الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أيها المفسِدون .. متى تخافون؟

لن يخافوا إلا بإعطاء هذا النوع من الجرائم أهمية خاصة

أيها المفسِدون .. متى تخافون؟
علي حاتم
الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٤:٠١ م
1333

أيها المفسِدون .. متى تخافون؟

كتبه/ علي حاتم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إنه سرطان مدمر ينخر في جسم مصر عمره سنوات طويلة، عجزت خلالها الحكومات المتعاقبة عن السيطرة عليه ووضع الحلول الناجعة التي تحول دون امتداده وتشعّبه وتحوله إلى مرض عضال فتاك، يتم الحديث عنه والإشارة إليه من باب ذر الرماد في العيون، حتى تحول القضاء عليه إلى حلم كبير صعب المنال.

والغريب أن الجراثيم المسبِّبة له والمسيطرة عليه تمرست وتخصصت بل وورَّثت أجيالا متعاقبة على نهش جسد الأمة حتى أنهكتها بالفعل.

إنه الفساد المنتشر في أجهزة الدولة وفي مؤسساتها العامة، وهو داء يؤثر جيلا بعد جيل حتى وصل تبجُّح المتخصصين فيه إلى درجة غير مسبوقة، ولم يعد أحد من الفاسدين يعمل حسابا لأحد سواء كان لجهاز من الأجهزة الرقابية في البلد أو لحكومة من الحكومات أو حتى لأكبر من ذلك.

إن هذا الفساد انتشر حتى صار يتخذ أشكالا كثيرة لا حصر لها، فهناك الاختلاسات، وهناك التزوير في المستندات، وهناك الرشاوى والمحسوبيات، وهناك السرقات من المال العام مباشرة، وهناك النهب في صورة موائد وعزومات وضيافات يومية -قد تكون حقيقية لملء الكروش مما لذَّ وطاب أو- غير حقيقية أو مبالغة فيها لوضع قيمتها في جيوب اللصوص.

وهناك فساد من نوع خاص في صورة اغتصاب للأراضي والعقارات المملوكة للدولة وما يُدفع من أجل وضع الأيادي عليها من أموال طائلة في جيوب المفسدين.

إن هذه الظاهرة الخطيرة والمنتشرة صارت من أهم معاول هدم البلد وإعاقة أي محاولات للنهوض بها، ويمكن القول أن أخطر ما فيها بالإضافة إلى تأثيرها الكبير على تضخيم العجز في ميزانيات الدولة، ولها انعكاسها المدمر على معنويات معظم الناس الذين أصيبوا بالإحباط من جراء انتشار هذه الظاهرة وتمددها، وصاروا يرفعون شعارات خطيرة تدل على أنه لا فائدة وأن كل شيء في البلد قد انتشر في الفساد وأن البلد تسير إلى الهاوية، بل وأصبح ينضاف أعداد كل يوم إلى قائمة اللصوص من ضعاف النفوس.

ولقد وصل حد تبجُّح المفسدين إلى درجة لا تُحتمل فامتدت أياديهم الملوثة وضمائرهم الميتة إلى النهب من صوامع القمح التي يخزن فيها قوت الشعب. والسؤال الآن:

ألم يشعروا بخطورة وبشاعة جريمتهم قبل الإقدام عليها؟

ألم يشعروا أن قوت الشعب المباشر هو خط أحمر يتعين عدم المساس به؟

ما الذي دفعهم إلى التهاون بهذا الأمر، فأقبلوا عليه بهذا التبجُّح دون أي درجة من درجات الخوف من الوقوف بين يدي الجبار عز وجل، ودون أن يحسبوا حسابا للعقوبات المتوقعة من المسئولين على البلد؟

إنها أسئلة، الإجابة عنها سهلة ومعروفة، تتلخص في ذلك التهاون -غير المبرر وغير المفهوم- في ضرورة الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالمال العام، بل والتنكيل بهم وفضحهم في الميادين العامة ليكونوا عبرة لمن أراد أن يعتبر.

إنه لا بد من سَنَّ تشريعات جديدة بعد دراسة أساليبهم بدقة، وذلك لردعهم، مع تطبيقها على كل من يثبت تلاعبه في الأموال العامة، والتسلّح التام بمبدأ العدل والمساواة.

إنه لابد من يد قوية حديدية لا تخاف في الله لومة لائم يحسب لها المفسدون ألف حساب.

ألا تستحق هذه الظاهرة الخطرة تأسيس محاكم يطلق عليها محاكم المال العام، يشرف عليها نخبة من أشرف رجال البلد -وهو كثير ولله الحمد- بحيث تتخذ قراراتها بسرعة دون إخلال بمبدأ العدالة؟.

إن لصوص المال العام لن يرتدعوا ويتوقفوا عن جرائمهم إلا إذا خافوا، ولن يخافوا إلا بإعطاء هذا النوع من الجرائم أهمية خاصة للحفاظ على المال العام من ناحية، ولإزالة حالة الإحباط وتدهور المعنويات التي أصابت كثيرا من الناس من ناحية أخرى، وشجعت ضعاف النفوس على أن يضيفوا أنفسهم كل يوم إلى قائمة الفاسدين من باب: «وما بالنا لا نفعل مثلما يفعلون؟».

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة