الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السمة السادسة من سمات المنهج الإصلاحي: تقديم النموذج العملي

عليهم أن يستمروا في العمل على جميع المستويات الإصلاحية حتى يصلوا بالمجتمع إلى مرتبة التغيير والإصلاح

السمة السادسة من سمات المنهج الإصلاحي: تقديم النموذج العملي
محمد إبراهيم منصور
الأحد ١٤ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٨:٥٦ ص
1280

السمة السادسة من سمات المنهج الإصلاحي: تقديم النموذج العملي

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن الإصلاح ليس مجرد نظريات يُنادى بها وشعارات يُتغنى بها بدون نماذج عملية يرى الناس أثرها،

وتأثير النماذج العملية أقوى وأعمق من آلاف الشعارات والنظريات التي ليس لها واقع عملي معبر عنها؛ ولذلك قالوا: "فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل".

ولذلك فأصحاب المنهج الإصلاحي ينبغي أن يهتموا بتقديم النموذج على كل المستويات:

على مستوى الفرد والأسرة، على مستوى المجتمع، على مستوى الدولة ونظم الحياة.

فعلى مستوى الفرد يهتمون بإيجاد الأفراد الذين يحملون المنهج علما وعملا، فهما وتطبيقا، يضربون أروع المثل في الفهم والإدراك والعلم والعمل والأخلاق والسلوك.

ومن أمثلة ذلك نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي ضرب أروع المثل في العفة حين دعته المرأة ذات المنصب والجمال، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك، فما كان منه إلا أن: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.

وعلى مستوى المجتمع يهتم أصحاب المنهج الإصلاحي بإيجاد النموذج ولو على المستوى الضيق للمجتمع المتلاحم المتماسك المتراحم المتواد؛ "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". فيهتم أصحاب المنهج الإصلاحي بأمور مجتمعهم، فيعملون على تخفيف الآلام ورعاية الأرامل، وكفالة الأيتام ومواساة المصاب، وتعليم الجاهل والإصلاح بين الناس، والقيام بفروض الكفايات المستطاعة، وبذل الوسع واستفراغ الجهد في العمل على الإصلاح، وتكثير الخير والصلاح، وتقليل الشر والفساد.

ومن أمثلة ذلك وهو مثال عجيب في مجتمع ضيق وهو مجتمع المساجين، وهو مثال نبي الله يوسف في سجنه؛ قال ابن كثير: "وكان يوسف -عليه السلام- قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السمت وكثرة العبادة -صلوات الله عليه وسلامه-، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مريضهم".اهـ فكان يحسن إليهم ويخفف عنهم من آلامهم، ويعود مريضهم ويسري عن مهمومهم.

وقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بعثته، حتى قالت له خديجة رضى الله عنها: "أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".

وأما النموذج على مستوى إصلاح نظم الحياة فإنه لما كان اعتقاد كل مسلم أن الإسلام منهج حياة فإن أصحاب المنهج الإصلاحي ينبغي ألا يقتصرون على مجرد الشعارات والعبارات الرنانة، وإنما ينبغي أن يقدموا النماذج العملية التي تعبر عن هذا، والتي تدل على أن كل نظم الحياة يمكن أن تكون موافقة لهذا المنهج الرباني، وفي نفس الوقت تحقق التقدم والنمو والاستقرار، وذلك على جميع المستويات:

على مستوى التقنين تجد لهم أطروحات إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، على المستوى الاقتصادي تجد لهم أطروحات، على مستوى مجال الصحة والتعليم، وكل المستويات تجد لهم أطروحات،

هذه الأطروحات ليست خيالية، وإنما هي قابلة للتطبيق في الواقع.

تقديم النماذج وسنة التدافع

لا ينبغي لأصحاب المنهج الإصلاحي وهم يقدمون هذه النماذج أن يستعجلوا أثرها أو ثمرتها، وإنما لا بد أن يعلموا أنهم وهم يقدمونها تحكمهم سنن الإصلاح والتغيير، والتي منها سنة التدافع بين نماذج الصلاح والفساد والخير والشر.

قال عز وجل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ}.

والتدافع على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: مرتبة الإعذار، وهي: أن يقول ويقدم النموذج ولا يجد أثرا له، بل قد يجد من يشوه ويؤذي، لكن عدم رؤيته للأثر وحتى تعرضه للأذى لا يجعله ييأس أو يحبط أو يشك في منهجه أو طريقه، وحاديه في ذلك قول الله عز وجل:

{وإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.

المرتبة الثانية: مرتبة التأثير، وهي: أن يوجد من يقف مع هذه النماذج موقف المتدبر المتأمل، الذي يمكن أن يقتنع بذلك شيئا فشيئا. والنقلة من مرتبة الإعذار إلى مرتبة التأثير -عند من يعلم طبيعة المنهج الإصلاحي- نقلة كبيرة قد تأخذ وقتا طويلا، ولذلك فلا ملل ولا استعجال طالما أنهم يبذلون ما في وسعهم. وقد يحدث التأثير بل والتغيير في بعض القضايا، ويظل بعضها في مرتبة الإعذار، فيلزم أصحاب المنهج الإصلاحي أن يستمروا في جدهم واجتهادهم على كل المستويات قدر طاقتهم، ولا يقصروا في المستطاع لديهم، سواء كان في مرتبة الإعذار أو التأثير.

المرتبة الثالثة: مرتبة التغيير، فهذه المرتبة مع أن الاجتهاد في الإعذار والتأثير من أسبابها إلا أنها محض فضل من الله عز وجل، ليس على أصحاب المنهج الإصلاحي وحدهم، وإنما على المجتمع كله، ولا يستحق المجتمع هذا التغيير إلا بسنته التي لا تتبدل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

لذلك فقد يبذل أصحاب المنهج الإصلاحي طاقتهم وجهدهم ويبذلون الأسباب للإصلاح والتغيير لكن قد لا يكون المجتمع مستحقا لهذا التغيير بعد {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.

عن ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". (حسنه الألباني)

 

لذلك لا ينبغي لأصحاب المنهج الإصلاحي أن ينزعجوا أو ييأسوا، بل عليهم أن يستمروا في العمل على جميع المستويات الإصلاحية حتى يصلوا بالمجتمع إلى مرتبة التغيير والإصلاح، فهذا الجد والاجتهاد في حد ذاته عبودية يؤجرون عليها في الآخرة، وإن لم يروا ثمرتها في الدنيا ولا بد أن يتحلوا بطول النفس وعدم الاستعجال والصبر واحتمال الأذى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com