الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

القادمون من الخلف

العبرة ليست بالشُّهرة أو التّصَدُّر، وإنما بالسعي والمسارعة والتكَلُّم بما يُفيد؛ لنصرة الدين

القادمون من الخلف
خالد آل رحيم
الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٠:٢٦ ص
1943

القادمون من الخلف

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ربما يقرأ أو يسمع البعض هذه الجملة، وهي أكثر شهرة في بعض الرياضات، عندما يأتي أحدُهم من الخلف منقذاً لفريقه، يطلقون عليه "القادم من الخلف" ولكننا هنا وبهذه الكلمات نُطلِق هذه الجملة على بعض "القادمين من الخلف" -ليس لِلّعب والمزاح ولكن- لنصرة دينهم وعقيدتهم ومنهجهم، وربما الكثير لا يعرف عنهم شيئاً، ولكن القرآن والسنة خَلّدا سِيَرهم -ولو بدون معرفة بعضهم بأعيانهم-.

نصروا دينهم بقدومهم من الخلف والعودة مرة أخرى، بلا ضجيج ولا شهرة، والأمثلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة نأخذ بعضها:

-        قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)، قال قتادة: كان يعبد الله في غارٍ فلما سمع بخبر الرسل جاء.

-        وقال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)، قال ابن كثير: ووصفه بالرجولة لأنه خالف الطريق فسلك طريقاً أقرب من طريق الذين بُعِثوا وراءه فسبق إلى موسي

قال البقاعي: ولما كان الأمر مهماً، يحتاج إلى مزيد عزم وعِظَم قوّة؛ قَدّم فاعل المجيء على متعلّقه، بخلاف ما في سورة "يس" - وقال- من أقصى المدينة أي: أبعدها مكاناً، وبَيّن أنه كان ماشياً ولكنه اختصر الطريق وأسرع في مشيه بحيث كان يَعْدُوا فسبقهم بإعظامه للسعي وتجديد العزم في كل وقت من أوقات سعيه.. ثم قال: (يَا مُوسَىٰ) فالأمر قد دهم، فلا يسع الوقت  للاستفصال. (انتهى).

والذي يتأمل هاتين الآيتين يجد عجبًا؛ فقد وردتا في سورتين مختلفتين، ولكن اتفقتا في رقم الآية، وهي الآية العشرون في كلتا السورتين.

وأسبغ الله تعالى صفة الرجولة عليهما، ووصفهما بالسرعة؛ لأنه عندما أحدق الخطر بالدعوة والمنهج لم يتوانيا عن نصرته، ولم يتكاسلا.

وكذلك من الأشياء المهمة أنهما لم يُنَظِّرا للمسألة أو يتَقَعّرا في الكلام بغرض المباهاة والامتنان وذِكر ذلك في المجالس -كما يفعل البعض في زماننا- ولكن تجد أنهما قالا كلمة واحدة: أحدهم قال لقومه: "اتّبِعوا المُرْسَلين" مباشرة، والآخر قال لموسي: "اخرُج منها" مباشرة.

ومن المُفارَقات أنهما قَدِما من الخلف، من أقاصي مدينة كلٍّ منهما، والعجيب أن أحدَهم قُتل، وهو "صاحب يس" والآخر لا ندري أين ذهب، فإن كنا قد جهلنا حياتهم فلا يضرّهم ذلك؛ لأن الله -تعالى- رفع ذِكْرَهم، بل هناك من الأنبياء من هو كذلك، قال تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)، وفي السِّيرَة الكثير، كقصة نُعَيْم بن مسعود -رضي الله عنه- الذي كان سبباً في هزيمة "الأحزاب"، وكـ"صاحب النّقْبِ" -رحمه الله- الذي كان في جيش محمد بن مسلمة بن عبد الملك، وغيرهم.

إذن: فالعبرة ليست بالشُّهرة أو التّصَدُّر، وإنما بالسعي والمسارعة والتكَلُّم بما يُفيد؛ لنصرة الدين، وِفْق مَنهجٍ قويمٍ مُنْبَثِقٍ من كتاب وسُنّة، على طريقة سَلَف هذه الأمة المباركة، حينها يستحق من يفعل ذلك أن يُسبَغ عليه وصف "الرجولة"، وإن كان مجهولاً في الأرض، فهو مشهورٌ في السماء عند رب السموات والأرض.

     موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة