الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أعظم مشاريع استثمارية

قد يجتمع للعبد فى شئ واحد عدة منافع

أعظم مشاريع استثمارية
جمال فتح الله
الجمعة ٢٩ يوليو ٢٠١٦ - ١٦:٤٩ م
1281

أعظم مشاريع اســــتثمارية

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده؛

قال الله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ".

قال ابن العثيمين رحمه الله تعالى: "ستة أشياء كلها محببة للناس مُزينة لهم, ولكنهم مختلفون فيها, فمنهم من يغلب فى حقه جانب النساء, ومنهم من يغلب فى حقه المال, وهكذا، وبدأ بالنساء لأنهن أعظم فتنة وأضر وأخطر".

كلٌّ يتفاخر بما يناسبه من هذه الأشياء, ولكن هل هذه الأشياء باقية ؟ وهل أهلها باقون ؟

الجواب: اسمعه من الرب عزوجل: "ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". أي شئ يتمتع به الإنسان في دنياه فقط, "وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ" .وقول النبى صلى الله عليه وسلم: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها".

وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى: "فلما زُينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المُثيرات, تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم, وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم جعلوها هي المقصود, فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها, فشغلتهم عمَا خُلِقوا لأجله, وصحبوها صحبة البهائم السائمة, يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها ولا يبالون على أيّ وجه حصَلوها, فهؤلاء كانت لهم زاداً إلى دار الشقاء والعناء والعذاب, والقسم الثاني: العقلاء العلماء؛ عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحاناً لعباده ليعلم من يُقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته, فجعلوها وسيله لهم وطريقاً يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانه به على مرضاته, قد صحِبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم, فجعلوها معبراً إلى الأخرة ومتجراً يرجون بها الفوائد الفاخرة ".أ هـ

هؤلاء العقلاء عرفوا طريق الاستثمار العظيم, لأنهم تعلموا من القرآن, وتدبروا في مثل الآيه السابقة, وكذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال فيه: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)

ثلاث مشاريع استثمارية عظيمة جداً, فهل يكون عندنا الهمة العالية لنشترك في الثلاثة؟, أو على الأقل نفوز بواحد منها؟

العلماء العقلاء هم الذين يستفيدون من الحياة الدنيا, ويتنعمون فيها بالطاعات, ويأخذون زادهم للأخرة, كأم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها.

المشروع الأول: الصدقة الجارية؛ هي التى يستمر نفعها بعد موت صاحبها, وذلك كالوقف للعقارات التي ينتفع بمغلها, أوالكتب والمصاحف التى ينتفع باستعمالها والانتفاع بها, أو المساجد والمدارس والبيوت وغيرها التي ينتفع بها, أو سبيل المياه, وخصوصاً الأوقاف التي فيها الإعانة على الأمور الدينية كالعلم والجهاد, وكذلك مواقع القرآن والأحاديث وشرحها تسهيلاً على طلبة العلم, وقنوات تلاوة القرآن الكريم, وغيرها كثير.

المشروع الثاني: العلم النافع؛ العلم الذي يقرب من الله تعالى, ويجعل صاحبه متواضعاً تقياً نقياً, قال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" الذي ينتفع به من بعده, كالعلم الذي علمه الطلبه المستعدين للعلم, والعلم الذي نشره بين الناس, والكتب التي صنفها في أصناف العلوم النافعة, فكم من علماء هداة ماتوا من مئات السنين, وكتبهم مستعملة, وتلاميذهم قد تسلسل خيرهم وذلك فضل الله, قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا  يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم.، ولهذا قال أهل العلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مثل أجور أمته؛ لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه.

قال صلى الله عليه وسلم: "من يُرِد ِاللهُ بهِ خيراً يُفقهُ فى الدينِ", اللهم علمنا ما ينفعُنا, وانفعنا بما علمتنَا.

المشروع الثالث: الولد الصالح؛ الصالح .! شرط ثقيل, الذي يبدأ صلاحه من صلاة الاستخارة قبل الزواج, واختيار الزوجة الصالحة, والذكرعند اللقاء, وسماع  الزوجة القرآن أثناء الحمل, والدعاء, والاسم الجميل, والعقيقة, وضوابط شرعية كثيرة.

إن الأولاد مسؤولية ثقيلة في أعناق والديهم، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدعون الله بصلاح الذرية قبل حصولها، قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ)، وقال زكريا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ).

 وليس أسعد للإنسان من أن يرى أبناءه وقد أصبحوا رجالاً ومشهورين وأغنياء وأصحاب جاه وسلطان ويشار إليهم بالبنان. 

فالابن الناجح فرحة، والابن الغني عز، والابن المشهور فخر وتسعد به الأسرة.. ولكن، أين من كل تلك الصفات "الصفة" الحقيقية التي يجب أن يبحث عنها الأب أو الأم؟ والواقع أنه ليس في كل الصفات التي ذكرت سابقا ما يبحث عنه الأب البعيد النظر؛ فالأب المدرك لعواقب الأمور، قد يسعده الابن صاحب "الصيت" والغنى، ولكن ليس هو ما يعول عليه أو يتمناه.

ما يرجو ويتمنى كل أب هو أن يرى وقد ترك خلفه ابنا صالحا -صلاح تقوى وليس صلاح مهنة-، ابنا يدعو له، فهو الرصيد عندما ينقطع العمل وينتقل الأب إلى الدار الآخرة، فليس ينفعه هناك شيء من "فلاح" الابن، فنجاح ابنه أو شهرته أو سعة رزقه لن تسعفه فيما بعد، وإنما ما يلحق به هناك هو الدعوة البارة في لحظة استجابة من ابن صالح.

المقصود بصلاح الولد الإيمان وأداء الفرائض واجتناب الكبائر, وقال المناوي في "فيض القدير": ولد صالح أي مسلم . وقال القاري في "مرقاة المفاتيح": ولد صالح أي مؤمن، كما قاله ابن حجر المكي, وعلى ذلك فتقصير الإنسان في بعض الأمور أو ارتكابه لبعض الذنوب لا يمنع والديه من الانتفاع بدعائه وصدقته عنهما.

الولد الصالح هو خير كنزٍ يتركه المسلم من بعده، فهو نافع لأبويه في حياتهما وبعد موتهما, بل إن الذرية الصالحة يُجمع شملها مع آبائها الصالحين في الجنة: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾، فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب لنَيْل الولد الصالح.

 

على المسلم أن يختار لأبنائه الأمَّ المسلمة التي تعرفُ حق ربها، وحق زوجها، وحق ولدها، والأم التي تعرف رسالتها في الحياة، الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن، الأم التي تغار على دينها، وعلى سنة نبيها, وذلك لأن الأم هي المصنع الذي سيصنع فيه أبناؤك، وهي المدرسة التي سيتخرَّجون فيها؛ فإن كانت صالحة أرضعتْهم الصلاح والتقوى.

وقد يجتمع للعبد فى شئ واحد عدة منافع, كالولد الصالح العالم الذي سعى أبوه في تعليمه, وكالكتب التي يقفُها أويهبها لمن ينتفعُ بها.

 

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"."

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
59 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
60 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
40 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
91 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
94 ١٩ يونيو ٢٠٢٣