الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

العمل المؤسسي ۔۔ مقدمة وتعريف -1

الشرع والفطرة والواقع المُعاش يحكمون بنشاز الفكر الفردي التفتيتي

العمل المؤسسي ۔۔ مقدمة وتعريف -1
أحمد عبد الحميد
الجمعة ٠٢ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٠٩ ص
1588

العمل المؤسسي ۔۔ مقدمة وتعريف (1)

كتبه/ أحمد عبد الحميد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يمكنك ببساطة وبلا مبالغة أن تقول أننا نعيش زمن المؤسسية في كافة مجالات الحياة بتعقيداتها وتشابكها، والواقع العملي خير شاهد على ذلك، حيث ينتقل الفرد في مراحل حياته المختلفة بين مؤسسات، تسلمه إحداها إلى الأخرى بحيث لو أراد أن يستقل بحياته العملية أو كسبه المادي أو عمله الخيري التطوعي بعيداً عن سيطرة المؤسسات سيجد صعوبة بالغة تصل إلى الاستحالة.

وحالة العمل الإسلامي بصفة عامة -والعمل السلفي بصفة خاصة- شهدت جدليات مرهقة لمدة طويلة بين اختيار العمل الفردي أو العمل الجماعي المؤسسي؛ نشأت نتيجة ضعف العلم الشرعي والعلم بالواقع، خاصة مع القهر والتضييق ومحاولات التقزيم التي عانى منها العمل الإسلامي لمدة طويلة مما جعل الكثيرين ينكفؤون على ذواتهم، أو مجموعاتهم الضيقة -في أحسن الأحوال- إما استسلاماً لما مورس ضدهم من قهر، أو تغليباً للميول الفردية عند بعض قادة الرأي الإسلامي، أو استسهالاً في علاج مشكلات العمل الجماعي التي لا يخلو منها أي تجمع بشري؛ فتوجهوا لمحاربة العمل الجماعي باحثين عن أية أدلة شرعية أو تجارب تاريخية تدعم اختيارهم حتى لو ثبت خطأ هذا الاختيار في كل مرة يتم القضاء فيها على أية مبادرات إصلاحية لواقع الأمة المرير، في الوقت الذي يطور فيه أعداء الأمة أدوات قوتهم وأسباب تغلبهم، ومن أهمها الاهتمام بجماعية عملهم وتطوير أدوات إنفاذ مخططاتهم الفكرية والعسكرية.

إن الشرع والفطرة والواقع المُعاش يحكمون بنشاز الفكر الفردي التفتيتي الذي يخدم مخططات أعداء الأمة بإهدار مواردها وطاقتها الهائلة في شتى البقاع.

فالعمل الجماعي المؤسسي يحقق التعاون والجماعية التي حث عليها القرآن والسنة كما في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، كما أنه يحفظ للأمة خيريتها النابعة من تعاونها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، وينفي عنها خطر الفرقة والتشرذم واستحواذ الشيطان، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، وفي رواية أخرى عند الترمذي في سننه: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد"، وقول الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ).

تعريف المؤسسية

يمكن تعريف العمل المؤسسي بأنه:

        (شكل من أشكال التعبير عن العمل التعاوني بين الناس، والميل بقبول العمل الجماعي وممارسته، شكلاً ومضموناً، نصاً وروحاً، وأداء العمل بشكل منسق قائم على أسسٍ ومبادئ وأركان وقيم تنظيمية محددة).

        (التجمع المنظم بلوائح، يُوزَّع العمل فيه على إدارات متخصصة ولجانٍ وفِرَق عمل؛ بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة، أو الإدارات في داوئر اختصاصاتها؛ أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى، الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي).

        (كل تجمع منظَّم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة، وفِرَق عمل، وإدارات متخصصة؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرارات، كلٌّ في دائرة اختصاصاته).

إن رفع شعار المؤسسية وممارسة بعض صورها والتحلي ببعض سماتها لا يعني أن العمل يتم بشكل مؤسسي على الحقيقة؛ إلا إذا توفرت به كافة السمات التي تنقله من ضيق الفردية، ومحدوديتها، ونزعاتها، إلى رَحَابة العمل الجماعي المدرك لإمكانيات وموارد أفراده، وينظم الاستفادة منها وتطويرها وتنميتها، ويحافظ على استمرارية العمل وبقائه في مواجهة التحديات الدائمة، والتي من أخطرها ندرة نموذج القائد الفذ الذي تجتمع حوله النفوس ثم تتفرق بموته أو ضعفه أو انتقاله أو توقفه أو حتى انحرافه عن رشده، بل إن المجموعات التي تعتمد المؤسسية كأسلوب عمل مهددة في بقائها ذاته ما لم تقس بِنْيتها التنظيمية ولوائحها وإجراءاتها وأساليب تنميتها وتطويرها وفق ما تم الاستقرار عليه من سمات لازمة لأي عمل مؤسسي.

وفي ضوء التعريفات السابقة وما استقرت عليه الخبرات المتراكمة للبشر؛ نتناول إن شاء الله في الحلقات القادمة أهم سمات العمل المؤسسي، ومعاييره التي يعتمد عليها؛ توكلاً على الله -عزّ وجلّ- في تطوير عملنا الدعوي وأدائنا لرسالتنا والأمانة التي تصدينا لها، والله يوفقنا والمسلمين لما يحبه ويرضاه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

سمات العمل المؤسسي (8)
1195 ٠٥ مارس ٢٠١٧
سمات العمل المؤسسي (8)
1208 ٢٥ فبراير ٢٠١٧
سمات العمل المؤسسي (7)
1308 ١٨ فبراير ٢٠١٧
سمات العمل المؤسسي (6)
1266 ١١ فبراير ٢٠١٧
سمات العمل المؤسسي (5)
1275 ٣٠ يناير ٢٠١٧
سمات العمل المؤسسي (4)
1140 ٢٩ ديسمبر ٢٠١٦