الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ

متعةٌ دنيويةٌ زائلةٌ لا تساوي شيئًا أمام حياة سرمدية في النعيم المقيم

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ
خالد آل رحيم
الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٧ - ١٣:٥٥ م
2617

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يخاطب المولى -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- في مرحلة من أشد مراحل الدعوة ابتلاءً وفِتَنًا وكدرًا إبان المرحلة المكّية بقوله: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)

فكأن الله -تعالى- يسلي نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويخبره أن الأمر محتومٌ ومقضيّ؛ فمهما تمتعوا فإن الموعد عندنا، وعندئذ لا تُغني عنهم متعتهم وتسلطهم وتجبرهم في الدنيا شيئًا.

وكان عمر بن عبد العزيز إذا أصبح أمسك بلحيته وقرأ هذه الآيات الثلاث، ثم يبكي ويقول: "نهارك يا مغرور سهو وغفلة، وليلك نوم والردى لك لازم".

قال السعدي: ("مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ" من اللذات والشهوات، أي: أي شيء يغني عنهم ويفيدهم وقد مضت وبطلت واضمحلت وأعقبت تبعاتها وضوعف لهم العذاب عند طول المدة؟!)

وفي حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغةً، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مَرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغةً في الجنة، فيُقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مَرَّ بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا والله ما مَرَّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط).

وأجمل ما قيل في هذه الآية ما قاله ابن الجوزي: (أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون، ويتجبرون على الخلق ولا يُغلبون؟ مُزجت لهم كئوس المنايا فباتوا يتجرعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

مَدّوا أيديهم إلى الحرام، وأكثروا من الزلل والآثام، وكم وُعِظوا بمنثور ومنظوم من الكلام لو أنهم يسمعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

حُمِل كلٌ منهم في كفن إلى بيت البِلى والعفن، وما صَحِبهم غيره من الوطن، من كل ما كانوا يجمعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

ضَمَّهم والله التراب، وسُد عليهم في ثراهم الباب، وتقطّعت بهم الأسباب، والأحباب يرجعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

أين أموالهم والذخائر؟ أين أصحابهم والعشائر؟ درات على القوم الدوائر، ففيم أنتم تطمعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

شُغِلوا عن الأهل والأولاد، وافتقروا إلى يسير الزاد، وباتوا من الندم على أخس مِهاد، وإنما هذا حصاد ما كانوا يزرعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

أين الجنود والخدم؟ أين الحُرم والحَرم؟ أين النِّعم والنَّعم؟ بعدما كانوا يربعون فيما يرتعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

لو رأيتهم في حُلل الندامة، إذا برزوا يوم القيامة، وعليهم للعقاب علامة، يساقون بالذل لا بالكرامة، إلى النار فهم يوزعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"..

يا معشر العاصين: قد بقي القليل، والأيام تنادي: قد دنا الرحيل، وقد صاح بكم إلى الهدى الدليل، إن كنتم تسمعون، "مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ".) (انتهى)

فمتعةٌ دنيويةٌ زائلةٌ لا تساوي شيئًا أمام حياة سرمدية في النعيم المقيم، وإنه لثمنٌ بخسٌ لمن اشترى دنياه بأُخراه، وجنة الفردوس بالحُطَمَة، وفواكه كثيرة بشجرة زقوم، وأنهار تجري بقيح وصديد في الحلوق يغلي، فهل من معتبر؟

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة