الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عشر وقفات مع عاشوراء

من الجدير بالذكر أن أقوال العلماء اختلفت في تحديد يوم عاشوراء ، فقال بعضهم هو يوم التاسع من محرم ، غير أن رأي جمهور العلماء أن عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم وهو الراجح .

عشر وقفات مع عاشوراء
محمود عبد المنعم
الخميس ٠٦ أكتوبر ٢٠١٦ - ٢١:٣٩ م
2702

عشر وقفات مع عاشوراء

كتبه / محمود عبد المنعم

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله - ﷺ - وعلي آله ومن واله وبعد : -

فنحاول - في  هذه السطور مستعينين  بالله - أن نقف سوياً مع هذا اليوم العظيم عدة وقفات :-

  الوقفة الأولي : التعريف بعاشوراء : -

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم ، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن يوم عاشوراء أُطلق عليه هذا الاسم ؛ لأنه اليوم العاشر ، كما سمي التاسع تاسوعاء  .

ومن الجدير بالذكر أن أقوال العلماء اختلفت في تحديد يوم عاشوراء ، فقال بعضهم هو يوم التاسع من محرم ، غير أن رأي جمهور العلماء أن عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم وهو الراجح .

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه المجموع : " عاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان ، هذا هو المشهور في كتب اللغة قال أصحابنا : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ، وتاسوعاء هو التاسع منه هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ وهو المعروف عند أهل اللغة " .

الوقفة الثانية : عاشوراء عبر التاريخ :-

قيل إن الله تاب فيه علي آدم - عليه السلام - لما أكل من الشجرة ، وقيل إنه اليوم الذي رست فيه سفينة نوح - عليه السلام - علي الجودي ، وقيل إنه اليوم المتمم للأربعين يوماً التي لقي موسي - عليه السلام - فيها ربه - سبحانه وتعالي كما قال تعالي " ووعدنا موسي ثلاثين ليلة وأتممنها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة " .

قال بعض المفسرين : الثلاثون ليلة هي شهر ذي الحجة ، والعشر المتممة للأربعين العشر الأول من المحرم وآخرها يوم عاشوراء والعلم عند الله تعالي ، وصح أنه اليوم الذي نجي الله فيه موسي وقومه وأغرق فرعون وقومه ، فعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال : " قدم رسول اللَّه ﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه ، فقال : أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ، وفي رواية : " فصامه موسى شكراً فنحن نصومه ، وفي رواية أخرى : " فنحن نصومه تعظيماً له " ، وكذلك في هذا اليوم حصلت ذكرى حزينه وآليمة لمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته ظلما بعد حِصَار دام ثلاثة ايام مٌنِعَ هو وأهل بيته من الماء , في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة من قبل جيش يزيد بن معاوية .

الوقفة الثالثة :- فضل يوم عاشوراء :

ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني رمضان .

يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام ، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء فصوموه أنتم" خرجه بقي بن مخلد في مسنده ، وقد كان أهل الكتاب يصومونه وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه .

الوقفة الرابعة :- صيام عاشوراء :

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيامه أربع حالات:الحالة الأولى : أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم .

الحالة الثانية : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه وأمر الناس بصيامه وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم .

الحالة الثالثة : أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه ، وهذه الأحوال الثلاث دل عليها هذا الحديث ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه فترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء أفطره ، وفي رواية للبخاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شاء فليصمه ومن شاء أفطر"..

الحالة الرابعة : أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه ، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" ، قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية له أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر" يعني عاشوراء وخرجه الطبراني ولفظه "إن عشت إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني عاشوراء " .

الوقفة الخامسة :- صيام يوم عاشوراء عند غير المسلمين :

اهتم غير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين بصيام يوم عاشوراء ، أما اليهود فكانوا يصومونه شكراً  لله علي نجاة موسي وقومه وإغراق فرعون وقومه ، وأما النصارى فكانوا يصومونه اقتداءاً باليهود ، وأما المشركون فكانوا يصومونه لأنهم أذنبوا ذنباً في الجاهلية فتعاظموه في صدورهم فسألوا عن التوبة منه فذُلوا علي صيام يوم عاشوراء فكانوا يصومونه ، كما دلت علي ذلك الأحاديث المذكورة في المقالة .

الوقفة السادسة :- نحن أحق وأولي بموسي منكم : 

ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ، وهنا يرد سؤال : كيف نكون أحق وأولي بموسي عليه السلام من اليهود مع اختلف العنصر بييننا وبينه واتحاده بينه وبينهم فهو عبراني وهم عبرانيون أما نحن فعرب ؟ والجواب : أن الصلة الحقيقية المعتبرة عند الله تبارك وتعالي بين الناس إنما هي صلة الدين كما قال الله تعالي " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ " ، وقال تعالي أيضاً " إنما المؤمنون إخوة " فلما كان موسي عليه السلام علي التوحيد وكفر اليهود ونحن علي التوحيد مثله لا جرم كنا أحق وأولي بموسي منهم .

هذا وقد ضرب المصريون أروع المثل في الولاء والبراء حيث والوا موسي عليه السلام وأحبوه وفرحوا لنجاته مع أنه عبراني ، وتبرؤا من فرعون وجنوده وأبغضوهم وفرحوا لهلاكهم مع أنهم مصريون ! فلله درهم .

الوقفة السابعة :- عاشوراء والشيعة :

هذا اليوم له أهمية كبيره عند الشيعة عموما ، والإثني عشرية خصوصا ، فإن لهم فيه شعائر مميزة يقومون بها طيلة الايام العشر الآوائل من محرم التي تعزز ايمانهم من خلال التفكر بالحدث المآسوي العظيم.

 ومن الشعائر التي يقومون بها الشيعة الاثني عشرية في جميع أنحاء العالم وخاصة في كربلاء هي زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع ، وقراءة قصة الإمام الحسين والبكاء عند سماعها واللطم تعبيراً عن حزنهم على الواقعة ، والاستماع إلى قصائد عن المأساة والمواعظ عن كيفية استشهاد الحسين وأهل بيته . ويهدف هذا لربطها مع معاناة الحسين والشهادة ، والتضحيات التي قدمها للحفاظ على الإسلام على قيد الحياة . وفسر على نطاق واسع استشهاد الحسين من قبل الشيعة باعتباره رمزا للنضال ضد الظلم والطغيان والاضطهاد ، وتوزيع الماء للتذكير بعطش الحسين في صحراء كربلاء ، واشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء ، ويقوم البعض بتمثيل الواقعة وماجرى بها من أحداث أدت إلى مقتل الحسين بن علي فيتم حمل السيوف والدروع.

 كما يقومون بتمثيل حادثة مقتل الحسين جماهيرياً فيما يعرف بموكب الحسين ، ويقوم البعض بالتطبير أي إسالة الدم مواساة للحسين ، كما يقوم البعض بضرب أنفسهم بالسلاسل .

فأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم.

الوقفة الثامنة :- عاشوراء بين الإفراط والتفريط :-

لما قتل الحسين - رضي الله عنه - يوم عاشوراء انقسم الناس إلي طرفين ووسط أما الطرف الأول : فاتخذوا يوم عاشوراء مأتماً وجعلوه يوم حزن ، وهؤلاء هم الشيعة الروافض كما سبق بيانه في الوقفة السابقة ، وأما الطرف الثاني : فقد اتخذوا يوم عاشوراء عيدً وراحوا يخصونه بمظاهر العيد مثل الاغتسال والتطيب والاكتحال وأكل أطيب الطعام شماتة في قتل الحسين - رضي الله عنه - ووضعوا في ذلك أحاديث لا تصح : منها ما يلي :-

1-      " من وسَّع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته " .

2-      " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً " .

3-      " من أفطر عنده مؤمنٌ يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم " ، وغير ذلك .

وأما الوسط فسيأتي بيانه في الوقفة التالية .

الوقفة التاسعة :- السنة في يوم عاشوراء :

مما سبق بيانه في الوقفات السابقة يتضح لنا بجلاء أن السنة والوسط في يوم عاشوراء أن نعتقد فضله في نفسه ، ولأنه في شهر من الأشهر الحرم ونفرح فيه لنجاة موسي عليه السلام وقومه وغرق فرعون وقومه ، ونصومه اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن صيامه يكفر ذنوب السنة التي قبله لقوله صلى الله عليه وسلم  " صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم . أي : من الصغائر ، وأما الكبائر فلا كفارة لها إلا التوبة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ : " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " ، ونصوم التاسع اتباعاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - .... ولو صمنا الحادي عشر احتياطاً للهلال كان خيراً ، ولا نتخذه مأتماً ولا عيداً .

الوقفة العاشرة :- موعظة في يوم عاشوراء :-

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله تعالي – ( لما ظهر فضل آدم على الخلائق بالعلم وكان العلم لا يكمل بدون العمل بمقتضاه والجنة ليست دار عمل ومجاهدة إنما دار نعيم ومشاهدة قيل له: يا آدم اهبط إلى رباط الجهاد وصابر جنود الهوى بالجد والاجتهاد واذرف دموع الأسف على البعاد فكأنك بالعيش الماضي وقد عاد على أكمل من ذلك أوجه المعتاد ) أ .هـــــــــ .

وفي نهاية هذه الوقفات نسأل الله تعالي أن يرزقنا التوفيق والسداد والخير والرشاد

 

في الأمور كلها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com