السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد الخطاب الديني كما نفهمه

إنه عزّ وجلّ قد يبتعث جماعة تجدد للناس أمر دينها

تجديد الخطاب الديني كما نفهمه
علي حاتم
السبت ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦ - ١١:٣٥ ص
1059

تجديد الخطاب الديني كما نفهمه

كتبه/ علي حاتم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كَثُر في الأيام الأخيرة الحديث عن ضرورة تجيد الخطاب الديني بل ويحدث الآن بالفعل -فيما أعلم- التجهيز لمزاولة اللجان الرسمية المعدّة لهذا الغرض لعملها، والمقصود بالخطاب الديني: كل ما يقال ويكتَب ويُدرَّس في مختلف العلوم الشرعية مما يهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم، سواء فيما يتعلق بالعقيدة أو العبادات أو الأخلاق، وتعريفهم بالفروض والواجبات والسنن والحلال والحرام والمكروه في كل ذلك.

ولعل الدافع إلى كثرة الحديث في أيامنا هذه عن هذا الموضوع هو كثرة الفتن التي نعيشها، بسبب سوء الفهم لكثير من نصوص الدين، والذي ترتب عليه ظهور جماعات وطوائف ضالة تتطرف يمينًا أو شمالًا، وأهل السنة والجماعة يقفون في الوسط من كل هؤلاء، ويصدق عليهم قول الحق تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، وقد أخذوا دين الله -نصًا وفهمًا- من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين تلقّوه من نبيهم، ثم علَّموه للتابعين، ثم انتقل في الأمة جيلًا بعد جيلٍ، حتى وصل إلينا نقيًا سالمًا من البدع والضلالات والزور والبهتان.

هذا وتجديد الخطاب الديني معناه: تنقية هذا الخطاب من كل ما يشوبه من تلك البدع والضلالات التي ترتبت على سوء الفهم للنصوص بما يخالف فهم الذين نزل فيهم كتاب الله وعاشوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم ويربيهم، يتخلّقون بأخلاقه ويُميِّزون بين الحلال والحرام والواجب والمستحب، ثم قاموا بدورهم -رضي الله عنهم- بتعليم تابعيهم، وانتقل هذا العلم النافع والفهم الصحيح جيلًا بعد جيلٍ من خلال أهل السنة والجماعة حتى وصل إلينا.

فصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أفضل الأمة وأعلمها -بعد نبيها- بمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- من كل نص ورد في كتاب الله أو على لسان نبيه الكريم.

وما كان لشخص -كائنًا من كان- أن يبدِّل كلمةً أو حرفًا نزل من عند الله أو ورد على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن كلمة التجديد لا تتعلق بنصوص الدين الذي تم واكتمل نزوله على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وقد قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية؛ وما كان ليقبضه الله وفي الدين نقصٌ في كلمة أو في فهم لمعنى، ولله الحمد والمنة.

كما أن الله تعالى لم يقبض نبيَّه إلا بعد تبليغه الدين نصًا وفهمًا؛ فلم يترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، كما لم يترك شرًا إلا حذر الأمة منه.

إنما التجديد يتعلق بسوء الفهم لبعض النصوص -وخصوصًا في مجال العقيدة- والذي حدث لبعض الأشخاص والجماعات، ترتب عليه انتشار البدع والضلالات، الأمر الذي يتطلب وجوب تنقية الخطاب الديني؛ بمعنى التركيز على تصحيح سوء الفهم المذكور، وردّ تلك الجماعات إلى الفهم الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». ولفظة «مَنْ» اسم موصول مطلَق، قد يتعلق بفرد أو جماعة، فكما أن الله ابتعث على رأس المائة سنة الأولى عمر بن عبد العزيز للقيام بهذا الأمر العظيم، وابتعث الشافعي على رأس المائة الثانية -كما يقرر العلماء-، فإنه عزّ وجلّ قد يبتعث جماعة تجدد للناس أمر دينها؛ فتحيي سننًا قد اندثرت، وتُميت بِدَعًا قد انتشرت، وتصحح سوء الفهم الذي أصاب الكثيرين، والذي أدى إلى ما نحن فيه من انتشار الجماعات التي تكفّر المسلمين حكام ومحكومين، ومِن ثَم تستبيح الدماء والأموال وتعيث في الأرض فسادًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة