الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد الإيمان بتعاقب المواسم والأيام

هذه الأيام قد ساقها الله إلينا بمَنّه، وقد أدركتنا بفضلِه دون كسب منا

تجديد الإيمان بتعاقب المواسم والأيام
إيهاب شاهين
الاثنين ١٢ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٦:٠٦ م
1427

تجديد الإيمان بتعاقب المواسم والأيام

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد,

في ظل الطغيان المادي الذي نعيشه في أيامنا، وخضم تداخل الأمور وكثرة الفتن من شبهات وشهوات، يتأثر القلب بهذه المؤثرات الخارجية، فما سُمّي القلب قلباً إلا لتقلُّبه، وكما هو معلوم أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: ( إن الإيمان ليخلَق في جوف أحدكم كما يبلى الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم )." رواه الحاكم (1/4)، وحسنه الألباني، اللهم جدد الإيمان في قلوبنا.

ومن رحمة الله الغفور الرحيم بعباده المؤمنين أن يسوق لهم المواسم التي يزدادون بها قربة إلى الله عز وجل، كما يأخذون منها المواد التي تقوي الإيمان وتعوض النقص الذي أصابه في زخم هذا الطغيان المادي.

ومن أجَلّ وأفضل المواسم، هذه الأيام، أيام العشر ؛ فهي أفضل أيام الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفضل أيام الدنيا أيام العشر) "رواه البزار من حديث جابر بن عبدالله". فهي أفضل وأحب أيام الدنيا إلى الله عز وجل؛ لذلك العمل الصالح فيها أفضل وأعظم من العمل في غيرها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ـ قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ـ قال ولا الجهاد في سبيل الله ـ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) "رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني".

فهذه الأيام قد ساقها الله إلينا بمَنّه، وقد أدركتنا بفضلِه دون كسب منا، وما رُتِّب فضلها على كسب العبد، بحيث لو طاب من العبد عمله طابت به تلك الأيام، ولو حسن من العبد كسبه بوركت هذه الأزمان، بل هي فاضلة في نفسها أحسَن العبد أم أساء، طاب أم خبُث، فهي فاضلة تحمل الخير والبركة، فحق ذلك أن يحدث في قلب العبد نوعاً آخر من أنواع مقامات الشكر.

وأفضل الأعمال التي تقوم بالقلب فترفعه وتزيد إيمانه في هذه الأيام الحج في سبيل الله، فإن أحسن العبد تمام النسك رجع بقلبه خالصاً مما شابه، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج مِن ذنوبه كيوم ولدته أمه" ومن فاته أكمل الأحوال وتمامها وهو حج بيت الله الحرام فلا يفوته تحقيق غاية ذلك، وهو التلبس بالأعمال الصالحة التي هي مادة تقوية الإيمان في القلب وأعظمها.

الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم (واعلموا أن من أفضل أعمالكم الصلاة) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، التي يكون فيها القلب حاضراً خاشعاً متذللاً لله تبارك وتعالى متفكراً في قراءته وتسبيحه وتحميده، هذه هي الصلاة التي فيها طمأنينة القلب وراحة البال، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: ( أرحنا بها يا بلال ) والتي تكون في جماعة مع المسلمين في بيوت الله، ليكون العبد أبعد عن حال المنافقين، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".

وكذلك من خير الأعمال الصيام، فالصوم جُنّة (وقاية)، والصوم فرحة، كما قال صلى الله عليه وسلم ( للصائم فرحتان وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع صيام هذه الأيام، كما ورد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وأما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط ) رواه مسلم، فمؤول بأنها لم تره صائماً فيها لمرض أصابه أو لسفر ونحوه كما قال النووي رحمه الله.

ومن أفضل الأعمال كذلك في هذه الأيام قراءة القرآن بتدبر وتفهم، فله أعظم الأثر في طمأنينة القلب وصلاحه، فالقرآن من أفضل الذكر، وقد قال تعالى: "أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" الرعد28

ثم الصدقة والإحسان والبر والصلة ودعوة الجيران، وسائر الأعمال الصالحة.

ثم تأتي منّة أخرى من منن الله تعالى علينا يسوقها الله إلينا. موسم آخر داخل هذا الموسم-وعيد قبل عيد النحر، يوم عرَفة، اليوم الذي يعتق الله فيه عبيده من النيران ويباهى بهم الملائكة. كما قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفه وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ) رواه مسلم. اليوم الذي صيامه يكفر السنة التي قبله والتي بعده، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) رواه مسلم.

فما أعظم منن الله علينا، قال الله تعالى: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) النساء 147 وقال تعالى: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" البقرة 185، فالعاقل الحصيف يعرض نفسه لهذه الرحمات والمنن والنفحات؛ لعل الله أن يصلح قلوبنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ألا وإنه كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها ) رواه الطبراني وصححه الألباني.

وأخيراً الدعاء بذل وانكسار للعلى الغفار، أن يصلح الله أحوالنا وأحوال المسلمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك والحمد وهو على كل شىء قدير) رواه الترمذي وحسنه الألباني .

نسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وأحوالنا وأحوال المسلمين وأن ينفعنا بهذه الأيام . والحمد لله رب العالمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً