الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفرار من الفتن

من آوى إلى الله آواه الله وجعله هدايةً لغيره

الفرار من الفتن
عصام زهران
الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠١٦ - ١٢:٥٦ م
1370

الفرار من الفتن

كتبه/ عصام زهران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في خِضم الأزمات، وجفاء القلوب عن الآيات؛ ربما يفقد المؤمن فقه الدعوات.. فإذا استجمعَ وأخذته العَبرة، واستغاث ربَّه، ورفع أكُفَّ الضراعة للملك وحده؛ أهدرَ العبرة، وفوَّتَ الفرصة.. فهيا بنا نأخذ الدرس من الفِتْيَة..

قال الله تعالى عن دعاء فِتْيَة أهل الكهف: (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)؛ فلم يسألوا تفاصيل النجاة ولم يُحجِّروا واسعا؛ فلا تسأل وظيفةً ولا زواجًا ولا سيارة؛ عليك بمَجامِع ذلك كله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتقوا الله وأَجْمِلوا في الطلب).

قال الفتية في دعائهم: "رحمة".. نَكِرَة في سياق الطلب، تفيد العموم. أي: آتنا من لدنك جميع سُبل النجاة والرحمات التي نعلمها والتي لا نعلمها. كما في قوله سبحانة: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً)، أي: جميع الخيرات في الدنيا والآخرة.

(وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً)، الرشد: هو إصابة الحق، وهو المسلك الصحيح، وهو ضد الضلال والغواية، فما أجملَ وما أحسن من أوتيَ هذا الوصف.

"وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً"، وكأن لسان حالهم يقول: نحن فتية صغار، ما عندنا خبرة، نحتاج إلى حماية، نحن فتية خرجنا ما نعرف إلا بيوتنا، ليس لنا معرفة بالطرقات والدروب والأسفار، لا نعرف إلى أين نتجه، لكن المهم أن نَفِرّ بديننا، المهم أن ننجو من هؤلاء الظلمة؛ ( إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُم) فيها هلاك، وإذا لم تكن هذه فالأسوأ: (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِم) الى الكفر (وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) إذا عدتم اليه.

- فعلى المسلم أن يعرِض حالَه وفقرَه وذُلّه، وقِلّة حيلته وحاجته، ومَسْكَنَته وعجزَه وضعفَه، على الله -عزّ وجلّ-.

وأن يختار من ألفاظ الثناء على الله سبحانه ما يليق بجلالِ الله وعظمتِه، ورحمتِه، وغِناه وكمالِه، وسِعَة علمه وقوّته، وحِلمِه وقدرتِه، وحكمتِه وفضلِه.

وأن يختار من ألفاظ المسألة ما يناسب فقرَه وعبوديّتَه، وخطيئتَه وذنبَه، وظُلمَه لنفسه، وجهلَه.

- الفتية أووا إلى الكهف القفر المظلم البعيد.. فكان مأوىً لهم؛ فيه الرحمة والراحة والطمأنينة، وهكذا المسلم يتخذ من كل بلاءٍ صبراً، ومن كل محنةٍ بشرى، ومن كل نعمةٍ شكرًا، ومن كل ضيقٍ فرجا، فهو في مأوى.

والمشروع عند وقوع الفتن بين الناس أن يَفِرّ العبد منهم خوفًا على دينه، كما جاء في الحديث: (يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنمًا يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفِرّ بدينه من الفتن)؛ ففي هذا الحال تُشرَع العُزْلة عن الناس، ولا تُشرَع فيما عداها.

وفي هذه القصة دليل على أن مَن فَرّ بدينه من الفتن سَلّمه الله منها، وأن مَن حرص على العافية عافاه الله، ومن آوى إلى الله آواه الله وجعله هدايةً لغيره، ومن تحمَّلَ الذُلّ في سبيل الله وابتغاء مرضاته كان آخر أمرِه وعاقبته العزّ العظيم من حيث لا يحتسب، وما عند الله خير للأبرار .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة