الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تركيا التي لا نعرفها (الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية) -3

أعطى ذلك مردودا إيجابيا لما سمي بالإسلام السياسي في تركيا، وعزز من تأييد الرأي العام له، ومكّنه من تحقيق بعض المكاسب

تركيا التي لا نعرفها (الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية) -3
علاء بكر
السبت ١٠ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٥:٣٥ م
2302

تركيا التي لا نعرفها

(الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية)

( 3 )

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بعد وفاة أتاتورك عام 1938م تولى رئاسة الجمهورية من بعده  (عصمت اينونو )، وهو رفيقه في حرب الاستقلال، ورئيس وزرائه في حياته، و شريكه  في حزب الشعب الجمهوري، الحزب الوحيد الحاكم الذي أسسه مصطفى كمال وانفرد بالحكم حتى وفاته.

وقد تعهد "اينونو"  بالاستمرار على نهج أتاتورك المتشدد.

دخول تركيا في التعددية الحزبية: 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أعلن  "اينونو" في 1945 م عن تطبيق نظام التعددية الحزبية في البلاد . فأسس (عدنان مندريس) الحزب الديمقراطي، الذي استطاع الحصول على 61 مقعدا في البرلمان في انتخابات 1946 م، وأصبح شريكا في الحياة السياسية والبرلمان مع حزب الشعب الجمهوري.

وفي انتخابات 1950 م التالية  وفي صدمة  شديدة أصبح  لـ "مندريس"  408 نائبا بالبرلمان، وأطاح بالحزب الذي أسسه "أتاتورك" إلى خارج السلطة.

تركيا في عهد "مندريس":

رأى "مندريس" الاستفادة من مناخ الانفتاح السياسي، و عبر عن آرائه التي خاض بها الانتخابات وفاز بها، فأعلن في جرأة:

-        أن المرحلة الكمالية قد انتهت بتأسيس الجمهورية التركية واستقرارها، و أنها برغم إيجابياتها فإن لها سلبية كبيرة وهي  تجاهل الجوانب الروحية في المجتمع.

-        سعى لتخفيف قبضة الدولة على الأفراد، بما يعني إبعاد سلطة الدولة عن التدخل في منع  الممارسات الدينية للمحافظين من الأفراد.

-        أعاد رفع الأذان باللغة العربية.

-        ألغى الحظر المفروض على البرامج الدينية و تلاوة القرآن في الإذاعة.

-        منح التراخيص لبناء مساجد جديدة، والسماح بترميم الموجود منها.

-        سمح بتدريس الدين في  المرحلة الإعدادية،  مع إعطاء الصفة القانونية لمدارس "إمام – خطيب" الدينية.

ورغم أن ذلك له تأثيره على المجتمع كأفراد دون  التأثير على هوية الدولة العلمانية و الحكم، ويعد صورة من صور التصالح العام مع مظاهر الإسلام في تركيا، فإن "مندريس" لم يفعله من منطلق ديني، فقد كان وفيا للعلمانية في تركيا ، فلم يمنح القوى السياسية الدينية أي مساحة من الحرية الفكرية، بل قام في الخمسينيات بحل أحزاب تم تأسيسها على أساس ديني، وقدم العديد من الكتاب الدينيين للمحاكمة، و حرص على المحافظة على التماثيل المقامة لكمال أتاتورك في أنحاء الجمهورية لما حاول البعض تكسيرها.

الانقلاب العسكري الأول في الجمهورية التركية:

استمر "مندريس" في الحكم لمدة عقد كامل (من 1950م – 1960م)، ولكن نهايته جاءت مأساوية، إذ وقع أول انقلاب عسكري في الجمهورية، و استولى مجموعة من الضباط من متوسطي الرتب على السلطة يوم 27 مايو 1960 م، بدعوى أن مندريس يهدم أسس الكمالية والعلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية، في ظل تسامح من قيادات المؤسسة العسكرية  مع حكومته.

و تم  تشكيل لجنة (الوحدة الوطنية) برئاسة قائد القوات البرية، الذي أصبح رئيسا للجمهورية وللحكومة، وتم إعداد دستور جديد للبلاد في يوليو 1961م، وتمت محاكمة "مندريس" وإدانته، وتنفيذ حكم الإعدام عليه، وعلى اثنين من وزرائه (وزير الخارجية  و وزير المالية).

ثم أعاد ضباط الجيش السلطة للمدنيين في عام 1961م، وأجريت انتخابات جديدة.

اتجاه تركيا نحو الليبرالية:

رغم صرامة قادة الانقلاب في الوفاء لعهد الجمهورية الأول وعدم تسامحهم مع ما قام به مندريس، فقد مالوا إلى إتاحة قدر من الحريات المدنية -لا الدينية- للوقوف في وجه الشيوعية السائدة في روسيا المجاورة، ولتعزيز اندماج تركيا في حلف شمال الأطلنطي التي كانت قد انضمت إليه في عام 1952 م.

وقد أتاح ذلك مساحة من حرية العبادة و الرأي و الفكر للأفراد. كما ساهم التقدم  في مجال الصناعة على ظهور موجات كبيرة من الهجرة من الريف إلى المدن، مع التوسع  في تعليم  الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما أوجد فئات جديدة من المتعلمين من ذوي القيم المحافظة، و زاد من تقبل المواطن والناخب التركي لما يطرح عليه من قيم محافظة تتفق مع توجهه.

وقد أسس أصحاب التوجهات المحافظة و أتباع "مندريس" حزبا جديدا باسم (حزب العدالة)، الذي يعد امتدادا للحزب الديمقراطي، و استطاع زعيمه الثاني (سليمان ديميرل) الوصول لمنصب رئيس الوزراء  عام 1965 م، وصار  رمزا من رموز اليمين الوسط  المحافظ  في تركيا.

ظهور نجم الدين أربكان:

في أواخر الستينيات فاز نجم الدين أربكان  بعضوية البرلمان كنائب مستقل عن مدينة (قونية)، مما شجعه على تأسيس حزب يعبر عن الاتجاه المحافظ الذي ينتمي إليه مباشرة دون مشاركة في حزب        (يمين الوسط) كالحزب الديمقراطي أو حزب العدالة، فأسس في عام 1970 م حزب (النظام الوطني)، معبرا عما اصطلح على تسميته  بالاتجاه الإسلامي السياسي بشكل علني،  فانضم إليه أعضاء الجناح الديني في حزب العدالة، لما رأوه معبرا عنهم حقيقة، وشاركهم قسم من المتعاطفين من قوى اليمين القومي في تركيا، وانضم لحزب النظام الوطني نائبان مستقلان فصار للحزب ثلاثة نواب في البرلمان .

الانقلاب العسكري الثاني:

وفي 20 مايو  وقع الانقلاب العسكري الثاني في الجمهورية  التركية، الذي نجح  في حظر حزب (النظام الوطني) بدعوى انتهاكه لمبادئ العلمانية الواردة بالدستور .

عودة "أربكان":

ومع عودة الحياة البرلمانية من جديد أسس "أربكان" حزب  (الخلاص الوطني) في أكتوبر 1972م، الذي استطاع الحصول  على 48 مقعدا في البرلمان، مما جعله يشارك حزب الشعب الجمهوري، بزعامة (بولنت إيجيفيت)، والذي كان خارج السلطة من عام 1950 م، في  حكومة  ائتلافية  عام 1973م، وأصبح "أربكان" نائبا  لرئيس الوزراء، ومعه وزراء من حزبه منهم وزير الداخلية و وزير العدل  ووزير الصناعة.

وقد أعطى  ذلك  مردودا إيجابيا لما سمي  بالإسلام  السياسي في تركيا، وعزز من تأييد الرأي العام له، ومكّنه من تحقيق بعض المكاسب، منها :

-        تمرير قانون يقضي بمساواة مدارس "إمام– خطيب" الدينية  بالمدارس الثانوية العادية في نظام التعليم التركي، والسماح لحاملي شهادتها بالتقدم للجامعات التركية. مما ساعد على تزايد أعداد مدارس "إمام – خطيب"، وزيادة أعداد طلابها، وبروز كفاءات وقيادات سياسية  منهم.

فائدة: من هذه المدارس تخرج رجب طيب أردوغان الذي أسس حزب (العدالة والتنمية)،  ثم تولى منصب رئيس الوزراء، ثم أصبح رئيسا للجمهورية التركية.

-        زيادة شعبية "أربكان" في الأوساط المحافظة والدينية والفئات البسيطة والفقيرة.

وفي عام 1974م سقطت حكومة "ايجيفيت"،  فشارك  "أربكان" في تشكيل حكومة ائتلافية مع (سليمان ديميريل) زعيم حزب العدالة اليميني، محتفظا بمنصبه  نائبا لرئيس الوزراء، و لحزبه ببعض الوزارات الهامة.

ويرى محللون أن هذه الأحداث فرضت نفسها في ظل مناخ داخلي ساد تركيا في السبعينيات شهد تمدد الاتجاه اليساري في تركيا والعالم، فجاء ظهور وتمدد "أربكان" وحزبه في مواجهته بتغاضٍ من الدولة العلمانية.

الانقلاب العسكري الثالث: 

مع نهاية الثمانينيات شهدت تركيا حالة من عدم الاستقرار السياسي، إذ انهارت حكومة "ديميرل"، ليعيد "ديميرل" تشكيل حكومة ائتلافية مع "أربكان" بعد انتخابات في يونيو 1977م، ثم تولى حزب الشعب تشكيل الحكومة في يناير 1978م، والتي انهارت بعد فقد الأغلبية بعد نتائج انتخابات تكميلية في أكتوبر 1979م، ليقوم "ديميرل" بتشكيل آخر حكومة  قبل الانقلاب العسكري الثالث في 12 سبتمبر 1980، و كانت هذه الحكومة بدون مشاركة "أربكان".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com