السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تركيا التي لا نعرفها

الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية

تركيا التي لا نعرفها
علاء بكر
الثلاثاء ٢٣ أغسطس ٢٠١٦ - ١١:٢٩ ص
2878

تركيا التي لا نعرفها

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

(الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية)

(1)

نشأة الدولة العثمانية:

كوَّن العثمانيون –وهم سلالة أحدى القبائل التركية تنسب إلى عثمان بن أرطغرل– إمارة إسلامية لهم في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي على أنقاض دولة سلاجقة الروم، في وقت تناثرت فيه بالأناضول العديد من الإمارات التركية الصغيرة. وقد حمل هؤلاء العثمانيون مهمة الجهاد الإسلامي والفتوح ضد البيزنطيين، ساعدهم على ذلك قوة روح الجهاد فيهم، وعدم الانشغال في معارك ضد الإمارات التركية الأخرى، وضعف الإمبراطورية البيزنطية.

وبعد أن وطد العثمانيون سلطانهم في الأناضول (من أرض الروم) -في الأرض التي عليها الجمهورية التركية حاليا- توغلوا في البلقان واليونان وما وراءهما شمالا، وبعد محاولات نجح السلطان محمد الثاني (محمد الفاتح) أحد أعظم سلاطين بني عثمان من فتح القسطنطينية (عاصمة الدولة البيزنطية)  عام 1453 م، وإسقاط الإمبراطورية البيزنطية. ولم ينته القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري) حتى اكتملت السيطرة العثمانية على بلغاريا واليونان ورومانيا ويوغسلافيا والمجر، ووقفت على مشارف (فيينا) عاصمة النمسا.

وسرعان ما تصدر العثمانيون زعامة العالم الإسلامي بعد تصديهم لتهديد البرتغاليين للمقدسات الإسلامية بعد دورانهم حول طريق رأس الرجاء الصالح، ومحاولتهم غزو البلاد الإسلامية من الجهة الجنوبية، وعجز دولة المماليك حامية الخلافة الإسلامية وقتها عن التصدي لهذه التهديدات، فطهر العثمانيون سواحل الجزيرة العربية من البرتغاليين، وتولوا الدفاع عن المقدسات الإسلامية. بالإضافة إلى التصدي للخطر الشيعي الصفوي الذي ظهر في بلاد فارس ودخل العراق، فدحر العثمانيون الصفويين في معركة (جالديران) عام 920 هجريا.

وقام العثمانيون بحماية المغرب العربي بضمه قبل الاحتلال الإسباني له، بعد طرد الإسبان للمسلمين من الأندلس أواخر القرن التاسع الهجري. وتوج العثمانيون ذلك كله بدخول القاهرة، والقضاء على دولة المماليك عام 923 هجريا (1517م). وقد بلغت هذه الدولة العثمانية ذروة ازدهارها وتفوقها في الميادين الداخلية والخارجية في النصف الثاني من القرن السادس عشر والقرن السابع عشر الميلاديين (النصف الثاني من القرن العاشر والقرن الحادي عشر الهجريين)، وازدادت مكانتها في السياسة الدولية.

تسرب الضعف للدولة العثمانية:

  توقفت الدولة العثمانية عن التوسع مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي (القرن الثاني عشر الهجري)، حيث تجلت مظاهر بداية الضعف متمثلة في تعطيل الجهاد، وتدهور النظام الحربي، وتسرب الضعف إلى السلاطين والحاشية، وسوء الإدارة، والغلو في النزعة الصوفية، وأخطر من ذلك الانحراف الفكري والعقدي بإغلاق باب التجديد ووقف الاجتهاد وانتشار الجمود، وشيوع البدع والخرافات.

ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي وتقدم دول أوروبا ونهضتها علميا وتقنيا وتخلف الدولة العثمانية عن مجاراة هذا التقدم، وانشغالها بالدفاع عن ممتلكاتها الواسعة وأراضيها من الهجمات الاستعمارية المتتالية، ومعاناتها من مشكلات داخلية متلاحقة، بدأ الوهن يدب على الدولة العثمانية، وكان لتعدد القوميات وتنوع الأديان والمذاهب والطوائف في ولايات الدولة الموزعة على قارات العالم القديم الثلاث أثره في زيادة أعباء الدولة وإضعافها، خصوصا بعد إذكاء الدول الأوروبية ومؤزراتها للحركات القومية والطائفية في الأراضي العثمانية.

محاولات الإصلاح:  

 شهدت الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري) ملامح تغييرات جديدة تهدف إلى محاولة إصلاح وتنظيم شئون الدولة ووقف تدهورها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفكريا واجتماعيا، وكانت بدايات هذه الدعوات الإصلاحية ذات أسس إسلامية، وبعيدة عن التأثر بالحضارة الغربية المجاورة، ولكن سرعان ما ظهرت أفكار إصلاحية متأثرة بالحضارة الغربية، تعتني بنقل شكليات ومظاهر المدنية الغربية أكثر من اهتمامها بالتقدم العلمي والتقني. وبازدياد الضغط الأوروبي والروسي دخلت الدولة العثمانية في طور جديد من فرض التغريب، والتدخل الأجنبي في شئون الدولة الداخلية، ومنح الأوروبيين امتيازات أجنبية، ومنح الأقليات من غير المسلمين حريات سياسية وحقوقا تتحول مع الوقت إلى امتيازات خاصة لهم. ولا شك أن الدولة العثمانية كانت تحتاج إلى الإصلاح في نظمها وإدارتها، ولكن الدول الغربية لم تكن تريد بضغوطها الإصلاح بقدر الحصول على امتيازات تساعد في إضعاف الدولة العثمانية.

وقد بدأ السلطان محمود الثاني (1808م – 1839م) أول الإصلاحات بإنشاء جيش جديد في عام 1826م، حيث درب هذا الجيش تدريبا أوروبيا بخبرات روسية وألمانيا، وأتم استكمال بنائه خلال ثلاث سنين، وذلك في أعقاب ما تعرضت له الدولة من هزائم عسكرية، وانفصال بعض ولاياتها. كما قام ببعض الإصلاحات الإدارية، وأنشأ مجلس شورى الباب العالي، وأسس مدرسة للطب العسكري وأخرى للعلوم العسكرية.

وفي أول عهد السلطان عبد المجيد (1839م – 1861م) تم الإعلان عن (الخط الهمايوني)، أو فرمان التنظيمات، الذي يشير وللمرة الأولى إلى تساوي جميع رعايا الدولة في الحقوق والواجبات دون تمييز ديني أو قومي. كما صدر في 1876م أول دستور عثماني. وتعد هذه الإصلاحات محاولة لإحياء وتقوية الرابطة العثمانية، بتقوية الرابطة بين السلطنة وشعوبها بعيدا عن الانتماءات الدينية أو الطائفية أو المذهبية، بحيث يصبح الكل عثمانيون متساوون في الحقوق والواجبات لمنع الانشقاق والانفصال عن الدولة.

وقد حاول السلطان عبد الحميد الثاني (1876م – 1909م) إحياء وتقوية فكرة الجامعة (الرابطة) الإسلامية لمواجهة تصاعد الفكر القومي الوافد نتيجة الانفتاح على الفكر الأوروبي، ولكن محاولته جاءت متأخرة بعد أن نمت وبشدة فكرة القومية و(الرابطة التركية) المبنية على بناء الدولة على أساس الاشتراك في الجنس واللغة والثقافة أكثر من أي روابط أخرى، وقد تشبع بعض من أنصارها بالأفكار الغربية الداعية إلى نبذ كل قديم.

 وقد أدت هذه التطورات إلى بروز تيارين متعارضين:

n     تيار الاتجاهات الثقافية الإسلامية السائدة: والذي عانى من الانقسام بين اتجاهات محافظة، وتجديدية، وصوفية. والذي تباينت مواقفه ولم تتسق في مواجهة الأفكار التغريبية الوافدة. 

n     تيار الاتجاهات الثقافية الوافدة: والذي ضم الاتجاهات العلمانية، والقومية التركية، والماسونية، والاستشراق، والتنصير. والذي طالب البعض منهم بالأخذ بكل ما هو أوروبي والتنكر للتاريخ العثماني والإسلامي.

ومع مرور الوقت ساد الاضطراب الساحة الفكرية بعد أن احتكر الجيل ذو الاتجاه التغريبي الوافد مجالات السياسة والإدارة والثقافة.

قيام الجمهورية التركية:

انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918م بهزيمة قاسية لتركيا، أجبرتها على سحب قواتها من الولايات العربية التابعة لها في الشام والعراق، ليتم تقسيمها بين الحلفاء المنتصرين (بريطانيا وفرنسا)، واستقطاع أجزاء من الأناضول، حيث احتل اليونانيون قسما من غرب الأناضول عند أزمير وما حولها، بدعوى أنها في الأصل أرض يونانية، واحتل الإيطاليون مدينة أنطاليا على البحر المتوسط، وتوغل الفرنسيون شمال خط الانتداب على سوريا  نحو مدينة (عنتاب)، وتواجد الأسطول البريطاني في مضيق البوسفور بإسطنبول، وصارت السيادة الفعلية لبريطانيا على (أسطنبول)، وأعطت (اتفاقية سيفر) التي فرضت على حكومة السلطان العثماني عام 1920م حق تقرير المصير للأرمن في شرق الأناضول، والحكم الذاتي للأكراد في جنوبها الشرقي، ولم يبق للأتراك إلا وسط الأناضول، ودخل الأتراك في حركة مقاومة وحرب تحرير قادها مصطفى كمال أتاتورك ذو الميول القومية، والتي شارك الأتراك فيها دفاعا عن الدولة العثمانية المسلمة، ورآها البعض دفاعا عن الأرض التركية التي تتعرض للاحتلال الأجنبي لأول مرة، وأصبحت عرضة  للتمزق والضياع، فامتزجت المشاعر الدينية بالقومية.

ونجح الأتراك في تحرير أراضيهم، وانتصروا على اليونانيين، واستطاعوا إلغاء شروط (اتفاقية سيفر)، من خلال (معاهدة لوزان) عام 1922م، التي أعقبها قيام الجمهورية التركية على أساس قومي على أرض الأناضول عام 1923م، برئاسة مصطفى كمال أتاتورك، الذي قام بإلغاء الخلافة الإسلامية في مارس 1924م، وفرض بالقوة على الجمهورية التركية قطع كل صلتها الرسمية بالإسلام، والأخذ بالعلمانية والنهج الغربي في كل شئونها ومظاهرها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com