الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الهجرة.. البعد العقدي التربوي

لقد حان الوقت أن تودع الأمة اليأس بظلماته لتتمسك بأنوار التربية المحمدية في الرعاية بالشباب

الهجرة.. البعد العقدي التربوي
إسلام دعدوشة
الثلاثاء ٢٥ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٩:٥٨ ص
1058

الهجرة.. البعد العقدي التربوي

كتبه/ إسلام دعدوشة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

  ستظل هجرة سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- مفعمة بالدروس والعبر، فلا عجب أن أصبح حادث الهجرة معلمًا من معالم الحياة الإسلامية، وبداية لتاريخ الأمة ووجودها الحقيقي، إنها معركة الإسلام الخالدة التي نصر الله فيها نبيه وصحبه، فكانت الهجرة فرقانًا بين أولئك الذين استعلوا على جواذب الروابط الطينية الواهية، واثروا التضحية بالأوطان ليسلم دينهم، وتعلو راية التوحيد، ولين المتثاقلين إلى الأرض، المتشبثين بجواذب الطين مع عجزهم عن إقامة الدين.

ألم يقرع الأسماع توبيخ الملائكة من فضلوا الارتباط بالأرض بقوله: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ... قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، وستبقى الهجرة سنة النبيين، كتبها الله على المرسلين، وقد كان مُهَاجرهم إلى بيت المقدس، غير النبي -صلوات الله عليه-، جعل الله مهاجره إلى طيبة؛ فأضحت ذكرى هجرته عيدًا لإعتاق الإنسانية كلها من رق الجهالة، وإخراج البشرية المعذبة من الضيق إلى السعة، ومن الجور والظلم إلى عدل الرسالة الإلهية، والدعوة المحمدية التي حملت الهدى للأرواح الحائرة، والسلام للنفوس المحرومة، والألفة للقلوب المختلفة. 

وحاجتنا اليوم لإعادة قراءة الهجرة ملحة وماسة؛ فلقد آثر أكثر الناس -إلا من رحم- سلامة دنياهم فهجر أكثرهم دينه وثوابته، وباع أكثرهم -إلا من عصم- دينه لعرض من الدنيا، فجاءت هذه الذكرى لتذكر اللاهثين خلف السراب، وتهتف بالمتساقطين في وحل الشهوات والغرائز أنه لا إيمان مع تقديم أي شيء على العقيدة.

جاءت ذكرى الهجرة تصيح بنا أن تفكروا في رهط كريم قدّم العقيدة على الأوطان، والعشيرة والمال وأهواء النفوس، فهاجروا إلى الله –تعالى- نصرة للدين، وإعلاء لكلمة التوحيد، تاركين كل شيء وراءهم، فملكهم الله الدنيا، وعوضهم الحق خيرًا مما تركوا، وهكذا متى تمسكت الأمة بعقيدتها وقدمتها على كل ما سواها، وجعلت

السيادة للشريعة الإلهية لا للقوانين الجاهلية، وأعلت كلمة التوحيد ونصرت كتاب ربها وسنة نبيها؛ نصرها الله، وأبدل ظلمة ديارها نورًا، وجهلها علمًا، والفوضى السائدة نظامًا، وجعلها أمة عزيزة لا تعرف الهوان، كريمة لا تقبل الذل، فإن أبت الأمة إلا الانحدار إلى وهاد الجاهلية، ولم تعرف لها رسالة، ولا اجتمعت على هدف واحد ومنهج واضح، وظنت أنها خلقت عبثًا، ووجدت لتفسد لا لتصلح، منيت بالهزائم وغرقت في مستنقع الظلمات، فلا نصر من الله يتنزل، ولا قوة تدفع، بل أنانية منكرة، وعصببة هوجاء، فيتضاعف عندئذ الشر، ويتزايد البؤس والسقاء.

 ألم يئن للمصلحين أن يتسائلوا على سر قبول علي بن أبي طالب -على صغر سنه- أن يجعل من نفسه فداء لرسول الله في هذا الموقف العظيم؟!، وهل أدركوا سر بيت الصديق الذي تنافس أفراده -نساء ورجالًا- في البذل والتضحية في هذا الحدث العظيم، حتى لقد سرى هذا التنافس إلى عامر بن فهيرة -راعي غنيمات أبي بكر- فكان يأتي مساءً ليسقي النبي وصاحبه، ثم يعود مبكرًا فيسرح مع الناس ولا يدرون أين بات؟، لِمَ كانت كل هذه التضحيات الكبرى؟ وما سر هذا البذل والثبات المعجز؟ ومن أي الينابيع التربوية اغترف هؤلاء؟!

ويكمن السر في تلك التربية الرفيعة، والإيمان الراسخ الذي تزول دونه الجبال الرواسي، ويصغر في سبيله كل كبير، فلقد تربي علي في بيت النبوة على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وبيت الصديق كان أقرب البيوت إلى رسول الله صلة ومودة، وأعرفها به هديًا وسمتًا، والرسول ما فتيء يربي أصحابه على الثقة بالله، ويبني فيهم روح الاعتماد والتوكل عليه سبحانه، ويغرس في سويدائهم صدق اللجوء إلى ربهم؛ و هذه لعمري أهم الأسس التربوبة في بناء الشخصية المسلمة، وذلك هو الحصن الحصين، والقوة التي لا تعرف الضعف أو الوهن، بخلاف التربية المادية القاسية الغليظة التي لا تثمر إلا نفوسًا واهنة منهزمة، همها قضاء الوطر، وغايتها لذة عاجلة، تنهار لأدنى شدة ولا تثبت عند أول امتحان.

إنها الترببة التي تجعل الرعية تعيش لهدف واحد، وغاية واحدة، لا يتردد أحدهم ولا يتلجلج إذا ما أسندت إليه مهمة، ولا يتلكأ أحدهم في تنفيذ أمر كلف به، إنها أواصر الحب العميق، ووشائج الولاء والإيمان، فهل لنا و نحن في فاتحة العام الهجري نودع عامًا مضى ونستقبل عامًا جديدًا، هل لنا أن ندرك أن التوكل على الله هو مفتاح النصر؟، أما آن لنا أن نستيقظ على كلمات المهاجر العظيم الفار بدينه من صولة الكفر وهو يهمس لصاحبه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.

إنه درس التوكل العظيم الذي يلقي في القلب السكينة في أحلك الأوقات، وهل لنا أن نوقن بأن مكر الأعداء -مهما عظم- فلن يطفئ نور هذا الدين، وأن إقامة الدولة المجاهدة الحاكمة بالشريعة من أعظم فروض الدين، وأن التمكين لا يأتي أبدًا إلا بعد الابتلاء؟

وهل آن لنا أن نتخذ من حادث الهجرة ما ينير لنا الطريق، ويشرح الصدور للعودة إلى خير الهدي، وترسم خطى النبي الكريم في الإصلاح، حيث تربط العقيدة الصحيحة بين أفراد الأمة، والأخوة بين عواطفهم، فلا أثرة ولا طوائف ولا مشاريع ضيقة تزلزل الأمة وتهدد أمنها وتماسكها؟

فهلا اتخذنا من هجرة سيد البشر الدروس والعبر فنهجر الرذيلة، ونهاجر جميعًا إلى الفضيلة، وأن نملأ فراغ شباب الأمة بالعمل النافع، وأن نأخذهم  إلى واحة الدين ليهجروا كل فساد وبغي ويلحقوا بركب الإصلاح؟

 ومتى عرفت الأمة رسالتها وتحررت من أوهام الشعارات الجاهلية "وطنية أو حزببة أو قومية"، ورجعت إلى دينها، رفعها الله فوق الأمم، لقد حان الوقت أن تودع الأمة اليأس بظلماته لتتمسك بأنوار التربية المحمدية في الرعاية بالشباب ليعطوا الأمة من أعمارهم بدلًا أن يعيشوا أسرى الشهوات، وعبيدًا للنزوات وعاجل الرغبات، ومتى أدركت الأمة هذه المعاني بقراءة واعية للهجرة فستقف في وجه اللطمات فتردها، وفي طرق البغي والغواية فتصدها، وعسى أن يكون ذلك قريبًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة