الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بشائر من الهزائم (5)

مقتل الخليفة المستعصم بالله

بشائر من الهزائم (5)
زين العابدين كامل
الاثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦ - ١١:٢٧ ص
1101

بشائر من الهزائم (5)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

لقد ذكرنا في المقال السابق مشهد سقوط بغداد، ومقتل ما يقرب من مليون من المسلمين، وكيف كانت حالة الاستضعاف التي مر بها المسلمون، وكيف تم تدمير المساجد، وقتل العباد والعلماء في عاصمة الخلافة العباسية..

مقتل الخليفة المستعصم بالله:

عامَل "هولاكو" الخليفة معاملة سيئة للغاية، بعد أن أخذ منه كل ما يريد من الأموال والكنوز، وهنا قرر "هولاكو" أن يقتل خليفة المسلمين، ولكن كيف كان مقتله؟

هنا تضاربت روايات المؤرخين، ولعل أبا الفداء يمثل لنا اختلاف الروايات بخصوص قتل "المستعصم" تمثيلًا واضحًا حيث يقول: ولم يقع الاطلاع على كيفية قتله؛ فقيل خُنِق، وقيل وُضِع في عدل ورفسوه حتى مات، وقيل غرق في "دجلة"، ويختم عبارته بقوله: والله أعلم بحقيقة ذلك، واشتهرت بين المؤرخين قتل "المستعصم" في غرارة، تم رفسه إلى إن مات.

والسؤال المطروح: لماذا اختار "هولاكو" هذه الطريقة في قتل المستعصم؟

قيل في تبرير ذلك أمور منها:

1- شق على مستشاري "هولاكو" من المسلمين أن يراق دم الخليفة -وهو أمير المؤمنين وزعيمهم الديني- فحذروا الخان المغولي أن يقدم على تلك الفعلة،

2- قتل "هولاكو" "المستعصم" دون أن يريق دمه، لا خوفًا من تحذير العلماء المسلمين؛ وإنما جريًا على عادة المغول، كما أشار إلى ذلك النويري إذ يقول: ومن عادة التتار أنهم لا يسفكون دماء الملوك والأكابر غالباً، وعلله ابن خلدون بقوله: تجافيًا عن سفك دمه بزعمهم.

الخراب الحضاري:

بعد أن أتم "هولاكو" وجيشه المغولي التتاري قتل أهالي بغداد، أمر قادته وجيوشه -بعد القتل والذبح- بنهب بغداد؛ فعاث جند المغول والتتار فسادًا في المدينة التي ما كفوا عن ضربها بالمنجنيقات إلا بعد أن رأوا أكثر مساكنها وأسواقها أصبحت ركامًا، حتى المساجد والجوامع والمدارس والمكتبات أشعلوا النيران فيها أيضاً..

وقد نهب المغول كل التراث الذي امتلكه الخلفاء العباسيون وأهالي بغداد، من أثاث وسجاد وأقمشة من حرير وأقطان وكتان، ودام القتل والنهب أربعين يوماً..

وقد استُهدفت مكتبة بغداد العظيمة -وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمان- وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام، جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون، والعلوم الشرعية، ومن علوم حياتية، ومن علوم إنسانية، وغير ذلك..

حمل التتار الكتب الثمينة -ملايين الكتب القيمة- وألقوا بها جميعًا في نهر دجلة..

ألقى المغول بمجهود القرون الماضية في النهر، وتحول لون المياه إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، حتى قيل إن الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى.  

 أهم أسباب سقوط الدولة العباسية:

-                      إن الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى يجلب للأفراد والأمة تعاسةً وضنكًا في الدنيا -تبدو آثاره على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية-، وهلاكًا وعذابًا في الآخرة، قال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النور، آية: 63).

-                      ومن الأسباب غياب القيادة الحكيمة: لم تكن شخصية الخليفة المستعصم بالله تمثل القيادة الحكيمة الراشدة، بل كان ضعيف الشخصية ولم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب.

-                      ومن الأسباب إهمالهم لفريضة الجهاد، وانعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي، وكثرة الترف وخيانات الشيعة وغيرهم..

فلابد لنا أن نتعلم من ماضينا وتاريخنا، وأن نأخذ منه الدروس والعظات والعبر؛ ولكن هل كانت هزيمة المسلمين وسقوط الخلافة العباسية نهاية المطاف؟

لا؛ بل جاءت البشائر من الهزائم.. ونستكمل في المقال القادم بإذن الله تعالى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com