الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل ماتت الصحوة الإسلامية؟

ما تحتاجه الصحوة الآن هو إيجاد آلية جديدة في العمل المؤسسي

هل ماتت الصحوة الإسلامية؟
سالم الناشي
السبت ٠٧ يناير ٢٠١٧ - ١٥:٠١ م
1072

هل ماتت الصحوة الإسلامية؟

كتبه/ سالم الناشي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تفاءل كثير من الدعاة بتنامي "الصحوة الإسلامية" التي ظهرت بعد هزيمة العرب في حربهم ضد إسرائيل عام 1967. إلا أن ضوء الصحوة قد خفت كثيرا الآن؛ فما الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع؟ وما مدى تأثيره؟

لقد شهدت فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات صعودًا للحركات الإسلامية، ونشاطًا بارزًا للعلماء والمشايخ، وعودةً لكثير من الشباب إلى الالتزام بالدين، والصلاة، والصيام، والشابات إلى الحجاب والاحتشام، ونبذ الأفكار المنافية للدين كالشيوعية والاشتراكية والبعثية والعلمانية والليبرالية، وغيرها من الأيدولوجيات التي انتشرت في تلك الفترة، لقد كانت نقلة بارزة وقتئذ.

وكانت بداية الصحوة دعوة إلى الجذور الأولى للسلف الصالح، والسير على هدي القرآن والسنة الصحيحة والعقيدة الصافية؛ مما جعل -بالضرورة- العلماء الذين يدعون إلى هذه المعاني الأصيلة في مقدمة الصفوف؛ فبرز سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -توفي عام 1420هـ/1999م- بوصفه مرجعية أساسية للصحوة الإسلامية بما تميز به من بذل للنفس، واندماج كامل مع الناس، وصيانة للأطروحات والأفكار من الغلو والتطرف، وكان -رحمه الله- بمثابة صمام أمان للصحوة، كان ابن باز حربًا على جميع العقائد الباطلة، ومدافعًا قويًا عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وهكذا كانت البيئة الدينية السعودية؛ لذا كان من المهم للأعداء -لاحقًا- النيل من السعودية بوصفها حاضنة لهذه العقيدة السليمة.

وفي الجهة الشامية كان العلامة محمد ناصر الدين الألباني -توفي بعد خمسة شهور تقريبا من وفاة العلامة ابن باز- أيضًا صوتًا صادحًا بالدفاع عن السنة الصحيحة، والوسطية الإيمانية، وسدًا منيعا في وجه أصحاب البدع والخرافات والمتجرئين على السنة الصحيحة؛ لذا ناله كذلك من الهجوم الشيء الكثير.

وكانت مصر من أكثر الدول المؤثرة في احتضان عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لذا كانت الجهة الثانية التي تنبه لها الأعداء، يقول الشيخ أبو إسحاق الحويني: «إن حجم الضرب الذي تشهده الحركة الإسلامية بلغ حدًا عجيبًا جدًا، ولولا أن الله -تبارك وتعالى- أذن بحياة هذا الجسد لمات من كثرة الضربات التي تتوالى على رأسه».

وفي الوقت الذي يعيب فيه بعضهم على "الصحوة" تركيزها على المجالين العقدي والتعبدي، يرى الجانب الآخر أن انغماس "الصحوة" في السياسة سبب رئيس لتعثرها وتوجيه السهام لها، ولعل التجربة المصرية هنا أبلغ دليل سواء كان في حزب الحرية والعدالة ذراع "الإخوان المسلمين"، أم تجربة حزب النور الناجحة والممثل للدعوة السلفية.

لقد كان الغزو العراقي للكويت في عام 1990 ميلادية مفصليًا في تجرؤ بعض الخطباء والدعاة على كبار العلماء في معارضتهم لمسألة الاستعانة بالقوات الأجنبية؛ حيث فتح هذا الباب شرًا على الصحوة؛ بحيث كثر اللغط، والخلاف، وتخطئة الآخر، وبالتالي جاء التطرف بنوعية إفراط وتفريط! فغالى بعضهم في مسائل النصح للحاكم حتى وصل إلى تكفيره وتكفير المجتمعات المسلمة، لا بل إرهابه ومحاربته وإقامة خلافة إسلامية هكذا!

وجاء التفريط برفع أي محاسبة عن الحكام في كل الأحوال! وظل الوسط المعتدل وحيدًا يدافع عن نفسه، ويقي نفسه من الهجمات التي كانت تأتيه من المتطرفين، ووصم علمائه بأنهم علماء سلطة، لهم مصالح دنيوية، وطمعًا في النفوذ والحسبة، هكذا!، وكان هذا الأمر محتملا حتى جاءت المخاصمة والهجوم من الأعداء الحقيقيين الذين وصموا أهل الكتاب والسنة بأقذع الصفات، وأخرجوهم من جماعة المسلمين (مؤتمر غروزني)، ووصفوا دعوتهم بالوهابية، والإرهاب والتطرف والغلو وعدم محبة آل البيت وعدم المحافظة على أمن الحرمين الشريفين واستقرارها.

لقد أصيبت "الصحوة الإسلامية" في مقتل حين تكالب عليها الأعداء، واتسعت رقعتهم إلى الغرب الأوروبي الأمريكي والشرق الروسي الصيني، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ميلادية، وأصبح الهجوم على الإسلام الوسطي تحديدًا هو الأصل في خطابات السياسيين، وبعض المفكرين، تحت تأثير "الإسلاموفوبيا".

لقد فقدت "الصحوة" قوتها المؤثرة في المجتمعات المُسلِمة؛ بسبب غياب القيادات المرجعية من جهة، وظهور التطرف تحت مسمى التيارات السلفية الجهادية، وانسحاب الهجوم على الجميع؛ ذلك أنهم جعلوا كل التيارات الإسلامية في بوتقة واحدة، وحمَّلوا التيار الوسطي مسؤولية أخطاء المتطرفين والغلاة.

ما تحتاجه الصحوة الآن هو إيجاد آلية جديدة في العمل المؤسسي، والخروج من دائرة العالم الواحد إلى عوالم العمل الجماعي، ومد الجسور مع الواقع، والمصالحة مع الآخر، وبناء علاقات وثيقة مع الأنظمة السياسية المعتدلة، التي بدورها ينبغي أن تحتضن التيار الوسطي وتحميه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


تصنيفات المادة