الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فهم القضايا المركبة والمتعددة الأبعاد علامة النضج الفكري

الحرص الإيراني على وحدة سوريا ليس حبًا بسوريا والسوريين والوحدة، بل حرصًا على أنفسهم وكيانهم

فهم القضايا المركبة والمتعددة الأبعاد علامة النضج الفكري
أسامة شحادة
الأحد ٠٨ يناير ٢٠١٧ - ٢٠:١٧ م
959

فهم القضايا المركبة والمتعددة الأبعاد علامة النضج الفكري

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بعد خطوات سلامة المنهج، ودقة المعلومة وصوابية التحليل، وإدراك حقيقة الخصوم ومكائدهم، وسعة النظرة، أختم هذه الخواطر بالتنبيه على أهمية امتلاك الرؤية المعمقة التي لا تكتفي بالنظرة المسطحة الواسعة للأشياء، بل تغوص في عمقها وتكشف عن طبقاتها وارتباطاتها وعواملها المتعددة ومآلاتها القادمة.

لقد استشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرر قتل رأس المنافقين ابن سَلول على مسيرة ومستقبل الدعوة الإسلامية، فقال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"، وهو مراعاة لمآلات الحدث، ويقظة لأهمية الإعلام والرأي العام ووجوب أن نقطع أسباب التشويش الإعلامي على المصالح الإسلامية من قبل خصوم الإسلام، وهو ما تتفنن "داعش" في القيام به بإصدارتها المتقنة، مما شوّه صورة الإسلام بطريقة لا مثيل لها من قبل!

ولنا في قصة الفاروق ومعاوية -رضي الله عنهما- مثال على تعقد القضايا، فقد عاتب الفاروق معاوية على اتخاذه موكبًا في تحركاته، فبرر معاوية ذلك بقوله: "يا أمير المؤمنين إنا بأرضٍ جواسيسُ العدُوِّ فيها كثيرة، فيجب أن نُظهِر من عِزِّ السلطان ما يكون فيه عِزٌ للإسلام وأهلِه ويرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت". فقال الفاروق: "لا آمرك ولا أنهاك".

وفي عالمنا اليوم تعقدت القضايا وتركبت بشكل أصبح يُشْكل على كثير من العقلاء والأذكياء وليس عامة الناس وبسطائهم فحسب، فمن تعقيدات وتركيبات الثورة السورية أن الإجرام الإيراني والشيعي في سوريا يهدف للاستيلاء على سوريا مُوَحَّدة وليست مُقَسَّمة بحسب ما ترغب أطراف أخرى، لأن تقسيم سوريا وظهور دويلة كُردية جديدة يهدد وحدة إيران ويعزز انفصال أكرادها، ويفتح الطريق لبقية القوميات للمطالبة بالانفصال والعودة للاستقلال الذي فقدته على يد والد الشاه في عشرينيات القرن الماضي!

فالحرص الإيراني على وحدة سوريا ليس حبًا بسوريا والسوريين والوحدة، بل حرصًا على أنفسهم وكيانهم، وهذا الحرص على وحدة سوريا ومنع قيام دويلة كُردية تتقاطع فيه مصلحة إيران وتركيا برغم تناقض رؤيتهم حول مستقبل سوريا وبشّار.

من تعقيدات الثورة السورية أن ما أنقذ بشار الأسد لليوم هو عدم توفر بديل عنه في الثورة يمكن أن يرضى به الفُرَقاء في الداخل والخارج، فمع الأسف قرار مستقبل سوريا ليس بيد السوريين!

إن فهم تعقيدات المشهد يحتاج إلى توظيف كل الخطوات السابقة -التي أشرت لها في الخواطر السابقة- لفصل طبقات المشكلة، وتحديد تقاطعات أطرافها وموازنة أضرارها وفوائدها، ومن ثم تحديد أقل الخسائر في حالات الضعف، أو أعلى المكاسب في حالات القوة، وعندها نكون قد وصلنا إلى مرحلة النضج والبناء المتدرج وتجاوزنا حالة ردود الأفعال أو التهور والمغامرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً