الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ماذا بعد رمضان!

ليس المهم الكم؛ فقليل دائم خير من كثير يتوقف

ماذا بعد رمضان!
أحمد رشوان
الأحد ١٠ يوليو ٢٠١٦ - ٢٠:٤٦ م
1543

ماذا  بعد رمضان!

كتبه/ أحمد رشوان

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ثم أما بعد؛

نحمد الله تعالى أن بلغنا رمضان، واستطعنا فيه الصيام والقيام وقراءة القرآن،  ونسأل الله أن يتقبل منا جميعا ويبلغنا رمضان أعواما عديدة؛ ولكن السؤال الآن: ماذا بعد رمضان؟ وماذا لو لم ندرك رمضان آخر؟

لا أدري لماذا في نهايه كل رمضان أتذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم، وموقف سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، عندما وقف وقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)؛ فمن كان يعبد رمضان فرمضان قد ولّى وفات، ومن كان يعبد الله فهو رب رمضان وشوال وجميع الشهور وهو حي لا يموت، ومن ينقلب على عقبيه فيرجع للغفلة والتمتع بالحياة بعدما ذاق حلاوة الإيمان في الصيام والقرآن والقيام فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين.

وشكر الله لا يكون إلا بالعمل؛ فهل ندرك هذا فنستمر ونثبت على الطاعة؟ أم يكون حالنا كما سمعنا في القرآن: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) ويكون حالنا كما سمعنا في القرآن في رمضان: (ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) وكما سمعنا في القرآن: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ) فأول الأمر يكون انصراف عن الطاعة، يتبعه صرف للقلب، فبعدما كان القلب يتحرك ويتمنى الطاعة في رمضان يصبح بعد رمضان مصروفا عن العبادات يستثقلها رويدا رويدا حتى يتركها، وهذا بسبب عدم الفقه؛ فالفقيه هو من يستقيم بعد رمضان ويخشى أن يكون من الذين صاموا وفرحوا بالصوم وقاموا وتأثرت القلوب بل وبكوا وتحركت العيون ولربما اعتكفوا وراجعوا حساباتهم ثم بعد أن أتاهم الذكر والتذكر أعرضوا عنه مرة أخرى، ولربما كان هذا في أول ليلة بعد رمضان، ففي ليلة العيد ينتكس الكثير إلا من رحم ربي.

تخيل أخي وحبيبي نفسك في هذا الموقف -وإن كانت الآية في الكفار ولكن لنتدبر سويا- تأتي يوم القيامة وقد صمت وصليت وسمعت القرآن ولكنه لم يغير فيك شيئا، بل بعد رمضان لم تثبت، وإنما أعرضت عما سمعت، فتأتي يوم القيامة فتجد نفسك قد عميت، لأنك عميت عن القرآن بعد رمضان، -فالجزاء من جنس العمل- فتسأل: ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؟ فيقال لك: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها !!!

يالله، بعدما بكيت في رمضان من القرآن تنسى بعد رمضان فيكون الجزاء "وكذلك اليوم تنسى"؟! يارب احفظنا ولا تجعلنا من هؤلاء.

والحل في قوله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا"  هذه الآية التي سمعناها في سورة هود التي قال النبي صلى الله فيها: "شيّبتني هود وأخواتها" هي الحل؛ فالاستقامة بعد رمضان نجاة وأمان؛ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)

وليس المهم الكم؛ فقليل دائم خير من كثير يتوقف، فركعتان بالليل -بعدما كنت تصلي القيام وتتهجد- يكفيان إن حافظت عليهما، وصيام يومان أسبوعيا (الإثنين والخميس) يكفيان إن حافظت، وقراءة ورد يومي يكفي ولو قليل إن حافظنا؛ أما أن نترك بالكلية فهذا انتكاس نعوذ بالله منه.

وأسباب الاستقامة بعد رمضان كثيرة، منها: الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ومنها: سماع الذكر والمواعظ بعد رمضان، فالله عز وجل قال: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" والله عزّ وجلّ قال عن سيدنا آدم -عندما خالف وأكل من الشجرة- : "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا"؛ فالعبد بعد رمضان قد ينسى فضل الطاعة فيقل عزمه عليها فيتركها، أما لو ظل متذكرا لفَعَلَها.

وأهم سبب للثبات والاستقامة بعد رمضان هو الصحبة؛ واستمع إلى قول الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) نعوذ بالله من الصحبة السيئة؛ فكما قالوا: "الصاحب ساحب" لأنه يسحب صاحبه للطاعة إن كان مطيعا، ويسحبه للمعصية إن كان من أهلها، نسأل الله العظيم أن يتقبل منا أعمالنا في رمضان ويبارك لنا فيه، ويرزقنا الثبات على الطاعات والاستقامة بعد رمضان إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة