السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4) محنة السجن

هذه الأحداث تتلخص في مشهدين: أحدهما: مشهد كيد النساء، وقرار السجن الظالم. والثاني: مشهد حياة السجن ومواقفها المختلفة

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4) محنة السجن
سعيد محمود
الأربعاء ١٠ أغسطس ٢٠١٦ - ١٢:١٠ م
2850

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4)

(محنة السجن)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- ذكر ملخص لما سبق للوقوف على بداية الحديث هذه المرة.

- الإشارة إلى أن الحديث هذه المرة يدور حول محنةٍ جديدة، وهي دخول يوسف -عليه السلام- السجن مِن جراء قرار ظالم للمرأة وزوجها، وبمباركة نسوة القصور المجاورة.

- الإشارة أن هذه الأحداث تتلخص في مشهدين: أحدهما: مشهد كيد النساء، وقرار السجن الظالم. والثاني: مشهد حياة السجن ومواقفها المختلفة.

المشهد الأول: مشهد كيد النساء، وقرار السجن الظالم:

قال الله -تعالى-: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ . قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ . قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ . وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ . يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) (يوسف:30-41).

- ملخص الآيات: يذكر الله -تعالى- ما كان مِن قِبَل نساء الأمراء والكبراء في الطعن على امرأة العزيز في مراودتها فتاها -خادمها في نظرهن-، وما كان مِن امرأة العزيز، وأنها أرادت أن تبسط عذرها عندهن، وتبيِّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا مِن قبيل الفتيان عندهن؛ فأعدت لهن ضيافة، وأحضرت لهن طعامًا يُقطع بالسكاكين، وأمرت يوسف -عليه السلام- أن يخرج عليهن؛ فلما رأينه أعظمنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، حتى جعلن يحززن في أيديهن بالسكاكين ولا يشعرن بالجراح، فما كان منهن إلا أن  جعلن يحرضنها على ذلك، بل ويطلبن طلبها، ويشهد لذلك قوله: (مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) (يوسف:51)، فما كان منه -عليه السلام- إلا الإباء، وسؤال رب السماء أن يصرف عنه ذلك؛ فاستجاب الله لدعائه ونجاه مِن مكرهن.

- (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا): لم يكن إنكار النسوة؛ لأنه حب محرم، وإنما كان لأجل أنه عبد وخادم في القصر! "وكلام أكثر الناس عن الحب تراه لا ينصرف إلا إلى العلاقة المحرمة بيْن رجل وامرأة، والتي جعل الإسلام لها طريقًا شرعيًّا لمن ألقى الله في قلبه امرأة أو العكس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابَّيْن مِثْلُ الْنِّكَاحِ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)".

- (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ): ذهب حياء المرأة بالكلية لما وجدت الكل يطلب طلبها، ولقد أصبحت العفة والاستعفاف جريمة يعاقب عليها قانون نساء القصور والطبقة الراقية -كما يقولون!-.

- (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ): سجن الأبدان أهون مِن سجن الأرواح والقلوب عند الصالحين؛ فالروح الصالحة تحيا مع الطاعة لله والقرآن، والدعاء والصلاة والتقرب إلى ربها، وهذا يكون في أي مكان؛ سجنًا كان أو قصرًا، والأبدان تتألم في البداية لما اعتادته ثم تتعايش مع الواقع. ذكر ابن القيم -رحمه الله- عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه كان يقول وهو في السجن: "ماذا يفعل أعدائي بي، إن جنتي وبستاني معي في صدري حيث حللت، وإن سجني خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة!".

- (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ): نعم، السجون قبور الأحياء، ولكن ينورها العمل الصالح والقرآن والتضرع، والقبر إما روضة وإما حفرة، والفرق هو رفيق المقبور، وكذلك السجون إما رحمة وإما عذاب، والفرق هو رفيق المسجون؛ لما أُدخل شيخ الإسلام -رحمه الله- السجن وأغلقوا عليه الباب، نظر إليه وتلا قوله -تعالى-: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (الحديد:13)، وكان يقول وهو في سجنه: "لو أملك ملء القلعة -السجن- ذهبًا ما استطعت أن أكافئهم على ما قدموه لي مِن الخير".

- (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ): السجن الطويل عقوبة فرعونية لا تُعرف في الإسلام (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)، ولا يعرف في الإسلام إلا في حبس صاحبة الفاحشة في البيت ثم نسخ بالحدود، وقد اتخذها الغرب عمدة في تشريعات العقوبات زعمًا مراعاة حقوق الإنسان، والواقع يدل على أنها تفسد خلق وبدن الإنسان.

المشهد الثاني: حياه السجن ومواقفها المختلفة:

قال الله -تعالى-: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

أولاً: حال يوسف في السجن "تعبد وإحسان":

- (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ): يقدِّر الله البلاء، ويقدر معه أسباب الفرح للصالحين، فلقد كان أحدهما سببًا لخروج يوسف -عليه السلام- مِن السجن.

- (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ): لم يستسلم يوسف لهم الأحزان والأفكار، ولا طول الحديث عن الظلم الذي وقع عليه، وإنما انشغل بالعبادة ومواساة الرفقاء والإحسان إليهم، من عيادة المريض، وإعانة الضعيف، وإيثارهم بالطعام والشراب ونحوه.

- (قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ): أهل السجون تكثر فيهم المنامات، وهذا مِن رحمة الله، فكأنه لما حبست أجسادهم، انطلقت أرواحهم خارج جدران السجون ترى ما يريها الله مِن الآيات والرحمات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ) (متفق عليه).

- (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ): هكذا الداعي الناجح، محسن مع ربه، محسن مع الناس، قالت خديجة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بُعث: "والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" (رواه البخاري).

- (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ): الإحسان إلى الناس سبب في استجابتهم، انظر إلى ثمامة بن أثال بعد إحسان النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملته وهو أسير، ذهب ثم رجع فقال: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ" (متفق عليه).

- (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ): يوسف -عليه السلام- الداعية العظيم، يستغل حاجة الناس الدنيوية لدعوتهم للدين "الداعي الطبيب - المدير - المدرس - الحرفي - ... ".

ثانيًا: دعوة إلى الله في كل الظروف:

- (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ): قدَّم يوسف -عليه السلام- أمر دعوتهم على قضاء حاجتهم؛ لأنه أنسب، فمن فقه الداعي إذا كان للناس عنده حاجة أن ينظر في طبيعة المدعو ليكون في أنسب حال مِن ثلاثة:

أولها: دعوتهم قبْل قضاء حاجاتهم، ومثاله أصحاب السجن مع يوسف -عليه السلام-.

ثانيها: قضاء حاجاتهم قبْل دعوتهم، ومثاله: تقديم يوسف -عليه السلام- النصيحة الدنيوية للملك بتفسير الرؤيا قبْل دعوته.

ثالثها: اشتراط استجابتهم قبْل قضاء حاجاتهم، ومثاله: غلام الأخدود لما قال لجليس الملك الأعمى: "إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ" (رواه مسلم).

- (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ): تلطف في الإنكار وبيان الحق مع مراعاة عدم تنفيرهم، فلم يقل لهم: "ملتكم كافرة"، وكذلك فعل صاحب يس: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس:22)، (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (يس:24).

- (مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ): فضلنا الله بنعمة التوحيد والإسلام، وخذل غيرنا بأن عبدوا الجمادات والحيوانات، والتماثيل والأخشاب، ولا يزال أكثر الناس يعبد غير الله!

- (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ): ذكر لهم صفات النقص في المعبودات الباطلة، وذكر صفات الكمال لله -عز وجل-، واختار ما يناسب حال المساجين مِن أسماء الله، فالمسجون انعدمت به السبل وتقطعت به الأسباب، فإذا علم أن مَن قهره مِن ملك أو ظالم، فوقه الله الواحد القهار الذي يقهرهم بالموت والمرض وغير ذلك؛ هان عليه الأمر، وتعلقت نفسه وقلبه بالواحد القهار.

- (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ): تصريح بعد طول تلميح ببطلان اتباع الآباء في الباطل، وهي أعظم شبهة عند الناس على مر الزمان "طلعنا لقينا الدنيا كلها كده!".

- (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ): يشتمل على النوعين: الكوني والشرعي، فالكوني يعني: أن الله -سبحانه- المتصرف في خلقه وملكه، وليس الملوك والمعبودات الباطلة، وهو أدعى أن يكون المعبود الواحد. والشرعي: يعني أن الله هو الحاكم بشرعه في خلقه، وليس للمخلوق حق التشريع.

- (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ): هذا هو الدين الصحيح؛ فلا تغتروا بكثرة الجاهلين المخالفين له.

- (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ): أي وقع لا محالة، فقد جاء في الحديث: (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).  

ولقد كان الأمر كما قال يوسف -عليه السلام-، وكما علمه ربه تأويل الأحاديث، أن خرج أحد السجينين، وقُتل الآخر، ولكن كيف كان أحدهما سببًا في خروج يوسف -عليه السلام- مِن السجن؟!

هذا ما سيأتي الحديث عليه في المرة القادمة -إن شاء الله تعالى-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة