الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ

كيف لا يتوكل العبد على الله وقد شرفه بعبادته والعمل في خدمته والعمل لدينه

فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ
أحمد أمين
الجمعة ٠٥ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٤:٥٢ ص
1166

فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ

كتبه/ أحمد أمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وآله وصحبه وعباده الصالحين، أما بعد

آيات والله شفاء لما في الصدور، أنزلها الله على رسوله ثبيتا للقلوب، وتوجيها لقلوب المؤمنين إلى ما يجب أن ينشغلوا به اعتقادا وعملا

قال الله تعالى:

(وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ  وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ  وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة هود 121 - 123]

 

مواجهة أي تحدٍ تكون بالعمل على تحصيل المكانة عند الله، وببذل غاية الإمكان في طاعة الله، هذا هو الهدف الأسمى الذي لا يملك أحد أن يحول بينك وبينه

فإن فعلت ذلك فسيكون الوقت في صالحك مهما حدث من متغيرات ومكر

(وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) فالعامل بطاعة الله ينتظر إحدى الحسنيين، ويعيش في معية الله آمنا بالله، ينتظر الفرج والنصر، والأهم ينتظر رضا الله ولقاءه وجنته

 

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)

لا تظن لأن البشر يخططون أنهم يعرفون ما سيجري غدا، بل لله فقط العلم الكامل، بما كان وبما سيكون في الأرض، (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَاشَاءَ)، ولا يقدرون على أمر قدري إلا بأمر الملك الذي يملك ويرجع إليه الأمر كله دِقّه وجلّه.

أما أمر السماء الذي منه التدبير وإليه يصعد العمل فهو أظهر أنه لله وحده علما وقدرة، لا يملكون منه مثقال ذرة.

فإذا ظننت تمكن أحد من أمر ما في الأرض، فارفع رأسك إلى السماء، تنبؤك أن العلم والغيب والأمر كله لله سبحانه وبحمده (سْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، قال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض، يحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا، ويفك أسيرا، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم . وعن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا.

وفي صحيح ابن ماجه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويخفض آخرين * (حسنه الألباني رحمه الله)

(فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) هذا هو واجب الوقت، وواجب كل وقت والله، أن نؤدي ما علينا لله مخلصين له الدين، ونتوكل عليه في الإعانة على هذه العبادة، ونتوكل عليه في تحصيل نتائج هذه العبوديات، سواء كانت نتائج نرجوها في الدنيا أو في الآخرة؛ فهو الأول والآخر سبحانه وتعالى، منه السبب وإليه العمل، ومنه النتيجة والفضل والجزاء، وهو المسؤول المرجو أن يتم علينا ما بدأ من نعم.

وكيف لا يتوكل العبد على الله وقد شرفه بعبادته والعمل في خدمته والعمل لدينه، في حين أضاع آخرون أعمارهم في البعد والسعي في إبعاد الخلق عن الله

إن استشعار نعمة الهداية مما يهون على العبد ما يلقاه ويرى نفسه في نعيم إذا قارن بين ألم الدنيا وبين ألم فقد الهداية، ألم وعذاب لا يرجى معه أجر ولا نصر، إلا أن يدرك الله العبد بتوبة، نعوذ بعزة الله لا إله إلا هو أن يضلنا، ولسان حال العبد ومقاله: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (إبراهيم12).

قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية: "فالعبد آفته إما من عدم الهداية، وإما من عدم التوكل، فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه" (مدارج السالكين ص 467).

(وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) تذكر... ولو لم تجد نتيجة فورية لعملك أو طال ليلك وبلاؤك، أن الله يراك سائر على طريقه، يراك وأنت تسير على الشوك قابضا على الجمر من أجل تحقيق عبوديته، وطمعا في رضاه، كفى بنظر الله إليك دافعا ومعينا على استعذاب المشاق في سبيله حتى تلقاه فيجازيك بها جزاء الكريم المنان، الرحيم بعباده المؤمنين، وهو سبحانه يكره مساءة المؤمن، ولكن يقدر البلاء رحمة بعباده وتطهيرا لهم واصطفاءً، وهو عالم بآلامهم وصبرهم.

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه، رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة