الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من هنا.. شرف الأمة وعزها ومجدها

ما تحفظ الأمة إلا بثلة قليلة من المتهجدين لله جل وعلا بالليل

من هنا.. شرف الأمة وعزها ومجدها
رضا الخطيب
الاثنين ٠١ أغسطس ٢٠١٦ - ١٤:٢٠ م
2206

من هنا.. شرف الأمة وعزها ومجدها

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أخي الحبيب: لاتتعجب حين أتكلم في موضوع تظن أن وقته قد مضى وانتهى

بانقضاء رمضان..

اعلم رحمني الله وإياك أن شعار الصالحين في كل وقت وحين قيام الليل؛

فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم ومنهاة عن الإثم وتكفيرللسيئات.

والذي يدفع للكلام عنه أنك إذا تأملت حال الأمة رأيت حالتهم تقطع الأكباد وتدمي القلب، وإذا أراد إنسان أن يفكر في إصلاح الأمة فلن يصلح آخر هذة الأمة إلا بما صلح به أولها.

 فالهداية في أول هذا الأمر كانت في إصلاح القلوب وربطها بعلام الغيوب لاسيما بقيام الليل، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد قاموا الليل في بدء الدعوة اثنتي عشر شهرا كاملا حتى انتفخت سوقهم وتورمت أقدامهم.

ومن العجيب الغريب الذي يلفت أذهان العقلاء أن الله افترض قيام الليل قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن تشرع الحدود، بل وقبل أن تفرض الصلوات الخمس،

ورغم ذلك لم يترك الصحابة قيام الليل، فرباهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها وربوا هم التابعين عليها وورّثوها للأمة من بعده حتى صار شعارا لهم وعلامة عليهم، ولذلك عندما رُبّي الرعيل الأول على هذا المعنى خرجت نماذج من جيل فريد ماعرفت له البشرية نظيرا.

وهذا الأمر من الأهمية بمكان؛ لأن الإنسان إذا خلا بربه جل وعلا واتصل قلبه بالله في جنح الليل حينئذ طهر القلب ونزلت عليه الفوائد ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

وإذا طهر القلب فإنه في حالة استعداد لتلقي كل أمر من أوامره جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان القلب فيه فساد فلن يتقبل أي أمر من أوامره جل وعلا, فقيام الليل عبادة جامعة لطهارة القلب، وما يقوم الليل منافق،

وكان قتادة يقول: "كان يقال: قلما سهر الليل منافق".

وقيام الليل هوباب التزكية الأعظم للقلوب وإقبالها على علام الغيوب "ولايزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التي يبطش بها"

قيام الليل هوشرف الأمة وعزها ومجدها؛ "واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل"، فقيام الليل يشرف به الوضيع ويعزّ به الذليل.

 

وقيام الليل عنوان علو الهمة؛ فحياة النفس في السمو، ونجاتها في العلو، وفي قيام الليل علو الهمة، وكم فيها من صلاح للدعوة وحياة الأمم، فإذا كان قيام الليل للمسلم ضرورة فللدعاة إلى الله والمربين أشد؛ فمن يتربى ويتخرج في مدرسة الليل يؤثر في الأجيال التي بعده؛ "بحسبك أن قوما موتى تحيا القلوب بذكرهم وأن قوما  أحياء تقسو القلوب برؤيتهم"، فالأمة في أشد الحاجة لمن يستنهض همتها ويربيها على ماتربى عليه الجيل الأول؛ فبادر بنفسك أولا وأحيِ ليلك بما يرضي ربك، فعز الأمة وشرفها يبدأ من محرابك.

كان صلاح الدين الأيوبي يتفقد العسكر في خيامهم ليلا فإذا سمع قراءتهم للقرآن وصلاتهم بالليل يقول: من هنا يبدأ النصر إن شاء الله؛ لأنه علم أن هذا سرعزهم ومجدهم ونصرهم على عدوهم.

ولما هُزم الروم أمام المسلمين قال هرقل ملك الروم لجنوده: مابالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظماء الروم: "من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار"

وسأل هرقل أحد جنوده: "أخبرنى عن هؤلاء القوم؟ فقال: أخبرك عنهم كأنك تنظر إليهم، هم فرسان بالنهار رهبان بالليل، لايأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولايدخلون إلا بسلام، ويقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه. فقال هرقل: لئن صدقت ليملكنّ موضع قدميّ هاتين.

قال ابن الأثير: لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل الملك نور الدين، قال ابن كثير: "كان كثير الصلاة بالليل من وقت السحر"، وكذلك كانت زوجته عصمت الدين خاتون تكثر القيام في الليل، فنامت ذات ليلة عن وردها فأصبحت وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها، فذكرت نومها الذي فوّت عليها وردها، فأمر نور الدين عند ذلك بضرب طبلخانة في القلعة وقت السحر، لتوقظ النائم ذلك الوقت لقيام الليل، وأعطى الضارب على الطبلخانة أجرا جزيلا.

قال ابن كثير: "وكان مدمنا لقيام الليل، يصوم كثيرا، مجاهدا في الفرنج، صحيح الاعتقاد" وقال عنه: "كان كثير الصلاة بالليل، كثير الابتهال في الدعاء والتضرع إلى الله عزوجل فى أموره كلها"

وقال الفقيه أبو الفتح الآشري: "بلغنا عن جماعة ممن يعتمد على قولهم أنهم دخلوا القدس للزيارة أيام أخذ الفرنج القدس فسمعهم يقولون: إن نور الدين له مع الله سر، فانه لم يظفر وينصر علينا بكثرة جنده وجيشه وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يديه إلى الله ويدعو فانه يستجيب له ويعطيه سؤله فيظفر علينا".

أخي الحبيب:

احذر؛ فقد روى البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل عبد الله لوكان يصلي من الليل" وهو من هو، عبد الله بن عمر الشاب الذي تربى في مسجد رسول الله وأبوه الفاروق عمر, وروى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي قال: "ياعبد الله لاتكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل" فإياك إياك أن تترك قيام الليل بعد رمضان؛

فأحيوا الليل فيكم وفي أهليكم فوالله ماتحفظ الأمة إلابثلة قليلة من المتهجدين لله جل وعلا بالليل، ولولاأهل الطاعة لهلك أهل المعصية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة