الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من للصخرة ؟

امضِ؛ ليمضي الناس خلفك، واصبر حتى تصل إلى غايتك

من للصخرة ؟
مصطفى دياب
الجمعة ٠٤ نوفمبر ٢٠١٦ - ٢٣:٠٨ م
2780

من للصخرة ؟

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ﷺ

حين أتكلم عن الصخرة فلا أقصد تلك الصخرة التي أخرج الله منها "ناقة صالح" عليه السلام آية ومعجزة وفتنة للقوم الظالمين (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي تنذِر بعمق "جَهنّم" و إذا أُلقيت من شفير "جَهنّم" فإنها تهوي فيها سبعين عاماً و ما تُفضِ إلى قرارها ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي جرت بثوب موسى -وهو يغتسل عُرياناً- حتى يراه الناس فيُدركوا سلامته من كل عيب ونقص رموه به وينصره الله (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي سقطت في ليلة مَطيرة على فوهة الغار فحبست فيه ثلاثة من الشباب أدركوا أنه لن ينجيهم من هذا الموقف إلا التوسل لله بصالح الاعمال و قد وجد كل واحدٍ منهم ما يتوسل به إلى الله خالصاً لوجه الله فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي عرضت للصحابة وهم يحفرون الخندق فيذهبون إلى الرسول ﷺ فيقول لهم "أنا نازلٌ" فيكشف عن حجر معصوب على بطنه ويكبِّر ويضربها بمعوله فيبرُق شذا النار في الهواء فيقول هذه كنوز كسرى وقيصر وتصيرالصخرة كثيباً أهيَل (كالتراب) ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي وقف عليها النبي ﷺ على حِراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير فتحركت بهم الصخرة فقال النبي ﷺ (اهدئي فما عليكِ إلا نبي أو صِدّيق أو شهيد) ..

ولا أقصد تلك الصخرة شديدة الحر التي كانت توضع على صدر بلال أو عمار بن ياسر وهم صابرون صامدون من أجل هذا الدين الحنيف ..

ولا أقصد تلك الصخرة التي سقط بجوارها النبي ﷺ يوم أُحُد وكاد أن يُقتل فبَرَك طلحة بن عبيد الله تحته فصعد الرسول ﷺ على ظهره حتى جلس على الصخرة فقال ﷺ (أوجب طلحة) ..

وأخيراً لا أقصد تلك الصخرة التي حمل الابن إليها أباه على ظهر دابة وخرج به إلى الصحراء فقال الأبُ لإبنه: يا بُني ماذا تريدُ مني هنا، فقال الابن: أريد أن أذبحك فقد أسأمتنى وأمللتني فقال الأب لابنه: إن كان لابد يا بُني فاذبحني عند تلك الصخرة فلقد ذبحتُ أبي هناك ولك يا بُني مثلها "والجزاء من جنس العمل"، "وكما تدين تدان"، "ولا يظلمُ ربُّك أحداً" ..

و لكني أقصد تلك الصخرة التي وقف عليها عمار بن ياسر يوم "اليَمَامَة" حين استحَرّ القتل في الصحابة وجعلتِ المنون تتخطف حفَظَة القرآن وزُلزلت الأرض تحت أقدام المسلمين، وعندها يظهر حب الدين والخوف على زوال المنهج أو تشويهه أو نقصان حَمَلة هذا الدين، وقلَّما تجد من يلتفت وسط الأحداث الجِسام إلى الخطر الحقيقي -إلى ضياع المنهج أو تحريفه- فالحفاظ على الأصول والثوابت من الحفاظ على المنهج و من أسباب النجاه من الفتنة.

لقد صعد عمار بن ياسر على صخرة مشرِفة وقد قطعت أُذُنه وبقيت عالقةً برأسه؛ صعد ليرى المشهد بوضوح، صعد ولم يُبالِ بجراحه فجراح الأمة أعظم و أشد، صعد ولكن لا لحب الظهور والصداره وارتفاع الـ"أنا"، ولكن صعد ليرى حقيقة المشهد، وليتمكن من تحريك الناس في الاتجاه الصحيح بدلاً من التخبط والضياع وتحركهم في غير طريق النجاة، وخاصة وقد كَثُر القتل واختفت القيادة؛ فكان لابد من صوت من فوق الصخرة يُذكّر بالهدف والغاية و يُحفّز نحو النصر..

فقال عمار: (يامعشر المسلمين، أمِنَ الجنة تفِرّون؟) إليّ ... إليّ.

نعم، كان لابد من هذا الصوت الحاني، الذي تربى على صوت من فوق "الصّفا" ينذر قومه ويبشرهم؛ وما أحوجنا اليوم لمثل هذا الصوت الذي يستشعر الخطر ويتحمل المسئولية، ويجمع شمل الناس ويوحّد صفّهم ويقوي معاني الأخوّة بينهم، "إليّ .. إليّ"..

ليقود مشروع النصر بالمؤمنين الذين يعلمون معنى النداء من فوق الصخرة، ثم يمضى "عَمّار" أمامهم و أُذُنُهُ تتذبذب على صفحة خَدِّه؛ فحملوا بحملته حتى قُتِل "مسيلمة الكذّاب" وطفق الناس يعودون إلى دين الله أفواجاً، بعد أن خرجوا منه أفواجاً.

أخي الحبيب: ابدأ أنت خطوات العمل، خطوات الإصلاح، خطوات الخير، خطوات جمع الشمل، خطوات نحو خدمة المجتمع والأمة وأفرادها؛ فالمجتمع ينتظرك، ينتظر من يمُد إليه اليد الحانية البانِيَة.

فابدأ وستجد من يمشي معك؛ فكثير من المرضى يحتاج لمن يزوره وأنت قد تكون صاحب مشروع زيارة المريض، أو مشروع رفع الضر عن المتضررين من السيول في "رأس غارب" و"صعيد مصر" .. اجمع الأغطيه أو المعلَّبات والمأكوﻻت الجافه أو الشموع؛ لتكفى بها شيئ من حاجة إخواننا في الجنوب، أو أي مشروع نافع..

فامضِ؛ ليمضي الناس خلفك، واصبر حتى تصل إلى غايتك، لايصيبك ملل ولا فتور (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).

و الله من وراء القصد، و الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
248 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١