الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عندما يكتب الرصاص السلام !

لأطراف التي أنهكتها الحرب لم يعد لديها خيار الرجوع للوراء

عندما يكتب الرصاص السلام !
شريف طه
الجمعة ٠٧ أكتوبر ٢٠١٦ - ١٦:٢٣ م
1134

عندما يكتب الرصاص السلام !

كتبه/ شريف طه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في الإثنين الأخير من الشهر المنصرم، وقّع الرئيس الكولومبي، ورئيس منظمة "فارك" الماركسية المسلّحة، اتفاقاً بقلم تم تصنيعه من رصاصة تم تدويرها!.

بموجب هذا الاتفاق؛ سوف تودِّع -حسب المفترض- كولومبيا حرباً أهلية دامت قرابة نصف قرن، راح ضحيتها قرابة ربع مليون شخص، وتهجير قرابة ستة مليون.

الرمزية واضحة؛ مضى وقت الحرب والصراع، هو جزء من الماضي الذي لا يصح ارتهان المستقبل لأحقاده، العلم هو المستقبل، القلم بدلاً من الرصاص، "الرصاص كتب ماضينا، والتعليم مستقبلنا" هو شعار المرحلة الجديدة ،الذي نقش على القلم!.

تضمن الإتفاق تنازل أعضاء منظمة "فارك" الإرهابية (يقدر عدد جنودها حاليا بسبعة آلاف) عن سلاحها، وطلبها الصفح والعفو من أهالي الضحايا الذين سقطوا جراء أعمالها الإرهابية، وتنازلها عن جميع مواردها المالية، واستخدامها لجبر الضرر الواقع على الضحايا، في المقابل تم تقديم الضمانات الأمنية، وقبول تحول "فارك" لحزب سياسي، وتخصيص الحكومة لهم مقاعد مباشرة في البرلمان لدورتين متتابعتين، مع تشكيل محاكم خاصة للنظر في قضايا الانتهاكات الخطيرة التي وقعت من الجانبين.

تجربة جديدة، استفادت من تجارب المصالحات الوطنية التي قامت بها دول عصفت بها الحروب والنزاعات الأهلية، تقوم -كما كلّ التجارب- على المصارحة والمكاشفة، وجبر الضرر، وتعويض الضحايا، وإيجاد صيغة مناسبة للإدماج في المجتمع والسياسة.

تكرر الأنموذج في أكثر من دولة، بعد أن علم أطراف الصراع في كل حالة أنه لا مجال للمعادلات الصفرية، وأن فرض الإرادات لا ينفع على المدى الطويل، وإن بدامغرياً أول الأمر!.

لم نصل في مصر -ولله الحمد- لهذا الحدِّ من الاحتراب الأهلي، ولكن من المؤكد أن هناك احتقانا، وإن بدا في ظاهِرِه إقتصاديا، إلا أن السياسة تمثل مدخلا هاماً للعلاج.

بالطبع هناك سماسرة الأزمات، الذين لا يعيشون إلا على هامش الاستقطاب، وكلما زادت حدته؛ كلما اتسع دورهم، وهؤلاء موجودون في كل مجتمع، بل حتي في التجربة الكولومبية، هناك رافضون كُثُر لهذا الاتفاق التاريخي، بل خرجت نتيجة الاستفتاء -غير الملزم- برفض المصالحة.

قد يبدو هذا محبطاً لبعض من تفاءلوا، وإن كان المتوقع هو المضي قدما في الاتفاق؛ فالأطراف التي أنهكتها الحرب لم يعد لديها خيار الرجوع للوراء، فقد أدركوا أن "مصالحة ناقصة خير من حرب كاملة" كما قال الرئيس الكولومبي "خوان سانتوس".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة