الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6) الفرج بعد الشدة

لقاء الإخوة- إحياء الجرح القديم- لقاء يوسف -عليه السلام- بأخيه...

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6) الفرج بعد الشدة
سعيد محمود
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠١٦ - ١٨:٣٣ م
1638

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6)

الفرج بعد الشدة

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- تذكير مختصر بما سبق.

- الإشارة إلى أن أحداث القصة اليوم تتناول أحداث ما بعد تولي يوسف -عليه السلام- المُلك في مصر، وبداية علامات الفرج واجتماع الأمر ولم الشمل.

- الإشارة إلى أن الأحداث تدور حول أربعة مشاهد، وهي: مشهد لقاء الإخوة، ومشهد إحياء الجُرح القديم، ومشهد لقاء يوسف -عليه السلام- بأخيه، ومشهد الرجوع إلى أبيهم بألمٍ جديد.

- المشهد الأول: لقاء الإخوة:

- قال الله -تعالى-: (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ . وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ . فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ . قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ . وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (يوسف:58-62).

- ملخص الآيات: يخبر -تعالى- عن قدوم إخوة يوسف -عليه السلام- إلى الديار المصرية يمتارون طعامًا، وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد، وكان يوسف -عليه السلام- إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينًا ودنيا، فلما دخلوا عليه عَرَفهم ولم يعرفوه؛ لأنه لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف -عليه السلام- مِن المكانة والعظمة، فأعطاهم مِن الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيد عليه، وطلب منهم أن يأتوا في المرة القادمة بأخيهم مِن أبيهم "بنيامين"، وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم، ثم رهبهم إن لم يأتوا به بأنهم لن يعطيهم ميرة، وكل ذلك اجتهاد في إحضار أخيه إليه، ليكون طريقًا وتدبيرًا للقائه بأبيه بعد ذلك، ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي ما جاءوا به يتعوضون عن الميرة في أمتعتهم؛ ليضمن رجوعهم مرة أخرى.

- (أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ): عظيم أخلاق يوسف -عليه السلام- وصبره وحلمه رغم ما فعلوا به قبْل ذلك!

- (اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا): قيل: تذمم أن يأخذ مِن أبيه وإخوته عوضًا، وخاف ألا يكون لهم غيرها.

المشهد الثاني: إحياء الجرح القديم:

قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ . قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ . وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ . وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف:63-68).

ملخص الآيات: يذكر -تعالى- ما كان مِن أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وإخباره أنه مُنع منهم الكيل في المرة القادمة إلا أن ترسل معنا أخانا، وأنك لو أرسلته معنا سنحافظ عليه، ولكن يعقوب -عليه السلام- لم ينسَ ما كان منهم في حق أخيهم يوسف -عليه السلام-؛ ولذلك كان أضن شيء بولده "بنيامين"؛ لأنه كان يشتم فيه رائحة أخيه، ويتعوض بسببه عنه، ولكن مع قوة الأسباب التي أبداها أولاده؛ وافق على إرسال "بنيامين" معهم، ولكن اشترط عليهم عهدًا وميثاقًا أن يعودوا به إلا أن يُغلبوا كلهم مِن الإتيان به، ثم أمرهم ألا يدخلوا المدينة مِن بابٍ واحدٍ؛ خشية ألا تصيبهم العين، وكانوا على جمال وهيئة حسنة، وأن هذا التحرز لن يمنع قدر الله بغير ذلك، فالحكم لله يقضي ما يشاء، ويقدِّر ما يشاء، ويختار ما يريد فهو العليم الحكيم، وعليه يتوكل المتوكلون.

- تذكير يعقوب -عليه السلام- الدائم لأولاده بالله وصفاته: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

- (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ): تنبيه على أن الحذر لا يمنع القدر، ولكن مباشرة الأسباب مشروعة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) (رواه مسلم).

المشهد الثالث: لقاء يوسف -عليه السلام- بأخيه وما دار فيه:

قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ . قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ . قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ . قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ . قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ . فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ . قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) (يوسف:69-77).

ملخص الآيات: يذكر -تعالى- ما كان مِن أمرهم حين دخلوا بأخيهم "بنيامين" على شقيقه يوسف -عليه السلام- وإيوائه إليه، وإخباره له سرًّا عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسأله عما كان منهم مِن الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم؛ فأمر فتيانه بوضع سقايته -وهي التي يشرب بها- عن غرة في متاع "بنيامين"، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك، ووعدهم جعالة على رده حمل بعير، وضمنه المنادي لهم، فأقبلوا عليه فقالوا: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به مِن السرقة، فقالوا ما جزاء مَن يفعل ذلك في شريعتكم؟ قالوا: جزاؤه أن يدفع إلى المسروق يتخذه عبدًا مملوكًا له، فبحثوا في الأمتعة فوجدوها في رحل أخيه، فكان ما حكموا به أن انتقل "بنيامين" إلى ملك يوسف -عليه السلام-، وهذا بشريعة يعقوب -عليه السلام- وليس سياسة دين أهل مصر، فما كان يقدر يوسف -عليه السلام- على أخذه بذلك.

- تدبير اللطيف الخبير لعبده يوسف وثناؤه عليه: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ)، (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

- عظيم صبر يوسف وحلمه: (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ).

- عظيم تعلق يوسف بربه وتعبده الدائم بأسمائه وصفاته: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ).

المشهد الرابع: محاولات فاشلة ورجوع بألمٍ جديد:

قال الله -تعالى-: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ . فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ . ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ . وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ . قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ . قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ . قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:78-87).

ملخص الآيات: يخبر -تعالى- عن محاولاتهم الرجوع بأخيهم حيث تعطفوا بكبر أبيه وحاجته إليه، وإن كان لا بد؛ فلتكن العقوبة في أحدنا مكانه، فقال: كيف نأخذ البريء وندع المتهم، وإنما نأخذ مَن وجدنا متاعنا عنده، وإلا كنا ظالمين، فلما استيأسوا مِن أخذه منه، خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم: لقد أخلفتم عهدكم مع أبيكم وفرطتم في أخيكم كما فرطتم في أخيه يوسف مِن قبله، فلم يبقَ لي وجه أقابل به أبي، فلا أزال مقيمًا ها هنا حتى يأذن لي أبي في القدوم عليه أو يقضي الله أمرًا آخر، والآن ارجعوا إلى أبيكم واخبروه بما رأيتم مِن الأمر في ظاهر المشاهدة، وأن هذا الأمر قد اشتهر علمه مع العير التي كنا نحن وهم هناك كي تصدقنا، ولما كان منهم التفريط قبل ذلك في يوسف -عليه السلام-، قال لهم أبوهم: هذا مِن تسويل أنفسكم أيضًا، عسى الله أن يردهم جميعًا، فهو العليم بحالي وما أنا فيه مِن فراق الأحبة، الحكيم في جميع ما يقدره ويفعله، ثم أعرض عنهم وقد ذكره حزنه الجديد بحزنه القديم على يوسف -عليه السلام-، وبكى حتى أشفقوا عليه، فجعلوا ينصحونه بالتوقف عن ذلك حتى لا يهلك، فأعلن لهم يعقوب -عليه السلام- أنه لا يشكو حزنه لأحدٍ، وإنما يشكو إلى ربه، وان الله سيجعل له مخرجًا وفرجًا بعد الشدة، ثم أمرهم أن يرجعوا إلى مصر ويبحثوا عن يوسف وأخيه، وحذرهم مِن اليأس مِن رحمة الله والفرج بعد الشدة، فإنه لا ييأس مِن روح الله إلا القوم الكافرون.

- (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ): قاعدة عظيمة في الإسلام: "لا يؤاخذ إنسان بجريرة غيره". قال -تعالى- (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام:164).

- (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ): ليس الرجال بالعدد وإنما بالقيمة والنفع. "كان عمر -رضي الله عنه- يقرأ هذه الآيات ويبكي"، وكان يقول: "أتمنى أن يكون ملء هذه الدار رجال مثل أبي عبيدة أستعملهم في أمور المسلمين".

- (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ): لا ينافي الحزن الصبر والرضا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا) (متفق عليه).

- (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ): عبادة الشكوى إلى الله مِن أجلِّ العبادات التي يَغفل عنها كثير مِن الناس، وروي مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إلَيْكَ أشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وقِلَّةَ حِيلَتِي" (رواه الطبراني).

- (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ): عبادة الرجاء شرط في صحة الإيمان، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- موقوفًا: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن مِن مكر الله، والقنوط مِن رحمه الله".

- وهكذا اشتد الكرب على يعقوب -عليه السلام- مع اقتراب الفرج، وهي سنة ربانية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).

خاتمة: الأمر بالتوجه إلى مصر:

(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

وهذا ما يأتي عليه الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة