السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

سمات العبادة.. التفاضل

قم عبد الله على مطالعة صالح الأعمال حتى تجد منها ما يناسبك حتى تكون من أهلها

سمات العبادة.. التفاضل
نور الدين عيد
الثلاثاء ٠٢ أغسطس ٢٠١٦ - ١٣:٠٣ م
1479

سمات العبادة.. التفاضل

كتبه/ نور الدين عيد

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فإن العبادة التي أمر الله –عزوجل- عباده أن يقوموا بها ليست على درجة واحدة، بل تتفاوت وتختلف رتبتها وأثرها في قلب العبد وحاله وعمله، فإن رجحان عبادة على أخرى وتفاضلها يثمر في قلب فاعلها مالا يثمره المفضول أو المرجوح، وفي كل خير في امتثاله والقيام به، غير أن عمر العبد قصير يحتاج فيه لصحة قلب يقوى به سيره وثقل ميزان يجاور به سيده، لذلك حرص الجيل الأول -الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصنعهم الله على عينه- على أن يسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خلاصة السبل، وأقصر الطرق لرجحان ميزانهم، فإن امتثال العبادة قد تدخله العشوائية كسائر الأعمال، بأن ينشغل بمفضول عن الفاضل، أو ينشغل بالمكمل مع فقدان أصله، أو يغفل عن عبادة فيها شفاؤه ودواؤه بأخرى لا أثر لها في شفاء علته.

وهذا لجهل السالك وغفلته، فقد ينجر العابد لحروب لا زيادة لإيمانه فيها فضلاً عن أن يكون حتفه فيها، فإن القرائن معتبرة وما ظهر مصلحته على مفسدته صار مشروعًا مقربًا، وما كانت مفسدته غالبة على مصلحته فليس بمشروع، وإن دخلت بالتأويل، وهذا يستلزم مزيد عناية بإبصار الطريق ومعالمه.

لم يجعل الشارع أحكام الشريعة متساوية، بل نوّع وفاضل بين كل عبادة من العبادات، فجعل لكل عبادة من الميزات والخصائص ما تختلف به عن غيرها، ولوقوع التفاضل في الشريعة مقاصد عظيمة، وحِكَم جليلة، تتجلى فيها عظمة هذه الشريعة، وكرم المشرع سبحانه وتعالى؛ لذلك جاءت الآثار في ذكر التفضيل حتى يغتنم كل أمر بابًا يكون من أهله، فيأخذ كلٌ لما يناسبه ويصلح له، ونصت الأدلة على وقوع التفاضل في كل شيء، قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}، وقال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلني ربي على الأنبياء، أو قال على الأمم، بأربع، قال: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدًا وطهورًا فأينما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي وأحل لنا الغنائم" رواه الترمذي، وأما في العبادات فظاهر: عن أبي ذر، قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله؟" قال قائل: "الصلاة والزكاة"، وقال قائل: "الجهاد"، قال: "إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله، والبغض في الله" رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط ، وروى النسائي في الكبرى: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الْكَلَامِ أَرْبَعٌ، لَا تُبَالِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأْتَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ "، وفي رواية ابن ماجة، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

 لذلك قال الكرمانى رحمه الله: "الفضل: مقابلة الثواب في مقابلة القلة، والخير: النفع في مقابلة الشر، فالأول من الكمية والثاني من الكيفية"، وهذا في موطن التفضيل له ثمار عظيمة جلية يثمرها العامل بالأفضل والأحب إلى الله بالكم والكيف، فلذلك ظهر فقه الصحابة في سؤالهم عن أجناس وأفراد العبادات التي تثقل الميزان ويستقيم بها القلب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: "ثم ماذا؟" قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: "ثم ماذا؟" قال: "حج مبرور".

عن عبد الله بن مسعود، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها"، قال: "قلت ثم أي؟" قال: "بر الوالدين" قال: "قلت: ثم أي؟" قال: "الجهاد في سبيل الله" فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه" رواه مسلم، عن أبي وائل: أن الصبي بن معبد، كان نصرانيًا تغلبيًا أعرابيًا فأسلم، فسأل: أي العمل أفضل؟ فقيل له: "الجهاد في سبيل الله عز وجل"، فأراد أن يجاهد، فقيل له: "حججت؟" فقال: "لا"، فقيل: "حج واعتمر، ثم جاهد"، فانطلق، حتى إذا كان بالحوائط أهل بهما جميعا، فرآه زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة، فقالا: "لهو أضل من جمله، أو ما هو بأهدى من ناقته"، فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فأخبره بقولهما فقال: "هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم".

قال الحكم: "فقلت لأبي وائل: حدثك الصبي؟" فقال: "نعم" رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، عن عمرو بن العاص، قال: قال رجل: "يا رسول الله، أي العمل أفضل؟" قال: "إيمان بالله وتصديق، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور" قال الرجل: "أكثرت يا رسول الله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلين الكلام، وبذل الطعام، وسماح وحسن خلق" قال الرجل: "أريد كلمة واحدة"، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فلا تتهم الله على نفسك" رواه أحمد وقال الأرناؤوط: "يحتمل التحسين"، قال السندي: "قوله: "أكثرت"، أي: أتيت بأعمال شاقة على النفس"، "فلا تتهم" نهي من الاتهام، كان المراد: فوض أمرك إليه ثم لا ترينه فعل بك شيئا من الشدة من غير استحقاق منك به، أي: فوض أمرك إليه ثم كن راضيًا منه بما فعل، والله تعالى أعلم.

فهذا السؤال ينم عن تفاوت في البشر بما يناسبهم من أعمال يكونون لها أهلاً، لذلك تنوعت إجابات الشرع في أسئلتهم بما يناسبهم، عن عبد الله بن بسر قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان، فقال أحدهما: "من خير الرجال يا محمد؟" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من طال عمره، وحسن عمله"، وقال الآخر: "إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فباب نتمسك به جامع؟" قال: "لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله" رواه أحمد بسند صحيح، عن طلحة بن عبيد الله، أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثائر الرأس، فقال: "يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟" فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا"، فقال: "أخبرني ما فرض الله عليّ من الصيام؟" فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا"، فقال: "أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟" فقال: "فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرائع الإسلام"، قال: "والذي أكرمك، لا أتطوع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق" رواه البخاري، فمما يستفاد من هذه النصوص أن يقوم كل عبد بما يستيطعه من المحبوبات والراجحات والمفضلات من القربات، ولا يلزم أن يكون من أهلها جميعًا فهذا ضرب من منال البعيد، عن ثوبان قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" رواه مالك وأحمد.

فقم عبد الله على مطالعة صالح الأعمال حتى تجد منها ما يناسبك حتى تكون من أهلها، عن عبد الله بن سفيان، عن أبيه، قال: "يا رسول الله، أخبرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدًا بعدك"، قال: " قل: آمنت بالله، ثم استقم"، قال: "يا رسول الله فأي شيء أتقي؟" قال: "فأشار بيده إلى لسانه" رواه أحمد، وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه وفيه: "ثم أتيته فقلت: "يا رسول الله، مرني بعمل"، قال: "عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له"، قال: "فما رُؤي أبو أمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صيامًا"، قال: "فكان إذا رؤي في دارهم دخان بالنهار قيل اعتراهم ضيف، نزل بهم نازل، قال: "فلبثت بذلك ما شاء الله"، ثم أتيته فقلت: "يا رسول الله، أمرتنا بالصيام فأرجو أن يكون قد بارك الله لنا فيه يا رسول الله، فمرني بعمل آخر"، قال: "اعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة"، رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، فاعمل لذلك ساعياً فقد تكون من أهل الصلاة أو الزكاة أو الصدقات أو البذل أو العلم أو سلامة الصدر أو الحب في لله أو غير ذلك مما تطيقه من العبادات، والسعيد من وفقه الله، والمحروم من هلك، ولا يهلك على الله إلا شقي، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com