحى كبيراً! أو ربما تصدر عبارات الفخر والاعتزاز بهذا الوضع الجديد، وهذا أحسن ما يكون من الردود، وهذا يرجع إلى اتجاهات الأسر ووعيها، مما يثير كل هذه الانفعالات أو الردود التي تشير إلى أنه قد كبر وتغير في وقت محدود وسرعة ملفتة. وترى الآباء والأمهات يهمزون أو يلمزون أبناءهم وبناتهم لما بدا من تغير أجسادهم وأشكالهم، سواء كانت البدانة أو طول الساقين وضخامة القدمين والكفين، فتحدث التنبيهات أو التعليقات أو المداعبات المشوبة بالاستغراب، وأحياناً بالسخرية والاحتقار. خلاصة الكلام: أن هذه كلها تعكس شعور هؤلاء الكبار بسرعة التغير والتحول عن الطفولة القاصرة المحدودة إلى السمات المؤذنة بالاكتمال والاستواء. وزن المراهق في هذه المرحلة يزداد زيادة ملحوظة جداً، وبصورة ملفتة مع وجود بعض الفروق بين الفتيان والفتيات، فيتجه الجسم إلى البدانة، ويقترن بزيادة الوزن النمو السريع والملفت في العظام والأنسجة العضلية، حيث تطول الساقان والذراعان، ويكبر حجم الكتفين والقدمين، ويكبر الرأس، أما في داخل الجسم فتبدأ بعض الغدد في إفراز هرمونات خاصة، أما الهيئة العامة فسوف تتحول إلى ملامح الرجولة والخصائص الثانوية، إلى آخره. إذاً: الشكل العام يتغير بالنسبة للبنات أو بالنسبة للفتيان بصورة ملفتة، ويتجه كل منهما في اتجاه معاكس للآخر تماماً في الغالب، ثم ينفرد كل نوع بتغيرات جسمية تخصه لا يشاركه فيها الآخر.

 

 

 

 

مميزات الخصائص الجسدية للمراهق   

 

تتميز بعض هذه التغيرات العضوية أو الجسمية بأنها ترتبط أحياناً بالمضايقة الشديدة من قبل المراهقين أو المراهقات، وقد تشعرهم بالإحراج وبالخجل، كظهور حب الشباب الذي يوجد في الوجه وغير ذلك من الأشياء، أيضاً عدم التناسب بين الأجزاء المختلفة للجسم؛ لأنه ليس في وقت واحد يتناسخ الجسم كله، فقد ينمو نمواً سريعاً فتظهر الحنجرة بصورة معينة مثلاً، وتختلف أبعاد العظام، والجسم لم يعتد التكيف مع الأبعاد الجديدة، فبالتالي يكثر جداً التعثر مثلاً، وتكثر التعليقات أيضاً ممن يحيطون به، لذلك يسمونها بفترة الارتباك، أو سن الارتباك، حيث يكثر تعثره واصطدامه بالآفات.. ويكثر سقوط الأشياء من بين يديه، ويزداد شعوره بالحرج نتيجة هذه الأشياء، والسبب هو هذه الطفرة في النمو، ونقص اتفاق الجسم، واختلاف أبعاد الجسم، وأنه محتاج الآن إلى أن يتعلم حسن استخدام أعضاء الجسم بهذه الأبعاد الجديدة، فهذا يكون وراء ظاهرة التعثر في البداية. ملامح الوجه تظهر بصورة غير متناسقة.. كذلك الجسم غير متناسب حينما تقارن الأطراف بالجذع، ويحصل الاختلال الحركي، ويفقدون الاتزان في المشي والجري وحمل الأشياء والعمل اليدوي. هناك تغييرات داخلية سواء تتعلق بانخفاض نبض القلب، وارتفاع ضغط الدم تدريجياً، واستهلاك الجسم للأوكسجين، وبالتالي يشعر بالإرهاق وبالجهد وبالتعب، ويرغب في الراحة، ويكون شديد الحساسية جداً لأي نقد يتعلق بشكله، أو بجسمه، أو لهذه الملامح الجديدة، سواء كان من ذويه أو زملائه ومدرسيه أو غيرهم. هذه التغيرات أكثرها يتصف بالجدة والسرعة والتزامن، وتكون ملحة ومستغربة لدى المراهق نفسه ولدى أهله ومجتمعه، وتقوم هذه التغيرات بتحويل الطفل إلى عالم جديد ووسط غريب عليه، كما أن التركيبة الاجتماعية والأسرية لا تقبل في الغالب هذه التحولات المفاجئة والسريعة بسهولة وعفوية. أما الجدة فالمقصود بها في هذه التغيرات: أن هذه التغيرات جديدة في نوعها لم يسبق له أن مر بها من قبل، كظهور اللحية والشارب وتغير الصوت وإفراز بعض الغدد، وهذه التغيرات تشعره بأن عليه أن يستعد لعهد جديد ومهمة مختلفة بقدر اختلاف حالته، وتحولات جسده. هذه التغيرات تحدث كلها في وقت متقارب وفترة محددة قد لا تتجاوز ثلاث سنوات، يتصاحب فيها نمو العظام والأنسجة وزيادة الطول والوزن، وظهور الشعر، وتغير الصوت، والتغيرات الأخرى، فالمطلوب أن يتكيف مع هذه الأوضاع تكيفاً صحيحاً، أو يعان على ذلك. كما أن الإطار الاجتماعي القريب والبعيد يلاحظ هذه التحولات المتجمعة والمتتابعة، وفي الغالب لا يحسن فهمها ولا التعامل معها؛ على أي الأحوال هو في هذه المرحلة يستعد لمواقف الرجولة ولوظائفها ومهماتها، وكل ذلك تقتضيه سنة الله سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر. هذا ما يتعلق بالتحولات الجسدية في هذه المرحلة.

 

 

 

 

الخصائص العقلية للمراهق      

 

هناك مجال آخر من المجالات التي ينمو فيها هذا الإنسان أو هذا المراهق: وهو النمو العقلي، وهو في هذه المرحلة ملاحظ، وهذا التغير يشهد للإسلام، ولسبق الإسلام، وبأن هذا القرآن لا يمكن أن ينزله إلا خالق هذا الإنسان الذي هو أعلم بمن خلق:  أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ  [الملك:14]، لذلك نتعجب من آيات الله سبحانه وتعالى حينما نعرف أن الشرع ربط التكليف وعلامة التكليف بمجرد بلوغه كما هو معلوم. هناك بعض أسئلة نستطيع من خلالها أن نجيب على أسئلة تتعلق بالنمو العقلي في المراهق. منها مثلاً: ما الذي يدعو المراهق للاختلاف في الرأي مع والديه ومعلميه؟ ما الأسباب التي تجعله يناقش القضايا معهم، ويجادل فيها بعد أن كان مستسلماً في سن الطفولة؟ لماذا يريد المراهق التحدث والنقاش والمداولة؟ ولماذا ينزع إلى الاستقلالية؟ لماذا ينزع إلى محاولة الانفراد في اتخاذ القرار، خصوصاً فيما يتعلق بحياته الشخصية؟ بل لماذا يسفه أحياناً آراء الآخرين، ويتهمهم بالإجبارية وبمصادرة الآراء، أو يسمهم بالفردية والتحيز؟ ولماذا يعاند ويصر ويجابه؟ ولماذا يجنح في كثير من الأحيان إلى المثالية والصور النموذجية للحياة ويطالب بذلك؟ ثم ما أسباب ورود الأسئلة الملحة من المراهق؟ مثلاً: من أنا؟ ما هويتي؟ ما وظيفتي؟ ما هدفي؟ ما موقعي من الأسرة؟ ما موقعي من المجتمع؟ هل أنا طفل أو طفلة؟ هل أنا رجل أو امرأة؟ بل قد ترد أسئلة مثل: لماذا خلقت؟ ما هدف الحياة؟ ما نهايتها؟ وأسئلة أخرى عن الحياة والكون والإنسان أعمق من هذه وأشمل؛ لأنه الآن منتقل لمرحلة جديدة، عقله نما ولم يعد عقل ذلك الطفل الذي كان متعلقاً بالأمور المادية كما مضى. لماذا تبرز مواقف الإباء ومقت التبعية؟ والاشمئزاز من المن والأذى.. وتظهر منه ألفاظ العزة والأنفة أحياناً، بل قد يلجأ بعض المراهقين إلى محاولة الانفصال، والبعد عن الهيمنة الأسرية، والاعتماد على النفس، أو على الأقل التظاهر بالقدرة على ذلك.. بل لماذا المجابهات بين الآباء والمراهقين والمتعلقة بكيفية الإنفاق، ومصادره، ومدى الحرية، أو التبعية فيه؟ ولماذا يفكر المراهق في ذاته، ودواخل نفسه، ويتأملها وينتقدها أحياناً بعد أن لم يكن كذلك؟ وكيف ينتقد هيئته وصفاته ويتفكر فيهما؟ هذه الأسئلة كلها تنم عن تحول مهم وجديد في تكوين المراهق من الناحية العقلية، فالتحولات والتغيرات العقلية والمعرفية تكمن فيها إجابة هذه الأسئلة الآنفة الذكر. أيضاً يتحول من التفكير الفردي - حيث كان فيما قبل يفكر فقط في ذاته- إلى التفكير شبه الجماعي، ويتحول من التفكير الموجه خارجه فقط، إلى التفكير القادر على تأمل الذات، كذلك يتأمل في المحيط الخارجي مع تأمله في ذاته في الوقت نفسه، كما أن المراهق والمراهقة تحولا عن التفكير السلبي القابل للتبعية إلى التفكير الإيجابي الباحث عن المسئولية، ومن التفكير الآني في اللحظة الحاضرة فقط إلى التفكير الآني والمستقبلي معاً. القدرة العقلية في مرحلة المراهقة تشهد تحولاً نوعياً، حيث يبدأ الفرد بإدراك المجردات والمعنويات، بعد أن كان أسيراً للمادة لا تتضح له أشياء إلا بالتمثيل المادي، ولا يستوعب القضايا المطروحة استيعاباً صحيحاً إلا بعد اقترانها بالنماذج والأمثلة الموضحة. فالمراهق يستطيع باستعداده العقلي أن يدرك المعاني والقيم إذا ذكرت أمامه مثل: الصدق والإخلاص، فيفهم معنى الصدق، ومعنى الإخلاص، أما في الطفولة الأولى فلا يستطيع أن يعي هذه الأشياء. فالصدق والإخلاص والأمانة والوفاء والنبل والعزة والكرامة وصفات الحرية والعدل والمسئولية، كل هذه القيم يستطيع أن يدركها ويفهمها، ويستطيع أيضاً إدراك الأبعاد المتعددة للقضية الواحدة في وقت واحد، والنظر للأمور نظرة شمولية يصفونها بنظرة عين العصفور! لأن العصفور وهو يطير يطلع على أبعاد المنطقة التي يطير فوقها كلها، بخلاف الشخص الذي يمشي ويرى أمامه جزءاً واحداً فقط. ويكتسب المراهق قدرة على تصور الموقف وتخيله، فمثلاً: يستطيع أن يتصور ويتخيل مكاناً معيناً يريد أن يصل إليه من عدة طرق دون أن يكون قد سلك هذه الطرق من قبل؛ فنمت لديه القدرات العقلية والتخيل حتى وصل لهذا النضج. ويتمكن أيضاً من التحكم في البدائل المتعددة للوصول إلى حل المشكلة، واختيار أي هذه الحلول أنفع، كما أنه يستطيع عندما يقع في مخالفة لا يرضى عنها والده أن يتصور الموقف المنتظر بأبعاده، ثم يفكر في الأوجه المتعددة للحل، وما يترتب على كل وجه، ويقوم بعملية الاختيار؛ وهذه الملكات كلها لم تكن موجودة في السنين الماضية. مثلاً: إذا عرضت عليه قضية الفراغ، وأسباب الفراغ، وكيفية استغلاله، بإمكانه أن يفهم ما معنى كلمة الفراغ، ويتصور أسبابها، والكيفيات المحيطة بها؛ بخلاف الأطفال، إذا أتيت طفلاً وقلت له: اكتب موضوعاً أو تحدث عن الفراغ وأسبابه، وكيف يستغل وقت الفراغ؟ فكثير من الأطفال قد لا يدركون جميع أبعاد مثل هذه الكلمة إلا إذا وضحت لهم، وضربت لهم الأمثلة؛ فضلاً عن أسباب الفراغ وكيفية استغلاله. وتميز المراهق عمن دونه بالقدرة على التفكير المعنوي، والتصور والتخيل، مما يساعده على تفهم القضايا، ووضع الحلول للمشكلات حتى قبل حدوثها، وهذا هو الذي يجعل المراهق يعي المعاني والقيم ويستطيع تفهمها. هذا هو الأصل في المراهقين؛ لكن المشكلة أن الخجل الذي يشعر به المراهق قد لا يمكنه من أن يظهر كل إمكانياته، ولذلك إذا وجد الوالدان أو البيئة التي تستطيع أن تستخرج كوامن هذه المواهب فيه فسوف ينضج نضوجاً مبكراً، بخلاف ما إذا بقي أبوه يقول له: لا تشتر كذا لأنك غير قادر، فيحطم فيه الثقة بالنفس، ولذلك فإن هدفنا من هذه الدراسة أن نفهم أن المراهقين غير مرتبطين بالمشاكل، ولا نتصور القضية على أن الأب في جانب والابن في جانب وكلاهما يحارب الآخر، فنحن نريد من الأبوين أن يقفا وراءه ليساندانه ويدعمانه ويوجهانه، وليس المقصود أن يقتلا طاقاته، أو يحطما الثقة في نفسه كما يحصل للأسف الشديد عند الكثير من الآباء. من فطرة الله عز وجل أن المراهق يستطيع أيضاً في هذه المرحلة أن تتجاوز تساؤلاته الإطار المادي القريب إلى الأبعاد المعنوية النفسية الكونية، فهو يفكر في معنى الحياة، وأهداف الحياة، وخلق الكون، والنفس، وأسباب هذا الخلق، ويستطيع إدراك المعاني المرتبطة بذلك، وهو في نفس الوقت يبحث عن هويته وموقعه ممن حوله، ووظيفته الاجتماعية.. إلى غير ذلك من الجوانب المحتاجة إلى هذا النوع من التفكير التجريدي في المعاني. ورغم ما تمنحه خاصية التفكير المجرد والتصور التخيلي للمراهق من سعة أفق، كذلك يقدر على التعامل مع البيئة بكل أبعادها، ويقدر على فهم المعاني والمجردات على وجه حقيقي.

 

 

 

 

مشكلات الخصائص العقلية للمراهق    

 

هل هذه الصفات الجميلة في هذه المرحلة من النمو العقلي الرائع الذي يحصل بهذه الصورة لها سلبيات؟ نعم لها بعض السلبيات والمشكلات المعرفية، والاجتماعية، وأهمها مشكلتان: - المثالية في المطالب، والحيرة بين البدائل. وذلك أن خاصية القدرة على التخيل والتجريد تعطي المراهق فرصة التفكير للوصول إلى حلول مثالية للمشكلات التي تعرض عليه، سواء مشكلات شخصية، أو أسرية، أو اجتماعية، وهذه الحلول المثالية غير ممكنة التطبيق، أي أنها ليست مستحيلة الوقوع لكنها من الناحية الواقعية غير ممكنة التطبيق، فيمكن للمراهق على أساس من هذا التفكير أن يتصور بيتاً مثالياً، ومجتمعاً مثالياً، وأمة مثالية؛ لكنه يصطدم بالواقع الثقيل المعقد. وهذا الخلل في الاستفادة من خاصية التفكير المجرد والتصور نشأ عن فقد الخبرة، أي أن عنده القدرة على التفكير لكن ليس عنده خبرة، فهو يفقد التجربة، ويفقد الرصيد الواقعي الذي يتولد عند الإنسان من احتكاكه بظروف الحياة المختلفة واختلاطه بأصحاب الخبرة والمراس، وهذا الذي يقربه إلى الواقعية! إذاً: توضع معادلة تلخص هذه المشكلة، وهي: (أن التفكير المجرد + فقد الخبرة =المثالية في الحلول أو الخطط) فتجده دائماً يفكر في آفاق بعيدة جداً، فيقول مثلاً: لابد أن يتحد العالم كله، ويصل بتفكيره إلى أبعاد مثالية جداً في التعامل مع الأمور. وإذا كانت هذه المطالب نموذجية ومثالية فمن الطبيعي أنها تواجه بالإهمال أو بالرفض من قبل الوالدين أو المجتمع، وبالتالي ينشأ الصراع بينه وبين الأسرة، أو بينه وبين المجتمع، أو ينشأ الاغتراب نتيجة هذا الاصطدام، ويعتزل المجتمع، ويفقد ثقته بالناس، وبالتالي ينتشر عند الشباب سلبية وتشاؤم. وهذه المشكلة أيضاً يمكن التعبير عنها في معادلة: (آراء ومطالب مثالية + رفض مستمر دون بيان =اغتراب وصراع) الأب أو المجتمع يرفض هذه الآراء دون أن يفهم هذا المراهق ويقنعه، فهو مقتنع بالتفكير المثالي وآراؤه المثالية النموذجية، والمجتمع أو الآباء يرفضون أفكاره دون بيان ودون توضيح ودون إقناع، فينشأ عن ذلك صراع أو اغتراب. - أما المشكلة الأخرى التي تنشأ عن هذه الخاصية فهي: الحيرة والنقد: ذكرنا أن المراهق يستطيع أن يتصور المواقف المختلفة قبل حدوثها، ويستطيع عند مواجهة المشكلات أن يدرك الوجوه المختلفة لها، والبدائل المتعددة لحلها، وعندما يواجه مشكلة ذات بدائل متعددة في حلها لابد من اتخاذ القرار لتحديد الحل واختياره، وإذا وضع في الاعتبار فقد الخبرة مع طبيعة المراهق الانفعالية وقعت هذه المشكلة بالنسبة له، فهو لابد أن يختار، ولابد أن يعرف التعليل عند اختيار هذا الحل دون غيره، ومن هنا تنشأ مشكلة الحيرة بين البدائل المختلفة، وتنشأ موجة الشك والتردد، وينشأ عنده الاتجاه للنقد والتمحيص لما حوله حتى في بعض المسلمات التقليدية الاجتماعية، باحثاً عن الحكمة من ورائها، ومناقشاً لوالديه أو معلميه في مواقفهم وفي اتخاذهم للقرارات واقتناعهم بالمسلمات. ورغم ما يواجهه المراهق من حيرة بين البدائل إلا أنه ينزع إلى اتخاذ القرار بنفسه، واختيار الحل الذي يقتنع هو به، لكنه قد يخفق في كثير من الأحيان ويفشل ما لم تتم إحاطته بوسط يساعده على اتخاذ القرار المناسب بطريقة غير مباشرة، أو بطريقة مباشرة غير ملزمة. يستطيع أيضاً أن يعي أو يستوعب الرموز المركبة، إذا رمزنا له بواحد عن سين مثلاً، واثنين نرمز لها بصاد، فهو يستطيع أن يعرف أن (س + ص =3)، بالتالي يقدر أن يفكر هو بذاته، وبالتالي تنمو عنده القدرة على تأمل ذاته وأحواله وصفاته وسماته، ويبدأ بانتقاد ذاته. كما أنه يستطيع تكوين فكرة عن ذاته وطاقاته وميوله وحاجاته، ولا يتقبل رأي الآخرين فيه بسهولة؛ لأنه يريد أن ينبع الرأي منه هو، فرأي الآخرين في نفسه لا يتقبله، ويكون شديد الحساسية للنقد. ولبروز قدرة المراهق على التفكير والتأمل في نفسه وفي ذاته يبدأ عنده الادعاء أن الراشدين لا يفهمونه، وأنهم لا يدركون معاناته ولا مرحلته، ولا شك أن هذا النوع من التفكير لم يكن موجوداً في مرحلة الطفولة، إذاً: هذه من خصائص مرحلة المراهقة التي تتسم بالتغيرات البالغة في مستوى التفكير ونوعيته.

 

 

 

 

خصائص المراهق التفكيرية    

 

المراهق يخرج من التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي الذي يبحث فيه عن المسئولية، ويتفحص ذاته ومقامه وسمعته؛ فيتساءل دائماً: ما هي صورتي عند الناس؟ بماذا يحكم عليّ الآخرون؟ هل أنا كبير بالفعل؟ ولماذا لا أقوم بمهام الرجال؟ هل أنا أحمل صفات الكبار؟ ما الذي يجعلني مقبولاً؟ ما هي عناصر القبول والرد الاجتماعي؟ كيف أقوم بالعمل المناسب؟ إذاً: لدى المراهق مستوى من النضج العقلي يمكنه من أن يحس ويشعر ما إذا كان هناك من يعامله معاملة المهمل أو المنبوذ، فهذا النضج الذي عنده يشعر بأنه يعامل بهامشية. أيضاً يتمكن من الشعور بالقيمة عندما يكون مسئولاً فيستجيب للوضع الذي يوضع فيه. وهذا كله مؤشر مهم على أن تفكيره قد أصبح تفكيراً إيجابياً، وبهذا التفكير بدأ يتفتح على الحياة. من مميزات المراهق: أنه يدرك إدراكاً تاماً مفهوم الزمن، كذلك يقدر على التفكير المستقبلي إضافة للتفكير الآني، حيث يستطيع أن يفكر في الأمور الآنية الحالية، وهذه كانت موجودة في الطفولة، لكن الشيء الجديد أنه بجانب التفكير الآني الحاضر يستطيع أن يفكر في المستقبل، فلا يكون أسير الحال مشدوداً إليه كما هو حال الطفل دون سن العاشرة. عقلية المراهق تتمكن من فهم الأبعاد الزمنية: الماضي والحاضر والمستقبل، وتستطيع ذاكرته استدعاء الماضي كما تستطيع التفكير في المستقبل ما قرب منه وما بعد بالتحديد وبالتعميم، فيدرك ما معنى الأيام والأشهر والسنين والقرون، ويدرك معنى بداية الحياة ونهايتها، ومفهوم الدنيا والآخرة، والوعد والوعيد، والأمل والطموح، والوسيلة والغاية، والمرحلة والنهاية.. إلى غير ذلك من المفاهيم التي ترتبط بالزمن وبأبعاد الزمن. هذا الاستعداد يؤدي عادة إلى الفهم الصحيح لكل هذه المعاني دون لبس أو غموض، وليس كحال الطفل الذي يفهم هذه المعاني فهماً خاصاً به مختلفاً عن مفهوم الكبار؛ لأن استعداده العقلي محدود، كما أن هذا الاستعداد هو من المهيئات؛ وإدراكه لأبعاد الزمن من الفطر التي يودعها الله فيه؛ لأنه في هذه الحالة يتهيأ للتساؤل عن خلق الكون؟ عن الحياة وأهدافها وأسبابها؟ عن الإنسان ووظائفه ونهايته؟ كذلك هذا من المهيئات التي تدعوه للتفكير بالمستقبل، فيتخيل المستقبل.. يخطط للمستقبل، وينشغل بذلك حتى يصل أحياناً إلى ما يسمى بأحلام اليقظة؛ وقد يفرط في إنفاق الوقت في تخيل المستقبل وهو ما يسمى بـ: أحلام اليقظة. هذه الاستعدادات أيضاً تمكنه من أن يواجه الآخرين، ويتصدى لهم عندما يريدون التخطيط لمستقبله بمعزل عن رأيه ووجهة نظره. كذلك يتضمن التفكير في المستقبل الصورة المستقبلية لحياته، وطبيعة عمله، ونوع مهنته، وشريك حياته، وهذا في نظره من أهم الموضوعات، ومكانته في الأسرة والمجتمع، ولديه أيضاً استعداد أوسع من ذلك، فيمكن أن يتضمن تفكيره المستقبلي التفكير في أحوال مجتمعه، ومستقبل أمته ومكانتها، والعمل للنهوض بها، لكنه لا يسلم في هذا كله من المثالية في التفكير؛ نظراً لقلة خبرته، وقصر تجربته؛ مما قد يصيبه بالإحباط، وبخيبة الأمل أحياناً.

 

 

 

 

خصائص المراهق الانفعالية    

 

 

 

أشرنا من قبل إلى أن أكثر الناس يلفت نظرهم النمو الجسدي، وبالتالي يعاملون الطفل بنفس المعاملة التي كانت من قبل، وكأنه لا يدرك هذه الفروق، مع أنه ينمو في جسده كما ينمو في عقله، كما أنه ينمو في عواطفه حيث ينمو اجتماعياً. هنا أيضاً بعض الأسئلة من خلالها ندلف إلى موضوع انفعالات المراهق ونموه الانفعالي: هل تظهر موجات الغضب عند المراهقين أكثر من غيرهم؟ لماذا يتم التعبير عن الغضب بالانفعالات الشديدة أو المباشرة كالمصادمة والمضاربة، والتحدي، والتراشق اللفظي، والاستعراض الجسمي؟ لماذا يتسرع المراهق في اتخاذ القرارات، وفي الحصول على المطلوبات؟ لماذا العجلة والسرعة في ممارسة الأعمال، واقتناء الحاجات وتنفيذ المهمات؟ هل يحزن المراهق ويغتم؟ هل تصيبه الكآبة؟ هل يلجأ إلى العزلة والانطواء؟ هل يحس بالغربة والهامشية والدونية أحياناً؟ ولماذا؟ لماذا يفرح المراهقون بشدة عندما يفرحون؟ ولماذا يتشنجون عندما يشجعون؟ ولماذا يسرفون عندما يمدحون؟ يعني أن خصائص الانفعال لا تعرف الوسطية، فإذا أحب يحب حباً شديداً، إذا كره يكره كرهاً شديداً، فيكون هناك نوع من الأخذ بأطراف الأمور في المواقف الانفعالية ولا تكون متزنة. لماذا يسرفون عندما يهجون؟ هل صحيح أن العاطفة تغلب على فترة المراهقة؟ لماذا انفعال الحب والتعلق عند المراهق يتمكن منه تمكناً شديداً، ويستولي على نضجه ومشاعره، ويستولي على فكره ومخيلته؟ لماذا أحلام اليقظة؟ لماذا الجنوح إلى الخيال؟ لماذا يسرح كثيراً على مقعده وفي السيارة، وعلى فراشه، وبين الناس أو منفرداً؟ لماذا الإعجاب والتعلق بالنماذج الاجتماعية الشائعة؛ كنجوم الرياضة والمغامرات؟ لماذا الاقتداء بها والدفاع عنها والمعاداة والمؤاخاة من أجلها؟ كل هذه الأسئلة تدور حول انفعالات المراهق، وقد لا تتوفر دائماً الإجابات عليها، لكن أهم ملامح النمو الانفعالي عند المراهق التي يتميز فيها عن غيرها من المراحل هي ما يلي:......

 

غلبة الخوف والقلق    

 

غالباً ما يخاف المراهق على ذاته وعلى مستقبله، ويخشى من احتمالات الفشل والنجاح، ويشعر بعدم الاسترخاء نظراً لعدم الثبات على شيء، ولفقد الرؤية الواضحة، وللغموض الذي يكتنف طريقه الجديد، فهو يشعر بمشاعر الرجال ويملك بعض صفاتهم، لكنه لم يسلك طريقهم من قبل؛ فهو في بداية الطريق الطويل يقلق ويتساءل: ما هو العمل؟ ما هي الوظيفة؟ ما هو الدخل؟ من سيشاركه حياته؟ ما موقعه ومهمته؟ هل سيفشل أم سينجح؟ ما هي الضمانات؟ ماذا سيقول عنه الناس إذا عجز أو فشل؟ كيف سيواجه الحياة مع البطالة والهامشية؟ قد يخاف المراهق ولا يعرف مما يخاف، حيث يدركه القلق من المجهول، ويتوقع أن شيئاً مؤذياً سيحدث له، ولا يدري ما هو هذا الشيء، قد لا يكون لهذا الشيء وجود أصلاً، فهو مجرد توهم سببه الإفراط في الحساسية والعاطفة لديه.

 

 

 

 

قوة الانفعال    

 

من هذه السمات قوة الانفعال: فبسبب التكامل العضوي والعقلي يملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات، ويدرك ما يدرك الكبار من الاستثارة والشعورية، فهو يحب ويكره، ويهدأ ويغضب، ويتأنى ويعجل، ويجرؤ ويخاف، وهكذا أيضاً صفات الرحمة والشفقة والشجاعة والأنفة والإخلاص والمودة والعطف والبر.. إلى آخرها، لكن مع وجود كل هذه الانفعالات -التي هي موجودة عند الكبار- تنقصه أيضاً في هذا المجال الخبرة والتجربة، ويستولي عليه التغير السريع المتتابع، فهو من حيث النمو والنضج يعيش في أوضاع وسمات جديدة عليه كل الجدة، ومن حيث البيئة والاكتساب لم تعركه التجارب بعد، ولم تثقله الخبرة، فبضاعته في هذا الشأن قليلة مزجاة، وزاده محدود جداً إن كان له زاد. ومن هنا فإن من أصعب الأشياء عليه أن يضع الشيء في موضعه، أو أن يعطي كل ذي حق حقه، أو أن يمسك إذا اقتضى الحال الإمساك، أو يطلق إذا اقتضى الحال الإطلاق؛ شأنه كمن يملك الوسيلة والمادة لكنه لا يجيد استعمالها بحسب المقتضى والحال، لذلك لا يستقر في انفعالاته، ولا يكون واقعياً في التعبير عنها، فيغضب كثيراً وسريعاً وربما لأسباب حقيرة قد لا يستطيع التحكم في المظاهر الخارجية لحالاته الانفعالية؛ فقد يلقي أو يحطم ما في يديه.. قد يتلف بعض المقتنيات.. قد يشتم أو يسب أو يهدد أو يضرب، وهو عندما يرغب في شيء يسرع إليه ويسعى حثيثاً في طلبه، ويتعجل في اتخاذ القرارات الخطيرة بشأنه، بل إذا أحب أسرف وبالغ، يتعلق بمن يحب، ويهيم به، ويضحي من أجله، ويملك عليه لبه، ويستولي على حاله ومخيلته، وهو حديثه وشغله الشاغل، وهذا سر شيوع الغرام والهيام في هذه السن. والله سبحانه وتعالى وضع هذه الفطرة في هذه المرحلة؛ لأن أولى الناس بها هم أهل الدين والإسلام والطاعة، فهذه الطاقة تعطى لتصرف في تسخيرها لطاعة الله سبحانه وتعالى، وإقامة العبودية له، لكن تعتري ذلك عوامل كثيرة تخرج بهذه الطاقة إلى مجال آخر، فالمراهق إذا أعجب بشخص أو جماعة أو أنموذج سعى إليه وجمع الناس عليه، وبذل في سبيله، وبالغ في مدحه، ودافع عنه ونافح، ووضعه في أول مهماته التي لا يساوم عليها؛ وهذا من أسرار تعلق المراهقين الشديد بالرياضيين وبالفرق الرياضية، وبأصحاب الفن والتمثيل والمغامرات، وأبطال السيرك، وأبطال التاريخ أحياناً؛ فما سر هذا التعلق وهذا الغلو، أو ما سبب هذا الانفعال الشديد بهذه الصورة؟ -هذا من جهة المشهورين كأبطال، وليست هذه البطولة، لكن نحن نتعامل مع الواقع الموجود الآن في مجتمعنا- هؤلاء الأبطال في نظره توفرت لهم أشياء مهمة: الشهرة.. الظهور.. مكانة اجتماعية، ومكانة اعتبارية متميزة، الآن أصبحت هذه النماذج مجربة ومقربة وموثقة يتم الاحتذاء بها، والتوحد معها، ويترتب على ذلك الضعف في المراهقين واللمعان في المشتهرين: الميل والتعلق والإعجاب الشديد، والمبالغة في التأييد والمناصرة والتشنج. والعكس أيضاً صحيح! فالمراهقون يبالغون في الكراهية عندما يكرهون، ويظهرون من المقت والسخرية ما ينبئ عن هذه المبالغة، وانظر في مواقفهم من الفرق الرياضية التي لا يحبونها، أو الأشخاص الذين يكرهونهم؛ كبعض مدرسيهم مثلاً.

 

 

 

 

الإغراق في الخيالات والأحلام  

 

يغرق المراهقون في خيالاتهم وأحلامهم، ويبالغون في تصور الحياة ومتاعها، ويضعون خططاً مثالية لها، ويجنحون إلى ذلك بسبب استعدادهم للتصور والتخيل، وأيضاً قلة الخبرة في الوقت نفسه، فقد يكتب المراهق الشعر، أو يكتب النثر، ويصور عواطفه وأحاسيسه، ويسطر خياله وسرحانه، فتحس منها العاطفة الجياشة، والحساسية المرهفة، بل وترى الجري وراء عاطفته، والثقة بها، والبناء عليها. هذه الميزة لدى المراهقين: القابلية للإيحاء، والاستهواء، وسرعة الاستثارة، وهشاشة الانفعال، والفراغ النفسي المستعد للامتلاء، بعبارة أخرى: مثل هذه الغرابة في الانفعال والعاطفة يمكن أن توجه الوجهة السليمة، وأن تضبط عن طريق محيط تربوي شامل متزن؛ لتخرج الشاب القوي الطموح المنضبط المتعلق بالمثل العليا، والنماذج الرائعة في تاريخ أمته وحاضرها؛ فيتعلق بـخالد بن الوليد .. بـعمر بن الخطاب .. بـأبي بكر الصديق .. بالصحابة.. بالتابعين.. بعلماء المسلمين.. بالمجاهدين في القديم والحديث. هذه الطاقة إنما أودعها الله فيه ليخدم بها أمته ودينه، ويعز بها الإسلام في فترة العمل كما ذكرنا؛ ولذلك فإن من أراد تحطيم شباب المسلمين يبدأ معهم من هذه الفترة، كل عوامل التحطيم والاستهواء بما يصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى كالفن والرياضة، وغير ذلك من الأشياء المعروفة، والعكس بالعكس كما ذكرنا. إذاً: هذه الغزارة في الانفعال والعاطفة يمكن أن توجه الوجهة الصحيحة السليمة، وتضبط عن طريق محيط تربوي شامل متزن؛ لتخرج الشاب القوي الطموح المنضبط المتعلق بالمثل العليا، والنماذج الرائعة في تاريخ أمته وحاضرها. ويمكن أيضاً أن تستثمر في تربية انفعالاته ووضعها في الاتجاه الصحيح، ليعرف المراهق كيف يرحم، ومتى يرحم، ولماذا؟ كيف يحب، ومتى يحب، ولماذا؟ كيف يعجب، ومتى يعجب ولماذا؟ وهكذا. هذه الغزارة يمكن أن تمهد لبناء شاب ذي عواطف فياضة متفاعلة مع الحياة؛ متجهة للخير والإصلاح، مؤثرة في علاقاته بالأمة في شتى مستوياتها.

 

 

 

 

الذاتية 

 

من خصائص النمو الانفعالي: الذاتية: أي: إعجاب المراهق بذاته، فهو يعتد بها، ويعتقد في نفسه أنه محط أنظار الناس، وبؤرة اهتمامهم، ويسيطر على بعضهم الاعتقاد بأن الناس ينظرون إليهم كما ينظرون هم إلى أنفسهم، أو هكذا يجب أن يكون رأي الآخرين فيه، وهذا ناتج عن قلة أو فقد التوازن الانفعالي والعاطفي لديه، وعن التحولات الفجائية والسريعة المؤدية للرجولة؛ مما يشعره بالاكتمال والتمام. فهذه التطورات الجديدة في عقله.. في جسمه.. في انفعالاته.. في نموه الاجتماعي.. تلقي في روعه أنه مستحق أن الناس ينظرون إليه كما ينظر هو في نفسه، وأنه يستحق هذه المكانة؛ لأنه الآن اكتمل وتم. أيضاً نفس الخصائص تنتج نتيجة قلة الخبرة والتجربة اللتين تساعدان على الواقعية، وتحجمان من جموح المراهق وخياله، لذلك كان سبب ظاهرة الذاتية والاعتداد بالذات أن المراهق عنده حساسية مرهفة لنقد الآخرين، فلا يكاد يتحمل النقد بسبب هذه الخاصية من خصائص المراهقة، وهي الذاتية وإعجابه بنفسه؛ فيكون ذا حساسية مرهفة لنقد الآخرين، ويتألم من ذلك ويتوجع، وقد يطوي حسراته وآلامه عن الآخرين. وهذه الحساسية للنقد والرهافة في مواجهة مشاعر الآخرين إنما نتجت بسبب ما يشعر به من خسارة وخيبة أمل فيما كان يعتقده عن رأي الآخرين فيه، فبدل المدح إذا به يجد الذم؛ وبدلاً من ذكر مزاياه يذكرون مثالبه.. بدلاً من أن يشيدوا بحاله إذا بهم يستسفهون حاله، أو يشوهون صورته بدلاً من تلميعه والثناء عليه كما يرى هو نفسه. فأحلام المراهق وخيالاته وغلبة عواطفه وانفعالاته تضفي عليه قوة وكمالاً وفتوة، وتصوره عند نفسه على درجة من الأهمية والقيمة لا حقيقة لها في الواقع، ولا وجود لها عند الناس، بل إن عكس الصورة هو ما يعتقده الناس عنه، فهو ما زال صغيراً غير قادر على تحمل المسئولية، وممارسة المهام الصعبة، لذلك يصير في بعض الأحيان ناقماً على والديه، أو المجتمع، فما من أحد يفهمه، أو يشعر بأنه قد أصبح شخصاً آخر، ولا يعامل بالمعاملة التي يستحقها، ولا يرونه كما ينبغي أن يروه؛ فتبدأ العبارات تترا على لسانه: لا أحد يفهمني، أنا أفهم منكم، أنا أعرف بحالي، أنا لا أريد أن أجلس إلا مع أصحابي؛ لأن أصحابي هم الذين يفهمونني. وتبدأ موجات الغضب والاشمئزاز من مجتمع الكبار، ويشرع المراهق في الممارسات الدالة على هروبه من قضاء الوقت مع والديه، ومن الجلوس في منتديات الكبار ومناسباتهم، والضيق والتبرم من تلك المجالس، فينزوي وينحاز إلى مجتمع الشلة أو الجماعة التي ينتمي إليها، ويشتد ولاؤه لهذه الجماعة أقوى من ولائه لوالديه، وارتباطه بأصدقائه يكون أقوى من ارتباطه بالوالدين أو بالبيت. هذه الذاتية تعد من الاعتبارات المهمة التي يجب أن تلحظ عند التعامل مع المراهق وتربيته، أو عند حل مشكلاته، ومعالجة انحرافاته. فمثلاً الإنسان لابد أن يكون حذراً في النقد أو عند إسداء النصح، وتكون الطريقة غير المباشرة أنجح وأوقع في نفسه، فالمفروض الانتباه لهذه الحساسية، وأنه لا يكاد يتحمل النقد، وقد تكون هذه الذاتية هي منبع الحساسية المرهفة، أو الرفض والمواجهة، أو الخيبة والإحباط، ومن ثم العزلة والانطوائية، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء والانقطاع إليهم، وقد تكون هذه الذاتية هي سبب الغرور والعجب والمثالية، أو الطموح الزائد، أو الإغراق في العناية بشكله وهندامه، إلى آخره.

 

 

 

 

خصائص النمو الاجتماعي للمراهقين   

 

 

 

يتساءل الكبار عن ميولات أبنائهم الاجتماعية بعد سن الطفولة ومقاربتهم للبلوغ: لماذا يزهد المراهق في التأسي بالكبار، ويرفض سلطتهم ظاهراً أو باطناً؟ ولماذا ينقاد لرفاقه وأصحابه وينصرف إليهم في مشاعره وتوجهاته؟ لماذا يلجأ إلى جماعة الرفاق في تحديد ميوله وهواياته، وفي تحديد شكل ملابسه وهندامه، وفي كيفية قضاء وقت فراغه؟ هل يحتاج المراهق فعلاً إلى الرفقة أو الجماعة بحيث لا يمكن الاستغناء عنهم كضرورة صحية وتربوية؟ وما دور هذه الرفقة في نمو شخصية المراهق؟ ولماذا يغترب مع رفقته وينزوي عن المجتمع، وتظهر عليه أعراض الجنوح أحياناً؟ هل يحتاج المراهق إلى التقدير والاحترام من قبل والديه ورفقته ومجتمعه أم لا؟ هل يطمح المراهق إلى تحقيق ذاته وتطلعاته بثقة الآخرين به، واعتمادهم عليه، وتحميلهم إياه العمل والمسئولية؟ وما دور هذه الأشياء في صحته النفسية وفي نمو شخصيته؟ لماذا يمقت بعض المراهقين مجتمع الكبار، ويثورون عليه، ويخرجون على أعرافه؟ لماذا يوجدون أعرافاً خاصة بهم في التعامل والتخاطب؟ تجد الشلة يسموها بالإنجليزية (ميني سوسياتك) أي: مجتمع مصغر؛ لأنه يكون معهم لساعات، حتى أننا نلحظ لغة خاصة بهم هم؛ واصطلاحات تدور فيما بينهم في هذا المجتمع المغلق الذي يشبه حارة اليهود، لهم رموزهم وقوانينهم وأعرافهم، وقد يهددون الواحد منهم لو ترك الشلة بعقاب جماعي ويقاطعون، خاصة بالذات في المجتمعات التي هي بعيدة عن الملتزمين؛ فلهم أعراف في التعامل والتخاطب.. وأنماط الملابس التي يلبسونها.. والاهتمامات والهوايات. جواب هذه الأسئلة كله يفسر لنا سمات وخصائص النمو الاجتماعي للمراهق. يعيش المراهق في حالة تبدل عضوي ومعرفي وانفعالي سريع ومتتابع، ولا شك أن هذا النمو يقربه من الرجولة والنضج، أو يقربه من مجتمع الكبار ويبعده عن مجتمع الأطفال، وهذا واضح في التحولات التي تطرأ على القدرات العقلية التي تؤهله للفهم.. للمحاكمة العقلية.. تساعده على إدراك الأشياء كما هي في الواقع.. تساعده في القدرة على البحث والنقاش وإدراك وجهات نظر الآخرين. أيضاً التغيرات العضوية كالزيادة في الطول والوزن، كل هذه التغيرات تؤذن ببداية الرجولة والاكتمال، لكن كثيراً من الكبار يرفضون ذلك، أو لا يأبهون به، أو يصادمونه، وهذا التصرف من الكبار يسيئ إلى المراهق، ويؤدي به إلى خيبة الأمل والشك، أو يؤدي به إلى المعاندة ونبذ سلطة الكبار، والارتماء في أحضان الرفقة، وإلى ضعف الارتباط بالكبار، وعدم الاعتراف بأعراف الكبار ونظمهم، وإلى الثورة عليها ومحاربتها باطناً أو ظاهراً. أيضاً من خصائص هذه الفترة: المشاعر الجماعية، فيشعر بأنه يريد كهفاً يأوي إليه، لأنه لا يفهمه أحد في البيت؛ ويعاملونه كطفل، وهذا كله سببه عدم فهم خصائص هذه المرحلة، وعدم وجود سياسة تربوية واضحة المعالم في طريقة التعامل معه، فلديه إحساس وتعطش للانتئماء إلى رفقة أو صحبة أو مجموعة تشاركه مشاعره.. تعيش مرحلته.. يبث إليها آلامه وآماله وأفراحه وأتراحه وتبث إليه ذلك، هذه الرفقة أو المجموعة تعنى بأحاسيسه ومطالبه وتعمل لإشباعها، وقد تنجح وقد تخفق، وهذه الرفقة أحياناً تخلص لبعضها حتى لو في سبيل الشر، وتقوم على التعاون والتكامل حتى ولو على الإثم والعدوان؛ لأنهم يظنون أن بعضهم يخدم بعضاً، وأن هذا من الوفاء للأصدقاء وغير ذلك. لا يستغني معظم المراهقين عن هذه الرفقة لأنها مطلب حيوي، وحاجة نفسية ملحة تقتضيها التغيرات الفجائية والتحولات الجديدة غير المعللة، ولذلك قد يحاصر الأب ابنه محاصرة شديدة، وهو يظن أنه يحميه، وبالتالي يحرمه تماماً من الاحتكاك بأي إنسان، وفي بعض هذه الحالات- يقول له الأب: لا توجد حاجة إلى صديق، فيعزله تماماً عن الرفقة، وبالتالي يحرمه من النمو الاجتماعي الطبيعي؛ لأن مفهوم إيجاد البديل والرفقة الصالحة غائب، والحديث معروف: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء) إلى آخر الحديث، فلا بد من إيجاد هذه الرفقة من خلال المساجد؛ لأنها لم تعد ممكنة من خلال الأندية الاجتماعية -كما يقولون- فقد أصبحت بؤر فساد وانحراف؛ فلا بد من وجود البدائل، وليس الحل هو حرمانه من الانخراط في أقرانه أو مجموعة السن الموافقة له، فهذه من الأمور المهمة جداً. إذاً: تقوم الشلة أو المجموعة على التعاون والتكامل، ولا يستغني معظم المراهقين عن هذه الرفقة؛ لأنها مطلب حيوي وحاجة نفسية ملحة تقتضيها التغيرات الفجائية والتحولات الجديدة غير المعللة، التي لا يجد المراهق الجواب عليها في حال عزلته وانزوائه، ولا يحسن التعامل معها كما يرى بمفرده، فيلجأ إلى رفاقه أو أصحابه في مرحلته ومن أبناء سنه؛ لأنه يحقق ذاته مع أصحابه، فمشاكلهم واحدة.. ومفاهيمهم واحدة.. وخصائصهم واحدة، يحقق ذاته معهم، وهم قد يتعاملون مع بعض كأنهم رجال؛ بخلاف ما يلقى من معاملة في البيت، لذلك تجد ولاءه للشلة أقوى بكثير من ولائه للبيت، والوقت الذي يقضيه معهم يكون أكثر مما كان يقضيه من قبل في المنزل. من الأشياء المهمة أيضاً: خصوصيات المراهق، فهو لا يرى أنه كالكبار تماماً بالذات والديه؛ لأنه يرى فرقاً كبيراً في السن بينه وبين والديه، لكنه يتجه إلى أساليب مختلفة تقل أو تكثر في نمط هندامه.. في أسلوب حياته.. في موضوعات اهتمامه.. في كيفية قضاء وقت الفراغ، ولذلك هو حساس إذا قورن بكبار السن في هذا الجانب، ولا ينتبه له كثير من الكبار. موضوع تحقيق الذات شيء يسعى إليه كل إنسان حتى الطفل؛ لكن كل مرحلة تقوم بما يناسبها، وتجتمع كلها في مفهوم واحد، هو: أن الإنسان يقوم بالوظائف الملائمة لقدراته واستعدادته، ويمارس الأدوار المناسبة له والمتوقعة منه. هذا المراهق يعيش مرحلة انتقال من الصبا إلى الرجولة، بالتالي يتغير موقعه ووظيفته في الأسرة أو في المجتمع من حيث طبيعتها ومستواها ومقدارها. والمراهق يبتغي تحقيق ذاته، واختبار قدراته، وتفريغ طاقاته، وهو يريد أن يبلو نفسه بممارسة الدور الاجتماعي، والقيام بالمسئولية، ومرحلته ومستوى نضجه يقتضيان رفض البطالة، ويرفض الهامشية الاجتماعية، وهذه الهامشية والبطالة أيضاً قد يفرضهما عليه الكبار أحياناً، بل إن كثيراً من المراهقين يمقتون التبعية، ويكرهون أن يكونوا عالة على غيرهم، هذا شعور فطري يولد فيه كره أن يكون عالة على غيره، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، وهم يسخرون داخل أنفسهم من هذا الأسلوب في التعامل، كما أن مشاعر اللوم ومقت النفس تراودهم وهم يرون أنفسهم تبعاً للكبار وعالة عليهم، بينما قد يموت هذا الإحساس أو يضعف إذا لم يستغل في حينه بتوجيهه الوجهة الصحيحة، واستثماره في تربية المراهق وتهذيبه. كل خصيصة من الخصائص التي نذكرها قابلة لحسن التوجيه، وقابلة لسوء الاستعمال، فالحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم للمراهق، وتحقيق الذات ممكن أن يتم بأمور كثيرة، المهم أن يكون له دور في الحياة، حتى لو كان طالباً يدرس فهذا دوره في الحياة اقتنع به ويبذل في سبيله. فهذا الشعور بالحرص والحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم للمراهق ينبع من داخل نفسه، وينبع من أحاسيسه وهواجسه ومشاعره المدعومة، هذه المشاعر إنما يدعمها التحولات، فهناك تحولات عقلية.. معرفية.. عضوية.. انفعالية.. يمر بها جسده وعقله وانفعالاته، وهو لا يحس بالتنفيس عنها إلا إذا قام بالدور الاجتماعي المناسب، وتحمل المسئولية حسب مؤهلاته وقدراته وطاقاته، والمجتمع الحديث غالباً ما يواجه هذا الميل إلى الاستقلالية، أو إلى رفض البطالة ونبذ الهامشية الاجتماعية بنكران شديد وإهمال بالغ، وغالباً ما تكون مشاعر ومواقف الكبار غالباً والأمهات والمدرسين والإخوة الكبار مخيبة لآمال المراهقين قولاً وعملاً، فهم لا يأبهون بأن يحقق المراهق ذاته من خلال استغلال طاقاته، ومنحه للمسئولية، وعزو الوظائف المناسبة له، بل إن الكبار أحياناً يسخرون من المراهقين ويحتقرونهم أن يقوموا بمثل ذلك. ويتجه بعض الكبار إلى عدم الثقة بهم، وعدم الاطمئنان إلى ما يتولونه من الأعمال، ويشعرونهم بذلك بطرق مباشرة وجهاً لوجه، وبطرق غير مباشرة من خلال عزلهم عن ممارسة الأدوار المناسبة، ومنعهم من تحمل المسئولية، وصرفهم إلى أعمال هامشية أو تكميلية أو ترفيهية، ويقوم الأعم والأغلب من الآباء بتوجيه أبنائهم إلى الدراسة وتفريغهم لذلك، والاستغناء بذلك عن توظيفهم، أو تكليفهم بأعمال أو مهمات تحقق ذاتيتهم، وتشعرهم بالمسئولية وبشيء من الاستقلالية، وتبرز شخصياتهم، وتصقل قدراتهم الاجتماعية. أما النظام الاجتماعي الحديث فتطول فيه فترة الطفولة والاعتماد على الغير، حيث لا ينتهي الفرد من التعليم العام إلا في سن الثامنة عشرة، ثم عليه أن يستمر في الجامعة إلى الثالثة والعشرين مثلاً، وهو في كل ذلك مستقبل فقط؛ فهذه السياسة لا شك أنها تتصادم مع متطلبات تلك المرحلة واحتياجاتها الطبيعية، وقد تؤدي إلى كثير من المشكلات، أو إهدار الطاقات، وتعطيل الحاجات. فالإسلام عامل المراهق على أنه مسئول عن التكاليف الشرعية بمجرد البلوغ، وحمله المسئولية عن نفسه في العبادات.. في المعاملات.. في التصرفات المختلفة؛ وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يأذن بالجهاد في سبيل الله لمن بلغ الحلم من الفتيان وهو من أشق المهام وأصعب الوظائف.......

 

تجربة عملية لعلاج سلوك المراهقين    

 

 

 

هنا تكملة للقصة السابقة عن إبراهيم الذي تلونا قصة سابقاً، وأن أباه كان يشكو منه، يقول هنا: المراهقة هي فترة النمو الاجتماعي، وفيها يميل المراهق إلى إعطاء اهتمام كبير لأوجه النشاط والميول والاتجاهات الخاصة بأقرانه، ويسعى المراهقون إلى الحصول على القبول من أقرانهم، وهم في سبيل الاحتفاظ بهذا القبول يذهبون إلى مدىً بعيد، فيصبح الانحراف عن عرف الجماعة أمر لا يمكن التفكير فيه، طالما أن هذه الجماعات تحقق لهم إشباعاً لم يستطيعوا الحصول عليه في عالم البالغين، ومن ثم تتضح أهمية الجماعة. استطرد صديقي يقول: ولكنك لم توضح لي بعد ذلك الجانب الآخر الذي تكشفته في سلوك ابني إبراهيم، فما يكاد يجد لديه قدراً من وقت الفراغ أو عطلة أو ما شابه ذلك حتى يسرع إلى مجموعة من رفاقه في الحي الذي نقطنه يقضي معهم ساعات فراغه إلى آخر الكلام.. يقول: أنا لا أريده أن يخالط أحداً أو يكون له صداقات مع أحد، مع أن هذه الشلة على مستوى طيب من الخلق، ومن بيئة طيبة، بل إن معظم آبائهم هم من أصدقائي، إلا أنني مع هذا أعارض أشد المعارضة أن يتخذ لنفسه أصحاباً؛ لأني أعتقد أنه من الأفضل أن لا يرتبط بمثل هذه المجموعات، وأن يتفرغ للتفكير في دروسه ومستقبله، وبالرغم من بذلي النصح له مراراً عديدة إلا أنه لم ينصرف عن أصدقائه، وإن كان يحاول ظاهرياً أن يظهر لي أنه قد خضع لتعاليمي؛ فما قولك أيها الصديق العزيز؟ فأجبته قائلاً: إن المراهق يواجه مواقف مشكلة تتطلب إيجاد حلول لها، فهو لا يزال فرداً بدون خبرة كافية بعد، بل لا زال في الواقع طفلاً يجد نفسه بسرعة في عالم البالغين، وهو يجد نفسه أيضاً بدوافع جسمية ونمو جسمي وميول وقيم جديدة وفكرة جديدة عن نفسه، وعليه من ناحية أخرى أن يظهر اتجاهات اجتماعية ناضجة وكافية، ومهارات معينة إذا أراد أن يحصل على درجة من التوافق الاجتماعي كشخص بالغ. كل هذا يؤدي به في النهاية إلى الإحساس بعدم الأمن في مجالات كثيرة من حياته اليومية، ومن ثم فإنه يبحث عن شيء يمنحه الأمن وحماية الذات، وهو يجد ما ينشده في الجماعة من أقرانه الذين لهم مثل مواقفه، فيستطيع باندماجه مع أقرانه أن يحل مشكلاته، وأن تهيئ له الجماعة الانتماء والمكانة التي كان يبحث عنها، كما تمنحه الجماعة أيضاً الخبرات والتدريب اللذين كان يجاهد في سبيلهما، ولهذا فإن الجماعة تصبح هامة جداً بالنسبة للفرد؛ بحيث إن الاستبعاد منها أو عدم وجود مكانة للمراهق فيها يسبب له خبرات صادمة، وباندماج المراهق شيئاً فشيئاً مع أقرانه ومشاركته في نشاط الجماعة تزداد مشاعره بالانتماء إلى الجماعة يوماً بعد يوم، حتى لقد تصبح الجماعة كل شيء بالنسبة له، وهذا الانتماء للجماعة الذي تزداد أهميته بالنسبة للمراهق لأنه يحل محل الروابط الأسرية إلى حد ما، مما يهيئه لأنواع جديدة من التكيف إزاء حياة الجماعة من البالغين. يقول: إن فائدة هذا الانتماء توفير الأمن، والحصول على مكانة، والشعور بالانتماء، كذلك الجماعة التي يحتك بها تعطيه فرصة أن يتعلم من طريقها شيئاً عن حقوق الآخرين؛ كما أنها تهيئ له مأوى من عالم البالغين، ثم لها في النهاية وظيفة تعليمية هامة؛ حيث يتعلم العمليات الاجتماعية القائمة، ويتخذ الدور الذي ينبغي أن يقوم به فيما بعد، ويتعلم أيضاً المنافسة والتعاون والقيم والأهداف التي تساعده في المشاركة في الحياة الاجتماعية. نفس الجماعة قد يكون لها تأثير ضار إذا كانت جماعة منحرفة، مثل التدخين والمخدرات.. كل هذا الفساد يأتي من هذه الجماعة، إذاً: يتعين بالنسبة لمن يريد السلامة لأبنائه في هذه المرحلة ربطهم بالمتدينين. وقد كنت أود أن أحضر لكم كتاباً مؤلفاً بالفرنسية ومترجماً باللغة العربية، كان البحث يتناول مشكلة انحراف الأحداث؛ والغريب أن الرجل الفرنسي الذي كتب هذا البحث قال كلاماً في غاية الروعة يقول: إن العاصم الوحيد من الانحراف بالنسبة للأحداث أو للشباب المراهقين هو أن يعيش من أجل عقيدة يقتنع بها، ويدعو إليها، ويضحي في سبيلها. هذا كلام رجل كافر، وإذا كان أكبر ما يحمي الشباب هو أن يعيش من أجل عقيدة يقتنع بها، ويعمل في سبيل نشرها، والدفاع عنها ويضحي في سبيلها، فلا أعظم ولا أنبل من عقيدة الإسلام ومنهج الله سبحانه وتعالى:  صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً  [البقرة:138]، فهذا هو طريق النجاة والسلامة للأبناء، والآباء لو فقهوا لما قلقوا ولا انزعجوا إذا ارتبط أبناؤهم بإخوانهم من الملتزمين في جماعة المسجد أو شلة المسجد؛ لأن هذا هو الذي يعصمهم من كافة المنزلقات في هذه المرحلة. لكن بعض الآباء يكون عندهم ازدواجية: هذا رجل غربي يقول لك: لن نعطيه الحرية المطلقة والاستقلالية، ونترك له الحبل على الغارب، ويرخي له العنان تماماً بكل أنواع الفساد التي يمكن أن يفعلها! بل حتى في البنات أيضاً يفعلون ذلك، حتى إذا ما التجأ ابن للدين والالتزام ولطاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه السلام والحياة من أجل الإسلام وبالإسلام ينزعج وينقلب إلى وحش كاسر، ونرى على الجهة المقابلة تماماً: الكبت.. المنع من صلاة الجماعة.. الخوف عليه أن يفرضوا عليك، وهل إذا انحرف عن سبيل الله سيسلم وسينجو؟ لا! إن الله سبحانه وتعالى قد يبتليه، ويكفي أن يبتلى مثلاً بالمخدرات، ومثل هذا ينتهي تماماً إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى، ولذلك نجد أن من أقوى الأسلحة لدى أعداء الإسلام نشر وتهريب المخدرات؛ لأنها تحطم الشخص تماماً من الحياة، وقل من يسلم منها إذا دخل في أسرها، وكذلك التدخين والفساد الأخلاقي والانحرافات، كل هذه تنشأ بسبب البعد عن العقيدة والبعد عن الله. إذاً: ليس لهذه المحن من كاشفة إلا الالتزام بطاعة الله سبحانه وتعالى، والثبات على طريق الإسلام الذي هو دين الفطرة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت. ......

 موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1904 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2385 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1859 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2834 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1468 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦